الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فساد القيم

نهاد شامايا

2004 / 12 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان علينا التوقف طويلا" عند حادثة في غاية الاهمية والخطورة .حادثة تمس صُلب حياتنا اليومية كما تمتد الى رؤيتنا للتاريخ وموقفنا من حاضرنا ومستقبلنا.
الحادثة هي دعوة الشيخ والداعية الاسلامي السعودي سلمان العودة الشباب المسلم للجهاد في العراق في خطاب وقعه مع خمسة وعشرين داعية وعالم دين سعودي ،ثم استنجاده بالسلطات السعودية للبحث عن ولده ومنعه من الذهاب الى العراق للجهاد بعد ان لبى الاخير دعوة والده .وبالفعل القت الشرطة السعودية القبض على ابن الشيخ قرب الحدود السعودية العراقية وسلمته لأبيه.
هذه هي الحكاية بالتحديد، رجل يطلب من الناس القيام بعمل لا يرتضيه لنفسه.ولو كان اي رجل لما كانت هناك مشكلة ، لكنه شيخ وعالم تُسيّر الآلاف بل الملايين حياتها وفق اقواله وفتاواه ورؤاه.
رجل يمثل مؤسسة دينية ضخمة تمتد فروعها واذرعها في كل انحاء العالم،ولا تتردد في القيام بأي عمل مهما كانت خطورته،اذا رات انه يترجم فكر تلك المؤسسة وخطابها،انها مؤسسة محمد عبد الوهاب ا لاسلامية او ماتدعى بمذهب الوهابية.
قد يُنظر الى الحادثة على انها تصرف شخصي من فرد لكنها في الواقع حقيقة من آلاف الحقائق التي مرت في حياتنا عبر تاريخنا الطويل والتي ادت الى نكوصنا وانكسارنا وتخلفنا وتشوهنا وابتعادنا عن سبل الحياة الصحيحة.
لا احد يشك في ان اقدار شعوبنا تصنعها المؤسسة الدينية ومن ورائهارجال السلطة الحاكمة وحاشيتها ومهرجيها وفق تناغم وتوافق ضمني متوازن لم يشهد التاريخ اختلاله الا لغرض تبديل وجوه ووضع اشخاص محل اشخاص، اما المؤسسات فانها باقية وراسخة حتى يومنا هذا.
لقد تقاسمت المؤسسة الدينية والمؤسسة الحاكمة السلطة فيما بينها كما تقاسمت المصالح وحكمت الرعية بيد من حديد مستندة الى احكام ماورائيّة تدعو الانسان الى الطاعة العمياء لأولي الامر من رجال الدين ورجال الحكم،ومهما كانت قيم هؤلاء الرجال ومهما كانت مستوياتهم الفكرية والاخلاقية ،لذلك نرى الآلاف بل مئات الآلاف من رجال الدين العاطلين عن العمل يعيشون في رغد وبحبوحة،اما رجال الحكم فحدث ولا حرج ويكفي انه بجرة قلم يمكن لهم ان يُحيوا الانسان أو يُميتوه.فلا عجب ان يدافع هؤلاء باستماتة عن المؤسسات التي تحقق لهم هذه المكاسب.
ومن الطبيعي ان تتقاطع تلك المكاسب مع مصالح الانسان الفرد الذي يتطلع الى حياة حرة كريمة ويأمل في ان يعيش مراحله الحياتية بسعادة ويستمتع بما وهبته اياه الطبيعة،ويخطط لمشروعه الحياتي الشخصي بتفاعل ايجابي مع محيطه الانساني ضمن اطار حقوقه الشخصية وحقوق الآخرين.
وهنا تبدأ عملية ايهام الناس وعلى الاغلب بالترهيب من قوى غيبية تراقبهم وتحصي عليهم حتى انفاسهم،وبتحريم الميل نحو الاستقلالية في التفكير وفي كيفية التعامل مع مفردات الحياة لان ذلك يُعتبر من واجب الوسطاء او وكلاء تلك القوى في الارض ،لضمان بقاء الفرد وبالتالي المجتمع ككل ضمن القطيع ،ثم ضمان عدم فقدان العمل والامتيازات والمكانة الاجتماعية والسلطة.
ان الازمة الحقيقية التي تعيشها المجتمعات العربية هي محاولة رجال الدين السيطرة على عقول الناس وتحديد نشاطهم وسلوكهم الانساني والفكري بما يضمن الحفاظ على المؤسسة الدينية،وذلك طبعا" جنبا" الى جنب مع مؤسسة الحكم التي وُجدت وعاشت تاريخيا" معها.ومن الخطأ بمكان الفصل بين المؤسستين فأن وجود احداهما يغذي وجود الاخرى ،وليس من المنطق ابدا" التفكير بامكانية بقاء احداهما وزوال الاخرى وانما بقاءهما سوية ضرورة للحفاظ على كيان سلطوي واحد وزوالهما ايضا"يجب ان يكون معا".
وامامنا مثال حي على التلازم الحيوي بين المؤسستين في العراق ،فلا يمكن التمييز بين البعثيين ورجال الحكم السابق والارهاب السلفي في دفاعهم المستميت وبابشع الوسائل عن وجودهم الآيل الى الزوال
وفي تصديهم لمشروع عراق الديمقراطية والحرية وحقوق الفرد والمواطن ضمن ادارة حكومية واحدة لاترتكز قوتها على الغيب والتسلط وانما على حاجة الانسان الى التحرر والامان والاحساس الحقيقي بجمال الحياة وروعتها دون خوف او رعب ودون تشوش فكري يجرف الانسان بعيدا" عن المغزى الحقيقي البسيط لوجوده على هذه الارض.
وهناك امثلة كثيرة ايضا في معظم البلدان العربية ،حيث نجد فيها مؤسستي الدين والحكم تعمل جنبا الى جنب ،والنتيجة ايضا متشابهة تقريبا"، شعوب ينهش فيها الجهل والمرض والفقر والتخلف والعنف والظلم والتمييز والانقطاع الهائل عن ركب الحضارة العالمية.
ما قام به سلمان العودة ويقوم به الآلاف مثله دون ان يُفتضح امرهم يمثل التوجه الحقيقي للمؤسسة الدينية السلفية ،حيث الكذب على الناس وتحقيرهم وابعادهم عن العقل والمنطق من اجل ضمان السيطرة عليهم وبالتالي ضمان المصالح الشخصية والمكاسب .
لكن العراقيين وعوا الدرس جيدا ولم يعد من السهل بعد كل هذه السنين من الظلم والقهر الحيلولة دون تطلعهم الصادق الى التحرر وبناء العراق الديمقراطي على اساس حق المواطن في العيش وتحقيق الوجود باروع صوره ،وبالارتكاز على قانون وضعي مدني حضاري يكون هو المرجعية في تنظيم حياة الناس وحل اشكالياتهم اليومية دون المساس بالحرية الشخصية القائمة على قيم انسانية نبيلة ودون الحاجة الى نُصح سلمان العودة وامثاله من الذين يحملون نفس القيم الفاسدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواهب غير مفيدة للمجتمع ???? مع بدر صالح


.. تونس : لماذا كل هذه الفيود على الحريات؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. بعد حرب غزة.. هل ستفوز حماس إذا أجريت انتخابات؟ شاهد كيف رد


.. بسبب التصعيد الإسرائيلي في رفح.. تزايد حدة التوتر بين القاهر




.. أمير الكويت يصدر مرسوما أميريا بتشكيل الحكومة الجديدة | #راد