الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما جنيناه من الحكم الوراثي

نارت اسماعيل

2011 / 9 / 17
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أجمل ما في الحياة، الوطن والمرأة.
كم من المعاني الرائعة مختزنة فيهما، كم من الصور الجميلة مرتبطة بهما، وكم من القواسم المشتركة تجمعهما.
الوطن، بجباله ومياهه ودروبه وحاراته، بملاعب الطفولة وذكريات مغامرات الشباب الأولى
المرأة، إلهة الجمال والخصب، رمز العطاء والحب
كم من الأشعار والألحان والرسمات صنعت من أجل الوطن والمرأة؟
لا أحد نازع الوطن على قلب الرجل مثل المرأة، ولا شيء انتصرعلى المرأة في الأوقات الصعبة إلا الوطن.

حاكم فاسد يسرق الوطن، يسرق جباله وأنهاره، يسرق أشجاره وثماره. يمنع الناس من الحلم، يحرمهم من الأمل
نفس الحاكم الفاسد يدمّر المرأة، يحرق قلبها بإبنها، فلذة كبدها، بأبيها، بزوجها معيلها الوحيد، تصبحة لا شيء مثل الحطبة
بدلآ أن تكون عزيزة مكرّمة شامخة، يجعلها منكوبة كسيرة الفؤاد محطمة
ماذا يبقى في حياتنا إذا سرق الحاكم الوطن وأذلّ نساء الوطن؟
لا عاشت سوريا يومآ إن غفرت لهذا الحاكم الجائر
بدلآ أن نستمتع ببلدنا، بجباله وشواطئه ومناظره الجميلة
بدلآ أن يخرج الشباب والشابات برحلات مدرسية وجامعية وينطلقوا فرحين في ربوع وطنهم
بدلآ أن يركض الأولاد في الشوارع والساحات يلعبون فرحين ويجرون وراء طابة أو لعبة
يلاحقهم المجرمون، يمنعوهم أن ينشدوا نشيدآ للوطن، يطلقون الرصاص على من يلوح بعلم الوطن، يصادرون أحلامهم، يكتمون أنفاسهم
يجبرونهم على الخروج في مسيرات إجبارية ليمجدوا بالحاكم ويركعوا لصورته.

ما يجري في سوريا هذه الأيام لطخة على جبين الإنسانية، قتل بدم بارد، تعذيب وحشي ممنهج، إمتهان لكرامة الإنسان.
هؤلاء الوحوش يتعاملون مع المعتقل وكأنه كيس طحين، يركلونه بجزمهم، يضربونه بقبضات أيديهم، بأكعاب بنادقهم، بالعصي، بخشبات مسمّرة
لا يهمهم أين تقع ضرباتهم، على العين فيفقؤونها، على الرأس فيفقد إلى الأبد إحدى حواسه أو يصاب بالشلل، على فمه فيحطمون أسنانه.
أحد الوحوش يدخّن سيجارة وينفض رمادها على لسان المعتقل، شاب يقبضون عليه، مازال يافعآ نابضآ بالحياة، قميصه نظيف مكوي، بنطاله أنيق وتسريحته جميلة وشعره مصفف، يخرج بعد شهر من المعتقل جثة مشوهة منتفخة مليئة بالكدمات والكسور والطعنات
كان المتوحشون يتدربون على كيس طحين!!
أم تغسل إبنها الشهيد، وحيدها، وثقب كبير في بطنه من أثر رصاصة عملاقة كانت تكفي لإسقاط طائرة
الطقس حار والكهرباء مقطوعة والثلاجة لاتعمل، يجب الاسراع بدفن الشاب قبل أن تتفسخ جثته، لا وقت للبكاء، المجرمون في الشارع يطاردون الجنازة، يطلقون النار على الجثمان ويقتلونه مرتين
لا تجد الأم وقتآ لكي تودع إبنها، لا تجد الزوجة الشابة الوقت لكي تودع زوجها، رفيق دربها، يجب الاسراع قبل أن تتفسخ الجثة.

عندما يقتل مجرم أربعة أو خمسة أشخاص يسمونه قاتلآ متسلسلآ، ويقبضون عليه ويجرون عليه الإختبارات النفسية لمعرفة الخلل النفسي الذي يعاني منه.
ماذا نسمي حاكمآ يقتل خمسين من أبناء وطنه في أيام ابتهاجه، ويقتل مئة وأكثر في أيام إكتآبه واسوداد مزاجه؟
هذا ما جنيناه من الحكم الوراثي، هذا ما جنيناه من حافظ الأسد وما جنينا على أحد.
الحكم الوراثي مثل اليانصيب، فرصتك بالحصول على حاكم وراثي محترم مثل فرصتك بالفوز بالجائزة الكبرى باليانصيب.
من الواضح أننا في سوريا لم نحصل على الجائزة الكبرى، ولا حتى على أية جائزة فرعية أو جائزة ترضية.
حصلنا على أكفان بيضاء وشواهد قبور، لم يبق في وطني شبر إلا وفيه شاهد قبر لشهيد أو شهيدة من خيرة أبناء الوطن.
صار الناس يعودون من جنازة ليلتحقوا بجنازة أخرى، صاروا ينتقلون من عزاء إلى عزاء، من قبر إلى قبر.

لم تتجلى يومآ ثنائيات بهذا الشكل الصارخ مثل هذه الثنائيات التي نراها اليوم ما بين الحاكم وشعبه.
علموه الوطنية وهو الخائن الذي يستمد الدعم من الخارج من إيران وحزب الله وروسيا.
علموه الشجاعة وهو الجبان الذي يهرب من المعارك الحقيقية مع العدو الحقيقي ويوجه دباباته ومدافعه لقتل أناس عزل لا يحملون إلا علم وطنهم.
علموه الإنسانية وهو المتوحش الهمجي الذي لا يوفر طفلآ صغيرآ ولا شيخآ طاعنآ في السن ولا إمرأة، يجهز على الجرحى في المستشفيات، يعذب المعتقلين حتى الموت، يحرق المستشفيات التي تستقبل الجرحى ويطارد الأطباء الشرفاء الذين يقدمون العلاج للمصابين.
ولكني متفائل بأنه كلما زاد الألم وكلما كبرت المأساة، كبرت سوريا الجديدة، وكلما كبرت التضحية، كبر الحلم وكبر المرتجى.
سيكون هذا آخر حاكم وراثي فاسد يحكم سوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سقوط الساقط
درويش السيد ( 2011 / 9 / 17 - 11:52 )
مشهدان دخلا ساحة الوطن.... صدر عار قرر الانتهاء من النزالة والاهانة الصباحية والمسائية ... وعريان مدجج ببسطار وكلاشن وبوسترات ومجسمات ل آلهة منتصبة في كل الساحات كقضيب منتهي الخصوبة ...سنتذكركم ماحيينا ايها المتواجهون بما تمثّلون من خصوبة في مواجهة عانة ومن رجولة في وجه الجبانة ماحيينا.


2 - الأستاذ نارت اسماعيل .. صباح الوطن الحر
مريم نجمه ( 2011 / 9 / 17 - 13:10 )
محبة من القلب لك أيها الصديق العزيز والكاتب المبدع .. نارت إسماعيل

وكل الحب للوطن والمرأة التي ثمنتها بمقالك الرائع ..
دمت للوطن وللكلمة الصارخة الحرة بألف خير.. لنكتب معاً أجمل نشيد للحرية

تحية ثورية عطرة


3 - الأستاذ نارت اسماعيل المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 9 / 17 - 13:40 )
وصفك مؤثر حقاً ومحزن ، أجمل ما في مقالك الجملة الأولى ، تألقت اليوم .. طبعاً .. دائماً متألق ، لكن مقال اليوم ترك انطباعاً عميقاً ، شكراً مع تحياتي


4 - ردود
نارت اسماعيل ( 2011 / 9 / 17 - 17:27 )
الأخ درويش السيد، شكرآ لتعليقك الحديدي، أؤكد لك بأن المشهد الأول هو الذي سينتصر في النهاية وستنهض سورية جديدة نفتخر بها، تحياتي لك

الأخت والصديقة المحترمة مريم نجمة، أشكرك على دعمك القوي لبراعم الحرية المتفتحة في ربوع سوريا، سنحتفل قريبآ بأزهار الربيع القادم، تحياتي الصادقة

الأخت والصديقة العزيزة ليندا، شكرآ لك من قلبي على مشاعرك وروحك الوطنية المتجذرة وتقبلي تحياتي


5 - تحياتي للجميع
شامل عبد العزيز ( 2011 / 9 / 17 - 18:38 )
سوف لن يغفر الشعب ولو بعد حين سوف لن يكون موجوداً في ربوع وطنك
قُضي الأمر هكذا هي المسيرة
لا شيء يبقى على حاله
بيدك ام بيد اخيك
مشروع جديد وشوق اوسط معه
ولكن سوف يكون هناك انتظار
هي لحظة ما قد لا نتوقع حدوثها
ولكنها قادمة لا محالة
شكراً


6 - أخ شامل
نارت اسماعيل ( 2011 / 9 / 17 - 21:02 )
أشكرك على تعليقك
نعم قضي الأمر وشرق أوسط جديد ينشأ ولكن ليس لأن القدر أراد ذلك ، وليس لأن أمريكا وساركوزي أرادوا ذلك، ولكن لأن شباب الوطن أرادوا ذلك وسعوا إليه وضحوا من أجله، وهنا جمال الثورة الوطنية عندما تنهض مثل زهرة في الصحراء ووسط الأشواك والعقارب
تحياتي أخ شامل


7 - أعتقد أن بيننا كائنات شريرة ليست من معدننا
الحكيم البابلي ( 2011 / 9 / 17 - 22:37 )
عزيزي الأخ نارت
تحية لك ولمقالك الناضح الماً وحزناً ومعاناة وإنسانية
صدقني من لا يحس بألم الناس فهو ليس من الناس
في عراقنا كابَدَ الناس وتعايشوا مع أمور كهذه منذ سنة 1960 ولحد اليوم ، وأحياناً أخي نارت نعجز عن إحصاء ما فقدنا ، ونفشل كلما حاولنا أن نعد ونحسب حجم خساراتنا البشرية والمادية والروحية
كثيراً ما يلح عليَ السؤال : هل حكامنا ومتنفذينا ورجال أدياننا هم من نفس المواد المُكونة التي نحنُ منها ؟ وأنا جاد كالموت في سؤالي هذا
ثم ... ما الذي يدعو أي بشر إلى إنزال الموت والعقاب والدمار ببشر آخر ؟، ونحنُ نعلم جميعاً بأنها حياة فانية لن نأخذ منها قشة ، ولن نترك فيها غير واحد من أمرين : أن يترحم علينا الناس ، أو أن يلعنوننا ما شاءت لهم اللعنة !!؟ ، أين الحكمة أو المصلحة في ما يفعله بشار الأسد وصدام والقذافي وكل المسوخ البشرية التي أشك كثيراً في أمر بشريتها ؟
بعض كلامك أعاد لي ذكرى لسفرة مختلطة لأنصار السلام في العراق 1959 أو 1960 ، حين قوبلت باصاتنا بالرصاص من جهتين ، وقتل ما لايقل عن عشرة كانوا قبل ساعة من الحدث يرقصون ويُغنون ويدبكون للسلام والحريات والمرأة الأم والوطن
تحياتي


8 - أخي العزيز الحكيم البابلي
نارت اسماعيل ( 2011 / 9 / 18 - 01:38 )
أشكرك أخي العزيز على مشاعرك وتعاطفك مع آلام الشعب السوري، لا شك أن المحنة التي مر بها العراق كانت أكبر ولذلك يقدر العراقيون أمثالك معنى المعاناة التي يمر بها شعبنا في سوريا
قدرنا في سوريا أن نمر بمحطة صعبة جدآ في مسيرتنا لبناء وطننا الجديد، الدواء مر ومرير ولكن لا بد منه، قرر السوريون طي تلك الصفحة القبيحة إلى الأبد، صفحة الاستبداد والفساد
تحياتي الصادقة

اخر الافلام

.. داعش يتغلغل في أوروبا.. والإرهاب يضرب بعد حرب غزة | #ملف_الي


.. القرم... هل تتجرأ أوكرانيا على استعادتها بصواريخ أتاكمز وتست




.. مسن تسعيني يجوب شوارع #أيرلندا للتضامن مع تظاهرات لدعم غزة


.. مسؤول إسرائيلي: تل أبيب تمهل حماس حتى مساء الغد للرد على مقت




.. انفجار أسطوانات غاز بأحد المطاعم في #بيروت #سوشال_سكاي