الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاريء الحبيب

أسعد البصري

2011 / 9 / 16
الادب والفن


لا يتحدث عن ظاهرة (الإرتجال) في الشعر العربي القديم إلا قليلون
لقد كانت هناك شخصيات إنسانية مليئة بالصدق والموهبة
كان الأدب والفكر والفقه يفيض من أفواههم ، كانت مجالسهم
حياة ثقافية حقيقية ، عندما أنظر إلى أسلافي أشعر بحرج شديد فعلاً
رغم أنني لا أتصنع ولا أصنع كلامي بلا تجربة روحية
لكنني أقع في هفوات كتابية كثيرة أندم عليها بألم شديد أحياناً
ما يحدث اليوم هو أن الإنسان تخلى عن ذاته و عن عقله أيضاً
نحن لم نعد قادرين على إجراء أبسط عملية حسابية بلا آلة حاسبة
و ربما بآلات أخرى يكتب بعض الشعراء شعرهم الميّت
لكن تبقى في الإنسان ذاكرة تتجاوز حياته و تجربته الفردية
تبقى تجربة شعبه و تجربة الإنسان منذ عصر الكهوف والصراع مع الوحوش إلى يومنا هذا

أصدقائي الكتاب يفهمون ما أقصد إذا قلت
أن الكتابة ربما تكون تجربة دينية لأنها بدأت في المعابد
ربما نكون جميعا كهنة لمعابد تم هدمها منذ آلاف السنين
ورغم أن عقائدنا قد آنقرضت تماماً وآلهتنا قد حُطمتْ وأُهملتْ
حتى فقدتْ أسماءها إلّا أنه و بسبب وجودكم يبدو لي أن تلك الآلهة لم تفقد
بعض معجزاتها و أتباعها . الكتابة ظاهرة دينية أصيلة
لأنك لا تكتب إلا من خارج الحياة ومن عزوفك عنها و زهدك و رهبنتك
والناس لا تقرأ إلا بسبب النّسك و تلك اللحظات الوجودية النادرة التي تجلب
الشعور بالورع وبالجوع الروحي . أيها الرهبان طوبى لكم
الفقهاء يمثلون ديانة مكتملة في حالة تكرار و سلطة ، لكن الكتاب
هم فقهاء لديانة في حالة آنقراض أو تبدّد . وربّما الكتاب هم فقهاء هراطقة و مرتدّون .
كل كتابة ابداعية هي بلا شك حالة روحية أو دينية
ولهذا علينا أن لا نتوقع الترحيب بها من قبل الفقهاء والسلطة الثقافية

مسألة التَّدبُّر والتأويل في القرآن الكريم على سبيل المثال لا يُمكن آحتكارها
أو منعها ، فللفقهاء تأملاتهم و تدبّرهم و للأدباء تأمّلاتهم و تدبّرهم ، يجب التحرر من فكرة
الحق والباطل في هذه القضية ، إلى جمالية و عظمة النص القرآني نفسه ، النص القرآني
صديق و قريب ك(حبل الوريد) فلا تخيفونا وتُبعدونا عنه أيها الفقهاء . ودون الرجوع
إلى الصوفية أنا أعلم أن النص القرآني مختوم في القلب ، وأعلم أنه يحتمل أبواباً
لا متناهية للجمال والتأمل والعرفان . فقط يجب أن نخبر الفقهاء
ونطمئنهم أننا في الحقيقة لا نتحدى ظاهر القول ، ولا نعبث بالمعنى
الفقهي ، وكل ما هو من اختصاصهم . لكن يبقى القرآن صديقنا و حبيبنا
نحن معشر الأدباء . النص القرآني يصدر عن مُطلق ولكنه يعيش فينا
وينزرع كغرس حيّ وبتراكم التجربة والألم تُشرق معانيه و وتنفتح بوّاباته
الخفيّة و تتدفّق تأويلاته اللانهائية . فقط الشاعر يستطيع إيجاد معنى مخيف لهذه الآية
( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك
هم المفلحون ( 8 ) ومن خفت موازينه فأولئك الذين
خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ) ، الذي يتكلم قبل أن يشعر
ب (ثقلٍ في وزنه وحركته) ، هو في الحقيقة فارغ ويصدر عن فراغ ويكتب كلاماً فارغاً .
مهما يكن من أمر فإن الفقهاء يتأولون في القرآن سُلطتهم المطلقة
ولكننا نتأوّل فيه عذابنا و تجربتنا وتبدّد أحلامنا

أحاطتْ بيَ العناية الإلهية مراراً ، وتخلّتْ عنّي مراراً
لكنني لم أشعر أبداً بما أشعر به الآن من ألم
ما أسمعه ليس عذابي بل عذابُ شعبي كله
هذا الصوت سمعه رجلٌ قبلي هو السيّاب
وكتب قصيدته : غريب على الخليج


في الحقيقة لا يوجد كاتب ، بل يوجد قاريء فقط
القاريء يُحيي النّصوص و يُميتها
نحن نكتب لأننا لا نُحسنُ شيئاً أفضل نقوم به
نكتب لأننا مرضى وعندنا ما يعتصر قلوبنا
نكتب ما نفكر به و نشعر
هذا كله مجرد هذيان شخصي
القاريء الخلاق الجبار هو مَن يحدّد
مَن منّا مجرّد ثرثار و مَن منّا في الحقيقة
يقول كلاماً ينفع الناس


الجو في (أوتاوا) بدأ يميل إلى البرودة ، الشمس تغرب باكراً ، هنا تماماً على هذا الكرسي ألأسود تقشّر الجلدُ من على مسانده ، القلق الذي في راحتي قد أحرقه ، بيني وبين النافذة ستارة قماش رمادية ، الساعة الآن السادسة عصراً ، كُلّما ألقيت رأسي إلى الخلف قفز السؤال ذاته
كيف استطعت أن تعيش كل تلك السنين يا أسعد
لا أعرف كيف وصلتُ إلى هنا ، نحن الآن خريف ٢٠١١ ومع هذا مازلتُ حيّاً ، عدد قليل من الناس يشعر بالخجل من طول الضيافة ، إنها أواخر الخريف أُزيح الستارة على مهل و كأنني أتلصّصُ على الحياة ، هناك ريح خفيفة وأغصان تهتز وسيارات واقفة ، الساحة الخضراء الممتدة أمامي فارغة ، لأن الطلاب قد ذهبوا إلى بيوتهم ، المدرسة نائمة الآن ، يا للمدارس والأطفال وخرافات المستقبل ، لكنني أشعر حقاً بطمأنينة ، هناك خلف الملعب مقبرة كاثوليكية كبيرة تُحلّقُ فوقها الطيور ، نهاية الخريف وأسمع موزارت لكأنني أشربهُ بلا توقّف ، لا أعرف مَن أنا ، الحياة أوجعتني كثيراً فيما مضى ، أكثر من الطبيعي ، لكن الألم قد توقف ، ليس لأن شيئاً قد تحسّن بل لأنني فقدت الشعور بالألم ، هذه اللحظة التي أقف فيها الآن هي ميراث طويل لتجارب و ضجيح استمر لعقود ، إنها لحظة تتويج على مملكة سوف أفقدها بعد لحظات ، و دائماً أشعر بأنني قديم ، لا يُمكن لما أراه أن يكون نتيجة عمرٍ واحد ، تحوُّلُ الفصول يخبرني بهذه الحقيقة ، في عصور قديمة جداً كنتُ أجلس بين الخريف والشتاء هكذا أجمع الحطب و أطارد الكلاب السائبة ، هذه العقائد شخصية لا شأن لكم بها ، لكن يبقى الإعتراف سيّداً للإبداع وليس سيّداً للأدلّة فقط . لن يكون هناك أيُّ دليلٍ على وجودي سواك أنت أيها القاريء الحبيب لأنك منحتني دقيقتين و قرأت كلامي

http://youtu.be/df-eLzao63I








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 175 مليونا خلال أسبوعين


.. المخرج محمد الملا يكشف لصباح العربية أسرار من الفيلم الجديد




.. أسباب غياب الفنان عبدالله رشاد عن الساحة الفنية


.. -كان ودي نلتقي-.. دويتو يجمع بين الفنانين عبدالله رشاد ونوال




.. -نحتاج أكاديمية لتطوير مدراء الأعمال-.. الفنان الدكتور عبدال