الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات -ليبرالية- حول بيان الليبراليين العرب

باتر محمد علي وردم

2004 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إنشغل المثقفون العرب والمسلمين، إضافة إلى أصحاب الفتاوى التكفيرية من أعداء الثقافة والفكر مؤخرا بالبيان الذي صاغته مجموعة من المثقفين الليبراليين العرب، وتم توجيهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، متضمنا نقدا للفتاوى الدينية الإسلامية التي تحرض على "الإرهاب" ومطالبا بإنشاء محكمة دولية ضد الإرهاب وجرائمه والفتاوى التحريضية ضد الإرهاب، مخصصا الفتاوى التي يطلقها رجال الدين الإسلامي بهذا النقد.
البيان صاغه المثقف التونسي العفيف الأخضر والأردني شاكر النابلسي، وهما من أكثر الليبراليين العرب شجاعة ووضوحا في توجيه النقد للثقافة العربية وفتاوى رجال الدين، وقد حظي بتوقيع حوالي 3 آلاف شخص حتى الآن، من خلال حملة كانت شبكة الإنترنت محورها الرئيسي ويأمل منظمو الحملة أن يصل عدد الموقعين إلى 10 آلاف شخص من العالم العربي والإسلامي حتى نهاية العام.
البيان حظي بنقد شديد من مختلف المثقفين العرب من تيارات مختلفة، إضافة طبعا إلى حملات التكفير والتخوين والعمالة الاعتيادية التي تنتشر بين التيارات الإصولية. وفي الواقع لا يعنينا هنا النقد الشخصي والتهجم والتخوين الفارغ بقدر ما يعنينا التقييم المنطقي لمضمون هذا البيان، من وجهة نظر ليبرالية لا تختلف من حيث المبدأ الفكري مع موقعي البيان ولكنها تتناقض حتى النهاية مع أهدافه ومحتواه.
وما يزيد من أهمية وجود نقد ليبرالي للبيان أن أصحابه نصبوا أنفسهم ناطقين بلسان الليبراليين العرب، بل أن السيد شاكر النابلسي تبرع في مقاله له على الإنترنت باتهام الليبراليين العرب الذين يعيشون في الدول العربية بالخوف والجبن والانكفاء لأنهم لا يتمتعون بشجاعة الليبراليين العرب في المدن الأميركية والأوروبية والذين يشكلون أكثر من 70% من موقعي البيان.
وبما أنني ليبرالي عربي لا أزال أعيش في العالم العربي حيث أعتقد أن ثمة مساحة فكرية معقولة للفكر الليبرالي، فإنني أرفض تماما اتهام السيد النابلسي لليبراليين العرب بالخوف وانعدام الشجاعة، لأن السبب الرئيسي وراء عدم توقيع عدد كبير منهم على البيان ليس الخوف والجبن بل هو انتقادهم للبيان الذي تجاهل الكثير من الأبعاد الجذرية للإرهاب، ووضع الفتاوى الدينية في فراغ وكأنها السبب الوحيد للإرهاب. وهذا النقد هو من منطلق المبادئ الليبرالية نفسها ومبدأ اختلاف الآراء والذي لم يحترمه السيد النابلسي، بكل اسف.
نؤمن كليبراليين بأن الحرية والكرامة والعدالة هي القيم الأساسية لحياة الإنسان، وأن الإرهاب كما نفهمه هو "تعريض المدنيين الأبرياء للأذى الجسدي والنفسي نتيجة اختلافات سياسية فكرية وثقافية". ونؤمن ايضا بأن الإرهاب ليس له دين ولا جنسية مميزة، بل يتساوى تماما ما بين قيام جماعة أصولية في العراق بقتل البريطانية مارجريت حسن والتفجيرات العشوائية التي تستهدف المواطنين العراقيين الأبرياء، وما بين قيام جندي أميركي بقتل جريح عراقي أعزل في المسجد أو ما قاموا به من انتهاك شامل في سجون ابو غريب، وما بين قيام الجيش الإسرائيلي بقتل الأطفال الفلسطينيين حتى لا يكبروا ويصبحوا "إرهابيين". أما قمة الإرهاب المؤسسي فهو إبادة مدينة كاملة مثل الفلوجة وجنين بحجة وجود "إرهابيين" فيها وايقاع عدد هائل من القتلى المدنيين وتدمير البنية التحتية.
ولو كان السيد النابلسي حساسا جدا تجاه الإرهاب ومعاناة المدنيين، فكان الأجدى له ان يرسل ببيانه إلى البيت الأبيض ويقول للرئيس بوش أن الليبراليين العرب لا يؤيدون حملته الإجرامية التي تسببت بقتل مئة ألف عراقي خلال حرب "نشر الديمقراطية" في العراق، وإن مقاومة الإرهاب لا يمكن أن تتم عبر القتل الجماعي والاحتلال وانتهاك حقوق الأبرياء وسرقة موارد الدول بل أن مقاومة الإرهاب تتم من خلال مقاومة أسبابه الجذرية لا أعراضه المرضية مثل تزايد أعداد الإرهابيين.
لا أريد هنا أن أقوم بدور المنظر لفكرة المؤامرة، والتهرب من مسؤولية الإرهاب النابع عن تأويلات متطرفة وأصولية للفكر الإسلامي، ولكن إرسال بيان إلى الأمم المتحدة متضمنا نقدا مخصصا للفتاوى الإسلامية يعني المطالبة بوضع الأمم المتحدة في مواجهة ثقافة دينية واحدة هي الثقافة الإسلامية. الإرهاب وليد كل التأويلات المتطرفة للأديان، فهو موجود في فتاوى بعض الشيوخ كما هو في تصريحات الحاخامات اليهود، ويصل ذروته في اعتقاد الإدارة الأميركية الحالية بأن الرب قد إصطفى جورج بوش لنشر "قيم الحياة الأميركية" من خلال قتل أكبر عدد ممكن من المعارضين.
أخطأ بيان الليبراليين العرب في المضمون لأنه لم ينظر إلى الصورة الشاملة للإرهاب، فقد كان يجب أن يتضمن كل أنواع انتهاك حياة المدنيين الأبرياء وخاصة في فلسطين والعراق، وأن يرفض كل جذور العنف من مختلف الأديان والعقائد. وأخطأ في العنوان حيث كان يجب أن تصل الرسالة إلى البيت الأبيض في واشنطن الذي يتسبب في تزايد الكراهية للولايات المتحدة ونشر الإرهاب في العالم العربي والغربي، لا البناية السوداء الكبيرة للأمم المتحدة في نيويورك التي يجب أن تكون مظلة لحماية كل الثقافات والمعتقدات
. أما السيد النابلسي ، فمن الأفضل أن لا يتهجم على زملائه من المثقفين ويقوم بتصنيف الليبراليين العرب ما بين شجاع وقع على رسالته وجبان اختلف معه، إذ أن المبدأ الرئيسي في الليبرالية هو احترام تعدد الآراء وإلا لما كان هناك اي اختلاف ما بين السيد النابلسي والشيخ القرضاوي إذا كان كل منهما يعتقد بأن رأيه وحده هو الصحيح!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ