الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظاهرة أم مسيرة...والله أعلم!

منير شحود

2004 / 12 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بعد شهرين على احتلال بغداد, جال السيد ناصر قنديل, مسوِّق السياسات المعروف, على الجامعات السورية بهدف المساهمة في "تثقيف" كوادرها. وعندما عقَّبت على محاضرته باعتبارها نوع من اللغو الإنشائي الذي يعيد إنتاج أسباب سلسلة هزائمنا, أثبت السيد المذكور حس شمه المرهف, واكتشف أنني من المعارضة. ويبدو أن ذلك سبب حرجا شديدا للسلطات الأمنية, بدليل انهماكها في البحث والتساؤل, وربما شعرت بتقصيرها الاستشرافي في تحديد الجهة التي أنتمي إليها!. المهم, فقد نطق بها السيد قنديل, وأعلن أسفه لوجود أمثالي في الجامعة العقائدية.
والآن أعترف بأنني فقدت صوابي قليلا عندما طلبت من السيد قنديل ألا يعيد لنا بضاعتنا الشعاراتية واللغووية, والتي صدرناها إلى الشقيق لبنان, والتقطها بعض أبنائه ليتداولوها ويعيدوها إلينا, في الوقت الذي قررنا فيه الاستغناء عنها بطريقتنا المعروفة والمختبرة في الإيحاء بالفعل والفعل بالإيحاء, لعلها تفيد هناك في شيء, عوضا عن رميها على قارعة التاريخ. هل ندمت على فَقْد صوابي؟ لا, لأن خوفي كان شديدا من عودة بضاعتنا المشتملة على خليط من الشعارات والمسيرات الحاشدة والإنشاء المدرسي إلى عقر دارنا مرة أخرى, مع عدم اعتراضي على حلولها في أي قطر شقيق آخر, كنوع من المشاركة والتضامن؛ ولذلك صرخت في وجه النائب: لا تعيدها إلينا!.
أذكر ذلك الآن بعد الإعلان عن تظاهرة المليون التي دعت إليها أطراف لبنانية تنديدا بالقرار "1559". وأعترف بصراحتي المعهودة أنه قد انتابني إحساس متناقض, فمن جهة شعرت بالراحة لانتهاء عصر المسيرات الزاحفة والاحتفالات الجماهيرية في بلدنا, والتي كنت أتحاشاها ما أمكن لأقبع منزويا كئيبا في البيت, وفي الوقت نفسه, كان ثمة إحساس لدي بأنني أخون بعض مشاعري البدائية العميقة؛ إذ أن قرع الطبول هو نقطة ضعفي الشديدة, فكان سماع قرعها وصداه عبر الجبال والوديان مدعاة لارتجاف كل عضلة في جسدي, وكم بذلت من الجهود النفسية الكاظمة على أقدامي المتحفزة, حتى لا تبدو مشيتي تقافزا إيقاعيا مضحكا. وباعتبار أن الرقص والفرح كان قد أصبح ممهورا بختم السياسة الشمولية, والتي تحدد تاريخه ومكانه وحدته, كنت أصابر وأترك الحشد الراقص والهائج عائدا إلى البيت, حيث أطلق لغرائزي العنان وأرقص بصورة هستيرية أبزُّ فيها "زوربا" نفسه. في هذه المناسبات التي كنا نرقص فيها احتفاء بكل كلمة أو مناسبة, كان العالم من حولنا ينساب ويتقدم, ويتركنا نتراكد على ضفته.
وباعتباري أعيش في البلد الذي تراكمت فيه الخبرات الجمة فيما يتعلق بتنظيم المسيرات الحاشدة وضبطها, أود أن ألفت انتباه الأخوة في لبنان إلى الخطأ الجسيم الذي ارتكبوه بتسمية مسيرتهم الحاشدة مظاهرةً, وذلك لمحدودية خبرتهم في هذا المجال, وأحمِّل النائب قنديل المسؤولية الكاملة لحدوث مثل هذا الخطأ, متمنيا تداركه في المسيرات المليونية القادمة... إن شاء الله.
ففي قاموس المصطلحات الشمولية المعمول به على المستوى الدولي, تُعرَّف المسيرة بأنها ذلك الحشد الجماهيري الذي يهدف إلى مباركة سياسات الحزب والقيادة السياسية, بينما يُشتمُّ من المظاهرة والتظاهرة نفحة عدائية تجاه هذه السلطات, ومعارضة لتوجهاتها, وهذا لا يمكن أن يحدث بالطبع في بلدان التوجه الاشتراكي, حيث تتطابق أهداف الجماهير مع قيادتها. هذا الشرح والتفسير ليس من بنات أفكاري, فقد أوضحه لجنابي أحد الرفاق المناضلين في الجامعة, عندما زلَّ لساني بكلمة مظاهرة عوضا عن مسيرة, وقد سألت عن موعدها, لهدف خبيث هو عدم الحضور إلى مكان العمل حتى لا أساق في الحشد. وقد أسف المناضل وقتئذ لضعف ثقافتي الوطنية, وتمنى عليَّ أن أنتسب للحزب القائد, لأستفيد من الدورات التثقيفية الدورية التي يقيمها لأعضائه بغية رفع الكفاءات.
وأخيرا فإنني أتقدم بأحر التهاني إلى الأخوة في لبنان على ما قاموا به, متمنيا تلافي الخطأ الذي وقعوا فيه في مسيراتهم القادمة. كما أنني أستحلفهم بالله أن يعززوا مسيراتهم بقرع الطبول, وفي هذه الحالة سأفكر جديا بالسفر إلى لبنان الأخضر والتمتع باسترجاع ذكرياتي الوطنية. وستكون مناسبة لاستعادة نشاطي الجسدي, فيدب الدم الحار في عروقي مرة ثانية, فأرقص وأرقص, وربما تنعكس طاقتي المستحدثة خيرا على زوجتي... والله أعلم!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي باشتباكات في جباليا | #


.. خيارات أميركا بعد حرب غزة.. قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ




.. محاكمة ترامب تدخل مرحلةً جديدة.. هل تؤثر هذه المحاكمة على حم


.. إسرائيل تدرس مقترحا أميركيا بنقل السلطة في غزة من حماس |#غر




.. لحظة قصف إسرائيلي استهدف مخيم جنين