الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود وسقوط نظام الدولة الحديثة

علاء هاشم

2011 / 9 / 17
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


دانييل عاليزار
ترجمة: علاء هاشم


نظرا إلى الشكل العملي المتمثل في الدول القومية الحديثة في أوروبا الغربية كفرنسا في نهاية العصور الوسطى أو بروسيا في القرن التاسع عشر، اعتمد نظام الدولة القديم على الفكرة التالية: من خلال تركز السلطة في رئيس أو مركز منفرد يمكن للدولة ذاتها أن تُحكم وأن يدار محيطها كفاية لتحقيق الاكتفاء الذاتي أو على الأقل الحد الأقصى من ذلك الاكتفاء في عالم سيكون حتما عدائيا أو في أفضل الأحوال محايدا تجاه مصالح كل دولة، عالم يعكس فيه الحلفاء ائتلافات مؤقتة من المصالح يجب ألا يمكن توقعها للنهاية بعد ذلك التقارب. فالمبدأ القديم القائل: "لا أصدقاء للدولة، وحدها المصالح هي الصديقة" هو مبدأ يرمز إلى تلك الحالة.

كانت الحكومات الملكيات هي أول الدول القومية العظمى، إنها المدافعة عن الحق الإلهي للملوك وذلك لحماية القوة والسلطة المركزية. وبعد سلسلة من الثورات الحديثة، بداية في الفكر، قادها أناس أمثال هوبز وسبينوزا ولوك وروسو، ثم في الممارسة كما تجلت في المؤيدين للفدرالية، جُرد ملوك من سلطاتهم الحصرية وتشكلت مراكز قوى جديدة من المفترض أنها تأسست على المواطنة الجماهيرية والاتفاق إلا أنها، في الحقيقة، بنفس السلطات المتمركزة، متلبسة فقط في جمعيات تمثيلية وموظفين تنفيذيين يتحدثون باسم الدولة. وفي حالات قليلة فقط، حيث تشتتات السلطة الأولى التي قد ُدسترت (من الدستور)، احتاجت لأن تؤخذ في الحسبان. إذ أدى هذا إلى تأسيس الفدراليات، أشكال النظام الفدرالي التي جمعت السيادة القومية (الوطنية) بقوى الدولة التأسيسية الحقيقية، على الأقل بالنسبة لأغراض العلاقات الخارجية وعادة الدفاع.

إن العنصر التعريفي الثاني للدولة الأمة (القومية) كان كفاحها من اجل التجانس أو الوحدة المتجانسة. فكل دولة كان عليها أن تكون قريبة من أمتها كذلك كل امة قريبة من دولتها. إذ لم يتعايش الشعب بسهولة مع سرير بروكرستيز* هذا، فالجهود تم اعداها لإرغامهم على ذلك الوضع. أنجز هذا إما عن طريق الضغط الداخلي (كما في فرنسا لما شنت الحكومة الفرنسية حربا باسم الدولة ضد البريتانيين والبروفانسيين....) وآخرين حتى أنها حرمتهم من حقهم باختيار أسماء لأبنائهم لم توجد على القائمة الفرانكفونية الرسمية) أو عن طريق الضغط الخارجي (كما لدى البلقانيين حيث دول قومية صغيرة ذات أقليات خارج حدودها الرسمية كانت تتحارب بانتظام مع بعضها البعض من اجل فتح الأقاليم حيثما كان يعيش مواطنوها الذين إما أبادوا أو طردوا أولئك الذين ليسوا من نفس القومية). نتيجة لهذا، كانت الحروب الحديثة ذات نوعين في الأساس، إما حروب امبريالية تهدف إلى تمكين دول أقوى من أن تصبح مكتفية ذاتية أكثر من خلال امتلاك السيطرة على السكان والأقاليم والمصادر التي قد تستخدم في ذلك الاتجاه، أو حروب قومية تهدف إلى إعادة توحيد أجزاء من الأمة مع الدولة القومية.

في النهاية، لا يمكن لأحد من هذه الأهداف الثلاثة أن ينجز، بل في العديد من الحالات لم تنجز على الإطلاق، وفي حالات أخرى أنجزت مؤقتا حتى نجح من ألحق الضرر بهم في إشعال فتيل الثورة. لكن في حالات أخرى ما زالت تثبت تلك الأهداف أنها لا يمكن انجازها بأي وسيلة ممكنة من الوسائل خصوصا مع اجتماع جميع العوامل الثلاثة التي تحول دون تحقيقها. وهكذا، فإن 90 بالمائة من الدول الموجودة في العالم لديها أقليات 15 بالمائة أو أكثر من سكانها تتواجد داخل حدودها (مثل كرواتيا) أما الـ10بالمائة الباقية جميعها لديها تقريبا أقليات قومية كبيرة تعيش خارج حدودها الرسمية (مثل الصومال). مذاك والأمور قد أخذت بالتعقيد، لأننا نرى بالانبعاث الكبير للصراع الإثني بشكل أو بآخر في العالم عاملا قد أصبح محفزا وحيدا للمثال الجديد في بحثه عن طرق لهزيمة تلك الصراعات.

بما إننا نقترب من نهاية حقبة السيادة السياسية للدولة الأمة، فنحن نبدأ كذلك بادراك أن اكتفاء الدولة الذاتي لم يكن مقدرا له التحقق أبدا. فمن المستحسن التذكر أن الليبرالية الاقتصادية الحديثة- التي أسست في الأصل على مبدأ التجارة الحرة- ظهرت بفترة قصيرة بعد ظهور الدولانية (تركز الاقتصاد في يد الدولة) الحديثة مع أساسها الاقتصادي في المركنتالية (مبدأ التجارة) التي سعت للاكتفاء الذاتي بسبب إشكالية المركنتالية التي تصدرت، من بين أمور أخرى، بفضل الثورة الأمريكية ضد بريطانيا العظمى. وعندما فشلت تلك السياسة حلت الامبريالية محلها، بالنسبة للدول القوية، كوسيلة لنهاية الاكتفاء الذاتي. فشلت الامبريالية بمطلع منتصف القرن العشرين، ليس فقط بسبب رفض الناس الخاضعين لها إياها، لكن بسبب الحساسية الأخلاقية الديمقراطية التي أتت لتؤثر بالمخضعين (من يقوموا بفعل الإخضاع). إذن كان لا بد للعالم من أن يجد مثالا جديدا—ويبدو أننا قد فعلنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سرير بروكرستيز: نسبة إلى بروكرستيز وهو لص إغريقي اسطوري كان يقطع أرجل ضحاياه ليجعلها تتناسب مع طول فراشه. مبدأ يهدف إلى إحداث التناسب والتناغم عبر الإعمال العنفية والتعسفية. المترجم









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه