الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوادر جولة ثانية

إكرام يوسف

2011 / 9 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


اعتدنا، في السنوات الأخيرة من حكم المخلوع، وعلى نحو خاص منذ عام 2005 ، ألا يمر أسبوع تقريبا من دون أن نشهد احتجاجًا أو اعتصامًا واحدًا على الأقل، سواء كان طلابيا أو عماليا، أو ـ على نحو أقل نسبيا ـ فلاحيا. وكان اعتصام موظفي الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء لمدة احد عشر يوما في ديسمبر 2007، نقلة كيفية في حركات الاحتجاج المصرية.. حيث شكل خروج الموظفين إلى الشارع، علامة على نفاد صبر أكثر القطاعات صبرا في المجتمع!
ولم ينتبه نظام الفساد والاستبداد إلى هذا التحول الفارق في سلوك الموظف المصري. فقد استمرت متلازمة الغباء المصاحب للكرسي تعمي أعين رموز النظام عن ملاحظة تراجع الإحساس بالخوف لدى الغاضبين، وعجز المواجهات الأمنية عن وقف المد الاحتجاجي. وواصلوا غيهم وفسادهم وقمعهم إلى أن بلغ السيل الزبى، وتفجرت شحنة الغضب المكبوتة منذ عقود في وجه الطاغية ورجاله بعدما ظنوا أن الدنيا دانت لهم، ولم يتخيلوا للحظة أن نهايتهم ستكون على هذا النحو.
غير أن تطورات الأحداث منذ 12 فبراير حتى الآن، تؤكد أن رحيل المخلوع وبعض معاونيه، لا يعني سقوط نظام الفساد والاستبداد، الذي تغول واستشرى على نحو سرطاني، جعل بقايا أركانه مازالت قائمة تحارب بكل شراسة للحفاظ على مصالحها وامتيازاتها، والحيلولة دون حدوث تغيير حقيقي وقيام نظام وطني ديمقراطي جديد تماما.
وعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه المصريون في سبيل التخلص من الطاغية وزمرته، إلا أنهم استجابوا لدعوات التريث واحترام القانون، ولم يصروا على تشكيل محاكم ثورية تحقق القصاص الفوري، وتشفي قلوب المكلومين. وكظم المصريون غيظهم وهم يرون الشهور تمر قبل أن يحال الجناة إلى المحاكمة، فيعاد تريب أوراق او طمس وثائق أو إخفاء بيانات. كما ابتلع أهالي الشهداء مرارات مؤلمة، بينما قتلة أبنائهم يواصلون العمل في أماكنهم لتضييع أدلة وشراء ذمم، بل ويضغطوا على بسطاء من أهالي الضحايا لتغيير أقوالهم مقابل أموال تدفع من جيوبنا؛ من المال العام!
وترقب المصريون ظهور بوادر تغيير في حياتهم، وفي نظرة الحاكمين إليهم.. غير أن ما حدث حتى الآن، يكشف أن من آل إليهم الأمر، مازالوا لا يقدرون للمصري حق قدره. فالمجلس العسكري والحكومة يطالبان الناس بالتريث؛ وتأجيل المطالب الفئوية؛ من دون أن يكلف رئيس الحكومة أو رئيس المجلس العسكري ، نفسه عناء الوقوف أمام الشعب وإلقاء خطاب مصارحة، يشرح ماحدث خلال الشهور الماضية، والمتوقع في الفترة المقبلة. وبينما يطالبنا المسئولون بالصبر، لا يطيقون هم صبرا إزاء أي تململ أو نقد. بل أن لغة التهديد والوعيد حلت محل الحوار والتفاهم.
ومع عدم وضوح موقف أولي الأمر، لم تعد هناك جدوى لدعاوى التريث في عرض المطالب الفئوية. وتوالت احتجاجات المعلمين، وأساتذة الجامعات، والأطباء، والمهندسين، والنقل العام، وموظفي الأوقاف، وعمال الغزل والنسيج في المحلة وسمنود...وغيرهم. حتى أن الاحتجاج وصل إلى موظفي الهيئة العامة للاستعلامات! وهو الأمر الذي فاجأني شخصيا، فالهيئة هي جهاز العلاقات العامة للدولة، أو بالأحرى، هي البوق الإعلامي للنظام. ولم يعرف عن موظفيها ميلا للاحتجاج أو التمرد؛ فكل منهم يحسب للكلمة مليون حساب، وهو يحيا متحملا الراتب القليل في سبيل أمل ـ هو في الحقيقة سراب، إلا للواصلين ـ في السفر إلى الخارج لتحسين الوضع الاجتماعي، وفي سبيل ذلك لايورط نفسه في إبداء رأي معارض ـ حتى بين الزملاء ـ خشية آذان الحيطان. و شاء حظي أن عملت فيها سنوات، ولم يخطر ببالي التقدم لطلب السفر بالطبع ـ فقد كنت آخر من يصلح لتمثيل النظام إعلاميا ـ وقضيت معظم سنوات عملي بها في إجازة بدون مرتب لمجرد المحافظة على وظيفة ثابتة حتى تم تعييني في صحيفة! وكان آخر ما أتوقعه أن يصل الأمر بموظفي هيئة الاستعلامات بالذات إلى تنظيم وقفات احتجاجية ويضرب بعض المحتجين عن الطعام!
ومثلما كان اعتصام موظفي الضرائب العقارية جرس إنذار لم يلتفت له الطاغية ورجاله، معتمدا على جهاز قمع لم يستطع أن يحميه من نهاية الطغاة الحتمية؛ فإن اتساع رقعة السخط ، وامتداد شرارة الاحتجاج من الفئات المعتادة ـ الطلاب والعمال والفلاحين ـ إلى قطاعات الموظفين الحكومين المسالمة تاريخيا؛ جرس إنذار آخر، يستدعي تحرك واع ومسئول، قبل أن تندلع جولة ثانية من ثورة المصريين ـ لا يعرف مداها سوى الله ـ لن يحول دون اندلاعها إلا التصرف بحكمة واحترام إرادة الشعب.
ويجب أن تكون رأس المخلوع الطائر عبرة لكل ذي عقل؛ فلم يثبت على مدى التاريخ أي جدوى لتجاهل مطالب الجماهير المشروعة، اعتمادا على أساليب القمع. وكانت مصيبة المخلوع أنه لم يتخذ قرارا يستجيب لمطالب الشعب إلا بعد فوات الأوان.. ولعله كان سيجنب نفسه النهاية المهينة لو أدرك خطأ الوقوف في وجه إرادة الجماهير، واتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ولنتخيل مثلا لو أنه قرر يوم 25 يناير ـ أو قبلها ـ تعيين نائب له، وعزل وزير التعذيب، وإعلان اعتزامه عدم الترشح، ونفى بشكل قاطع نيته لتوريث ابنه؛ وهي كلها قرارات اضطر على أية حال لاتخاذها، ولكن بعد أن فات الأوان!
وكما نعلم جميعا؛ فللصبر حدود، وكظم الغيظ لا بد وأن يكون له آخر. وقليل من التبصر يؤكد أن الممارسات القمعية والمحاكمات العسكرية، أو أي نوع من أنواع التهديدات لن يخيف من واجهوا الدهس يالسيارات والحيوانات والرصاص المطاطي والخرطوش والرصاص الحي. فكل من من واجه الموت طوال 18 يوما ـ غيرت نظرة العالم للمصريين ، ونظرة المصريين إلى أنفسهم ـ يوقن أنه كان مشروع شهيد؛ وشاهد بعينيه زملاء له يتساقطون؛ ولولا بقية من عمر لكان معهم.. ولا شك أن هذه الملايين التي خرجت في الجولة الأولى للثورة، لن تتردد عن الخروج في جولة أخرى ـ مهما كانت التضحيات ـ لفرض إرادة الشعب.
"أرى تحت الرماد وميض نار.. ويوشك أن يكون له ضرام".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال