الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضغاث ذاكرة .. قصة قصيرة

هديل عبد الرزاق أحمد

2011 / 9 / 17
الادب والفن


في أي الدروب تسير وأي الأوهام تحمل معك، وأي عواصف هوجاء تقهقرك، فالحدود الفاصلة بينك وبين غايتك تحدها تخوم الماضي والحاضر المتعرج بكل خطاياه وضحاياه، وأول الأشلاء ضحكة تركتها الحبيبة. ليتني أحيا بلا ذاكرة..
ها أنا الآن في يقظة كأنها تامة بعد غفوتي القصيرة التي سرقتها خلسة، أنظر من نافذة القطار علي أرى نجمي الذي كنت أرقبه كل يوم، فأشعر أن قدميّ لا زالتا مثبتتين إلى الأرض، لكن يبدو أنه لن يظهر ثانية.
أحاول أن أستأنس بسيكارتي بل بدوائي الوحيد علّها تأخذني في غبطة خيال إلى عالم السكون، فلا شيء معي سوى سيكارتي وهمومي وصوت الريح وأنين السكة وزمجرة عجلات القطار ونباح الكلاب، ولا احمل معي سوى ذاكرتي المثقلة بك.
أبحر في خيال واسع فتعصف بي الذكرى، فأستعيد الماضي قريبه وبعيده. كل شيء يذكرني بها ويعيدني إليها، فكأني أراها الآن أمامي كأول يوم رأيتها فيه، حين كنت أعمل في بيتها عامل بناء، وحين أعدّت طعاماً لي وحدي لأني رفضت الأكل مع باقي العمال، فتركتهم مستجيباً لموجة الغضب التي اعترتني بسبب طريقة أكلهم المثيرة للضحك، فقالت: طالب الجامعة يخجل ومن الصعب عليه أن يأكل مع هؤلاء الصبية غير المثقفين. وحين دخلت عليّ الحمام حيث كنت أعمل، وأغلقت الباب، كانت عيناها تشعان جنوناً وجمالاً، لم تتلعثم، كانت أقوى مني، أنا من كاد يسقط مغشياً عليه. لا أدري كيف أخذت منها تلك الورقة التي لم أدرِ بوجودها إلا حين غادرت وتركتني وحيداً مع صمتي وشدة ذهولي، كانت أول إعلان للحب، بل للجنون.
ترن الذكريات في عوالمي، ولا تزال قصة الأمس كقارب ألقت به الريح إلى شاطئٍ مهجور، فأستجيب لوقعها. كنتِ الأجمل وكنتِ تزدادين بريقاً بعد كل لقاء.. كل لمسة.. كل قبلة.. لكنك ازددت جمالاً حين التقينا في تلك الليلة الحالكة السواد لأعيد لك صوركِ، فالعينان أصبحتا أكثر جمالاً ولمعاناً، والأسنان بدت أكثر تلألؤاً حين ابتسمتِ بحياء، فبدأت النار تلتهب في أعماقي من جديد، لكنها هل خبت يوماً؟
كم بدوتِ جميلة وأنت تفاخرين أمامي بخطيبك، الذي لا يعرف شيئاً عن قصتنا وساعاتنا التي شهدت بكاءنا وعناقنا ورشف الشفاه وتقبيل الخدود، فتقولين لي إنه يهواك بجد، ويوصلك بسيارته إلى محل عملك. فاسعدي بما أنتِ فيه فماذا حصلت مني سوى على الحب والكلام الفارغ! لازلت تعتقدين أن هذا كافٍ للسعادة. خذي صورتك فلا حاجة لي بها، ففي مخيلتي شاخصة صورتك ما حييت.
أفتح عينيّ... فأرى خيوطاً ذهبية تصل الأرض بالسماء.. وإذا برفيقي في الدراسة والسفر يقول لي بهدوء: استيقظ لقد وصلنا البصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر