الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلاميون والربيع العربي

سنية الحسيني

2011 / 9 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


لعبت الأنظمة العربية سواء التي كانت مدعومة من الولايات المتحدة أو تلك التي تعاديها، دوراً محورياً في تقليص أو تحييد دور حركات الإسلام السياسي في السلطة والحكم في المنطقة العربية. ورغم أن الدين الإسلامي يشكل ركناً أساسياً في ثقافة وتقاليد معظم الشعوب العربية، إلا أن المشاركة السياسية الفاعلة للإسلام السياسي في تلك الدول بقيت مقيدة بسبب الطابع السلطوي لأنظمة الحزب الواحد التي تسيدت على الحكم في العديد من الدول العربية.

أثارت ثورات الربيع العربي موجة من التوقعات والتحليلات والهواجس حول دور الحركات الإسلامية المستقبلي وامكانية وصولها إلى سدة الحكم. وعلى الرغم من أن الحركات الإسلامية لم تكن ملهمة للثورات العربية كما لم تكن رائدة لها، إلا أنها سارعت للالتحاق بركب هذه الثورات وانخرطت في صفوفها، ولم تخف سعيها لاستثمارالربيع العربي بمشاركة سياسية حقيقية في السلطة التي حرمت منها منذ عقود. ومن غير المستبعد أن تحقق هذه الحركات فوزاً كبيراً في أية انتخابات قادمة واكتساح عدد كبير من مقاعد البرلمان وربما سعت هذه الحركات إلى التنافس على الرئاسة في يوم من الأيام.

بادرت الحركات الإسلامية إلى تبني سياسات معتدلة وشعارات محايدة لازالة مخاوف الآخرين، وأعلنت بعد مشاركتها في ثورات الربيع العربي نيتها المشاركة في الحكم والسلطة. وعلى الرغم من أن تلك السياسات والشعارات قد تكون براغماتية ومجرد وسيلة تساعد الإسلاميين على الوصول للحكم وليس بالضرورة موقفاً أيديولوجياً أصيلاً، إلا أن ذلك لا ينفي حدوث تطور فكري لحركات الاسلام السياسي يستجيب سياسياً للأوضاع الجديدة والمتغيرة في المنطقة وللموقف الدولي أيضاً.

وفي اطار تهيئة نفسها للمشاركة في السلطة أو استلامها، جاء سعي الإخوان المسلمين للتحالف مع الأحزاب الأخرى بما فيها الليبرالية واليسارية وكذلك سعيهم للتفاهم مع المجلس العسكري ليبرهن على قدرة الإسلاميين على عقد تحالفات مع أحزاب وجماعات سياسية أخرى ذات توجهات فكرية وأيديولوجية مختلفة. كما عملت حركات الإسلام السياسي في دول الربيع العربي على تقديم أجندات عملية تتعاطى مع الواقع السياسي والاقتصادي الجديد، فغابت شعاراتها المعهودة كالإسلام هو الحل، كما قل الحديث عن الهوية الإسلامية وتقييد حقوق المرأة والأقليات غير المسلمة. وتهدف هذه الطروحات المعتدلة إلى الحد من مخاوف الآخرين من قيام سيطرة إسلامية على حكم البلاد، كما تساعد على التقليل من حدة الضغوط الغربية الرافضة لوصول الحركات والأحزاب الإسلامية إلى سدة الحكم.

إن ذلك يفسر تصريحات حزب الحرية والعدالة الذي تشكل من قبل حركة الإخوان المسلمين في مصرلأول مرة منذ عقود طويلة من الحظر، بأنه سيطرح مرشحين لنصف المقاعد التشريعية فقط في انتخابات الخريف المقبل، ولن يطرح أياً للرئاسة، الأمر الذي يوضح مسعى جماعة الاخوان للتحكم في القرار السياسي في مصر دون السيطرة أو الهيمنة على المشهد السياسي المصري بأكمله. كما اتبعت حركة النهضة الاسلامية في تونس، والتي كانت محظورة قبل الثورة التونسية، سياسة مماثلة لنظيرتها المصرية، فعلى الرغم من أنها تحظى بتأييد كبير لدى التونسيين حسب استطلاعات الرأي، رجح زعيمها "الغنوشي" تقاسم السلطة مؤكداً عدم نية الحركة خوض الانتخابات الرئاسية.

وتأتي تصريحات بعض الرموز الإسلامية في ذات الاطار. فقد دعا الشيخ يوسف القرضاوي، المرجع الفقهي السياسي للإخوان المسلمين في العالم العربي والمرشد السياسي لكثير من الجماعات الاسلامية، لقبول الديمقراطية واختيار الشعب لحكامه لمدة محددة، دون اغفال للشورى الملزمة (أهل الحل والعقد) وعدم اخضاع الثوابت الاسلامية للتصويت الديمقراطي. كما أشار زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي إلى أن حكومة إسلامية بقيادة الحركة ستحافظ على تونس كواجهة سياحية ولن تمنع الخمور أو تقيد حرية النساء. وما بين تصريح الشيخ القرضاوي وتصريحات الغنوشي تتضح معالم الالتباس، فمواقف الشيخ القرضاوي تبقى أقرب إلى الواقع المتعارف عليه للإسلام السياسي المعتدل، بينما يأتي موقف "الغنوشي" أكثر انفتاحاً ويخرج عن نص الخطاب الإسلامي المتعارف عليه للحركات والأحزاب السياسية الإسلامية بشكل عام.

هناك مجموعة من الأسباب التي تعزز احتمال فوز حركات الإسلام السياسي بأغلبية نسبية في البرلمان. فهذه الحركات وخاصة جماعة الإخوان المسلمين هي الأقدم نشأه والأكثر خبرة وشعبية وتنظيماً، وتحظى بشرعية تاريخية لا تمتلكها الأحزاب الأخرى، هذا بالاضافة إلى أن هذه الحركات نجحت في تعزيز شعبيتها من جراء الحملات الغربية المعادية للإسلاميين، كما استفادت كثيراً على الصعيد الداخلي في بلدانها من تبني ودعم حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين.

من جانب آخر، ساهمت أنظمة الحكم البائدة في كل من مصر وتونس وليبيا وبعض أنظمة الحكم التي تصارع من أجل بقائها كما هو الحال في كل من سوريا واليمن، في تعزيز مكانة حركات الإسلام السياسي في بلدانها، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، من خلال احتواء الأنظمة للأحزاب السياسية القومية واليسارية والتحالف معها، مما أفقدها المصداقية فظلت أحزاب نخب لا ثقل لها في الشارع العربي، بينما حافظت جماعة الإخوان المسلمين رغم قمع ومطاردة قادتها وأعضائها على بقائها وتماسكها مما سمح لها بالنهوض بعد اندلاع ثورات الربيع العربي. فقرار حل الحزب الوطني المنافس لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أزال العقبة الأكبر من طريق الجماعة للفوز في أية انتخابات برلمانية مستقبلية، وسيكون الحال كذلك إذا ما سقط النظام البعثي في سوريا وتم حل أو اجتثاث حزب البعث، تماماً كما حدث قبل ذلك في العراق.

وقد استفاد الإسلاميون كذلك من دعم بعض الدول المؤثرة في ثورات الربيع العربي، كدولة قطر التي لا تخفي تعاطفها مع جماعة الإخوان المسلمين، وتركيا التي تقدم النموذج الذي يمكن أن يحتذى في الحكم إذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة في دول ثورات الربيع العربي. وأخيراً فقد فرضت ثورات الربيع العربي وبروز دور جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين الآخرين على الولايات المتحدة اعادة النظر في طبيعة علاقتها مع الإسلاميين لأنهم باتوا القوة السياسية الصاعدة والأهم في المنطقة. وربما كانت الولايات المتحدة ترغب في التعاطي مع قوى أخرى تفضلها، لكن لا تشكل بديلاً في الوقت الراهن عن الإسلاميين، وربما يحتاج تطورها لتصبح قوى مؤثرة لسنوات طويلة، ولا تستطيع الولايات المتحدة في هذه الحال تجاهل القوة الأهم الموجودة على الأرض.

هناك مجموعة من التحديات التي سوف يتحدد على ضوئها مستقبل الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي. يتمثل التحدي الأول في قدرة الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى على التفاهم فيما بينها على أجندة أو برنامج يحدد طبيعة النظام السياسي الذي سيعيشون في ظله أو يشاركون فيه، وكذلك طبيعة المجتمع الجديد الذي سيشكلون فيه قوة أساسية وفاعلة. وإذا كانت الأمور في هذا الشأن واضحة لدى جماعة الإخوان المسلمين، رغم التباينات في صفوف الجماعة، فليس من المؤكد بأن لدى الجماعات الإسلامية الأخرى كالسلفيين والجهاديين والصوفيين، وهي كلها جماعات إسلام سياسي رغم ادعاء بعضها بعكس ذلك، رؤى متقاربة فيما بينها من ناحية ومع جماعة الإخوان من ناحية أخرى.

ويكمن التحدي الثاني في مدى قدرة الإسلاميين بكافة اتجاهاتهم على التفاهم مع بقية الأحزاب والاتجاهات السياسية الأخرى في دول الربيع العربي، وقدرتهم على الاتفاق معها على برنامج سياسي وإجتماعي مشترك يحترم مبادئ التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، والحريات العامة والخاصة وما شابه ذلك.
ويتمثل التحدي الثالث في مدى قدرة جماعات الإسلام السياسي على التحول إلى حركات إسلامية عصرية مواكبة لروح العصر، ومقتضيات تطوير مجتمعاتها. وفي هذا السياق يتبادر إلى الذهن النموذج الإسلامي التركي الذي يقود نظام حكم علماني تشارك فيه كافة الأطياف السياسية والفكرية والثقافية. وحيث أن التجربة الإسلامية التركية تختلف عن مثيلاتها في دول الربيع العربي، فليس من المعروف إن كانت ثورات الربيع العربي ستنجح في التوفيق بين مقتضيات الحكم في دولة مدنية، والابقاء على تمسكها بأيديولوجيتها الإسلامية.

وأما التحدي الرابع والأخير فيتمحور حول قدرة الإسلاميين في دول الربيع العربي على بلورة أو صياغة علاقة جديدة مع الغرب والولايات المتحدة لا تنزع عن الإسلاميين شرعيتهم. فالولايات المتحدة تريد من الإسلاميين مقابل التعامل معهم، تبني سياسات معتدلة تجاه إسرائيل، وتتوقع منهم أيضاً محاربة ما يسمى بالارهاب، بالاضافة إلى اعتماد النظام الديمقراطي في بلدانهم من بين أمور أخرى.

وفي الختام من الصعب التقرير بشكل جازم في خارطة ومستقبل الإسلام السياسي في دول الربيع العربي وكيفية تعامله مع ما أشرنا اليه من تحديات، وفي ظل عدم اكتمال الفصول النهائية للثورات العربية حيث تبقى التطورات مفتوحة على كافة الاحتمالات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قادمون
حر ( 2011 / 9 / 19 - 15:41 )
آول مرة آقرآ مقال موضوعي عن الاسلام السياسي في هدا الموقع تحياتي

اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش