الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صنع الله ابراهيم المقاوم الحر

جهاد عقل
(Jhad Akel)

2004 / 12 / 5
الادب والفن


عندما تقرأ رواية من روايات الكاتب الفذ صنع الله ابراهيم ، تجد نفسك حاقدا على الوضع القائم ...بل تريد أن تقاوم هذا الوضع المزري ، هذا الكاتب ...الانسان ...الغاضب..الحر ..بل المقاوم زعزع أركان الشارع الثقافي العربي الشعبي أولا ومن ثم الرسمي ثانيا ، عندما رفض قبول جائزة الرواية العربية التي قدمتها اليه وزارة الثقافة المصرية في تشرين اول الماضي 2003 ....

صنع الله المقاوم رفض ان تمر هذه الحادثة باعلان الرفض فقط ، بل وقف أمام اكثر من 300 كاتب عربي وأجنبي في دار الاوبرا المصرية ليعلن أمامهم عن رفضه للجائزة والتي تبلغ قيمتها مئة الف جنيه مصري ، لكن الامر لم يتوقف عند مجرد الاعلان ... بل أصر كاتبنا الحر – المقاوم على أن يلقي كلمة يفسر فيها سبب الرفض.
وقد اطلق البعض على كلمته القصيرة هذه بأنها " منشور سياسي – ثقافي " طرح من خلاله اسباب الرفض التي تعتبر ادانه للسياسة التي ينتهجها النظام المصري ...بل الانظمة العربية جمعاء وحليفها الولايات المتحدة الامريكية .وقال في كلمته في هذا السياق:" ان هذه الجائزة مقدمة من حكومة لا تملك – في نظري – مصداقية منحها". مشيرا الى العجز الحقيقي لدى انظمة عاجزة ترسم سياساتها في البيت الابيض بواشنطن.

لم تكن هذه المرة الاولى التي يرفض فيها كاتبنا جائزة، فقد سبق وان رفض جائزة الرواية التي تحمل اسم الروائي المعروف نجيب محفوظ والتي تمنحها الجامعة الامريكية ، حيث اكد يومها انه يرفض استعمال اسم كاتب شهير مثل نجيب محفوظ من قبل مؤسسة امريكية تقوم حكومتها بمساندة احتلال اسرائيل للاراضي العربية ومواصلة قمع السعب الفلسطيني ، والقيام بدعم حكام يقمعون شعبهم باسم الحرية والديمقراطية . لقد عبر العديد من المثقفون العرب عن تقديرهم لهذه الخطوه الجريئة التي قام بها صنع الله ابراهيم وهناك قلة ممن هاجموه باسم الفصل ما بين السياسة والادب ....يا للعجب!!!!

عندما تغوص في اعماق رواية من روايات الكاتب صنع الله ابراهيم ، تجد نفسك في أجواء تعيشها يوميا ..بل تقرأ لغة قريبة منك جدا ، ليس لغة السلطة وشعاراتها الطنانه الناطقه بلسان "سيادته" و "جلالته" وما يتبعها من القاب .... بل تخرج من تلك الاعماق أكثر ثقافة ...أكثر قوة فكرية ..أكثر نقدا ..بل مشحونا بروح المقاومة وعدم الاستسلام للوضع المزري الذي تعيشه ..عندما تقرأ روايته " ذات "تجد نفسك تعيش الاحداث مع شخصيات الرواية من خلال الوقائع الواردة في بعض فصول الرواية والمنقولة عن الصحف المصرية ..واضافة الى كونك تعيش الحدث تجد نفسك غاضبا ...محتدا من تلك العناوين والاخبار التي اقتبسها الكاتب من تلك الصحف ...لانها تمنحك فرصة جيده لمشاهدة الفساد السلطوي ...وارتباط الحكم والمال ... ونتائج العولمة المقيته على ارض الواقع ....بل تشاهد زيف الديمقراطيه وحقيقة البطش السلطوي المتستر باسم الديمقراطيه المدعومة من الامريكان .

نجد في روايات صنع الله ابراهيم الكثير من الفكر الذي يحاول من خلاله كشف حقيقة ما نتعرض له يوميا من هجوم ثقافي امبريالي ، يرافقه هجوم اقتصادي ايضا ..لنجد نفسنا ضحية الهجومين حيث تسلب خيرات الشرق لصالح قوى الرأسمال المتغلغله في منطقتنا من خلال الشركات العولمية التي تمتص خيرات العالم العربي ،وتحظى بالتعاون والتسهيلات الغير محدودة التي تمنحها تلك الدمى الحاكمة ....لهذا نجد أن صنع الله ابراهيم قد وضع أمامنا تحديا كبيرا عندما عنون روايته الاخيرة باسم " أمريكانلي" والتي فيها اشارة واضحة الى الصراع الحقيقي القائم ...من خلال استعراض تجربة استاذ جامعي مصري يدرس التاريخ المقارن في احدى جامعات سان فرانسيسكو ..حيث يعرض من خلالها تاريخ البلدين، وشتان ما بين الثرى والثريا كما يقول مثلنا العربي المعروف .اسم الرواية لم يكن عبثا ونجد فيه ايضا روح المقاومة التي يتميز بها كاتبنا دائما حتى في رواياته التي تتناول واقع الاسرة المصرية . وهنا ايضا نجد أن اسم رواية "أمريكانلي" هو " أمري كان لي" واذا كان امري لي فلماذا اخضع لعنف الغير واحتلاله الاقتصادي والثقافي ؟؟؟

الروائي الكبير صنع الله ابراهيم تناول في رواياته المختلفة العديد من الاحداث وكتب عن شوارع القاهرة وأزقتها فهو الابن البار لمصر ...وكتب عن لبنان رواية "بيروت،بيروت" التي تتناول احداث الحرب الاهلية اللبنانية ، ورواية "وردة" التي تتحدث عن تجربة جبهة تحرير ظفار في عمان . وروايات " تلك الرائحة"، "نجمة أغسطس"،"اللجنة" التي تعرض من خلالها الى ظاهرة الشركات العولمية وهيمنتها العالمية وأثر ذلك على المجتمع العربي . ورواية " شرف" و"ذات" بالاضافة الى العديد من الترجمات لكتب عالمية مختلفه منها كتب علمية ...تدور حول صنع الله ابراهيم العديد من وجهات النظر .التي تثير الجدل خاصة قيامه بتوجيه النقد للانظمة السياسية العربية لعدم ديمقراطية انظمتها وللفساد الذي يتغلغل في اجهزتها .... هذا الوضع يجعله يخرج عن انماط" التقاليد الادبية والكتابة بلغة جميلة" ، لكن صنع الله ابراهيم يرد على هؤلاء بصراحة ويقول :" أن نتكلم فقط عن جمال الزهرة الأنيقة ذات الرائحة الخلابة ، بينما الفضلات تملىء الشوارع والمياه الآسنة تغطي الارض وكل مار يشتم رائحتها ". أي ان الكاتب صنع الله ابراهيم مرتبط بهموم الناس والشعوب ويرفض مقولة بعض الانتهازيين من الكتاب الذين يحاولون الترويج لمقولة" الادب من أجل الادب" فقط ، وكأن الادب لا يتعلق بالهموم التي يعيشها هؤلاء الناس ! .

الا أن صنع الله يرد على هؤلاء في مقدمة كتابه " تلك الرائحة" الذي صودر بعد صدوره سنة 1966 وفقط في العام 1986 نشر ولاول مرة بكامل نصوصه الاصلية ، لان الرقابه المصرية كانت منعت نشره بالكامل ويتساءل قائلا :" الا يحتاج الامر الى بعض القباحة للتعبير عن القباحة المرتبطة في ضرب انسان أعزل حتى الموت , أو بوضع آلة نفخ الهواء في مؤخرته وبربط السلك الكهربائي بأعضائه التناسلية ؟". على ما يبدو أن صنع الله ابراهيم قد تعلم كثيرا من" مدرسة السجن "التي بقي داخل جدرانها خمس سنوات ونصف السنه عندما قام عبد الناصر باعتقال نشطاء اليسار سنة1959بعد اندلاع الازمة الحادة مع الاتحاد السوفييتي يومها. لكن هذا الاعتقال لم يكسره وبقي امينا لفكره الحر والمقاوم عن كرامة الانسان وحريته . واخيرا أتى القرار من "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر"بمنح الكاتب الفذ صنع الله ابراهيم جائزتها للعام 2004 وذلك تقديرا له على كفاحه "المتواصل من أجل الحرية والديمقراطية في البلاد العربية " وتم تسليمه الجائزه في حفل خاص اقيم في العاصمة الالمانية برلين في نهاية تشرين ثاني باشتراك شخصيات عربية والمانية وخلال القاءه كلمته أكد الروائي العربي المصري على ضرورة مواصلة النضال المكثف لانهاء الاحتلال والقمع ضد الشعب الفلسطيني وانهاء احتلال العراق ومن أجل الديمقراطية والحرية للشعوب العربية جمعاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-


.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص




.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟