الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 - عود حميد / 10

نزار ياسر الحيدر

2011 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990
عود حميد / 10
بقلم : نـــزار يـاســـر الحيـــدر

عندما عُدتُ مع عائلتي من شهربان الى بغداد بتاريخ 5/ 3/ 1991 كان وقف اطلاق النار قد مضت عليه ايام معدودة وكان الانسحاب غير المنظم للقوات العراقية من الكويت سببا اساسيا بسحق الجيش العراقي وخاصة قوات الحرس الجمهوري التي غادرت الكويت لكنها وقعت وسط فخ نصب لها عند مشارف الحدود بين الكويت والعراق فتم تدمير اهم قطعات الجيش العراقي آنذك وراح ضحية هذا الفخ عشرات الالوف من الجيش العراقي ، اما باقي افراد الجيش فقد أُسر من أُسر منهم ومن استطاعوا ان يفلتوا عاد معظمهم سيرا على الاقدام الى داخل الحدود العراقية ، وهنا ساقص عليكم حادثتين طريفتين تظهران الضحك على جيش جرار غرر به ودفع به لحرب لاناقة له فيها ولاجمل، سيق الى الهلاك والموت سوق البهائم( جلكم الله) الى حتفها؛ والاستهتار بمقدراته، ومبكيتين لان مئات الآلاف من شباب العراق الذي لاذنب لهم قتلوا او تعوقوا او فقدوا اشباعا لنزوات طائشة لحكام ابتلى بهم العراق وشعبه لعقود من الزمن : الحادثة الاولى هي عندما بدأ الهجوم البري نهاية شباط 1991 صدرت بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية وهي تبشر العراقيين ببدء الهجوم البري من قبل قوات التحالف على الجيش العراقي إذ كانت القيادة تتوعد الحلفاء بانها ستوقع بجيوشهم الدمار والموت ان بدأت المعارك البرية وادعت ان الحلفاء يخشون المواجهة البرية فكان احد بيانات القيادة العراقية يهلل ويبشر ويقول : ( هل تعلم ايها الشعب العراقي العظيم من هم الذين يتصدون لقوات التحالف المعتدية ؟ انها قوات الحمزة البطلة التي تنزل ضرباتها الماحقة بالعدو .... اضربيهم .. دمريهم ياقوات الحمزة ...لقنيهم الدروس التي لن ينسوها .. لاترحميهم ...) ولو تعرف عزيزي القارئ من هي قوات الحمزة ؟؟ انها الوحدة العسكرية التي نُقلت منها الى موقع الدريهمية وهي عبارة عن لواء مشاة /18 يحتوي على ثلاثة افواج وسرية مغاوير وهذا اللواء قد دُمر واعيد تشكيله في الحرب العراقية الايرانية اكثر من عشرين مرة !!! ولايملك من الاسلحة الا اسلحة خفيفة قديمة هرئة صدئة كان منتسبو هذا اللواء يسخرون من اسلحتهم التي لاتصلح لواجبات الحراسة الليلية العادية !! فكيف سيلقن هذا اللواء البائس قوات التحالف الدروس لكي لاتنساها هذه القوات ..!!؟ ، اما القصة الثانية التي رواها لي احد اصدقائي الجنود الذي ابقاه قدره في قوات الحمزة ( البطلة ) والتي كانت تتموضع في الصحراء على الحدود الكويتية السعودية في حفر الباطن وهي التي تلقت اول ضربات قوات التحالف عند بدء الحرب البرية فقال : لقد كنا نعيش بمواضع حفرت برمال الصحراء ودعمت باكياس الرمل وكان الطعام والماء يصلنا بالصدفة وكل الجنود جائعين وعطاشى في اغلب الوقت والخوف والرعب يلازمنا وقبل ايام من الهجوم البري تم جلب مدفع ثقيل اريد له ان يكون بالقرب من موضعنا لكن الارض الرملية لم تسمح لان يكون بالقرب منا تماما اي وضع على بعد مئة متر من موضعنا وفي اليوم ماقبل الهجوم البري تم نصب مروحة كبيرة مصنعة خصيصا في التصنيع العسكري اطلقوا عليها (دافعة الغبار) طلبوا منا تشغيلها باتجاه العدو لكي يضعفوا إمكانية الرؤية ويشوشوا على تقدم العدو !! والذي حصل عندما بدأ الهجوم البري جاءت اوامر بقصف نقاط معينة بالمدفع الذي وضعوه بقربنا وعندما استعد جنود واعداد المدفع لواجبهم لم يرمِ المدفع لانهم اكتشفوا ان ( الابرة ) التي تفجر القذيفة مكسورة !!! وبعد ان بدأ الهجوم البري وحاولنا تشغيل دافعة الهواء فوجئنا ان طائرات الهليكوبتر الامريكية كانت فوقنا ونحن بوسط عاصفة من الرمال بسبب مراوحها وهم ينادون علينا من مكبرات الصوت بان نخرج من مواضعنا رافعين ايدينا بدون اي سلاح ونسير باتجاه السعودية لمسافة طويلة حتى وصلنا الى معسكر مؤقت لتجميع الاسرى، ثم تم نقلنا الى معسكرات داخل السعودية بقينا بها لايام ثم تم اطلاق سراحنا بواسطة الصليب الاحمر الذي اوصلنا الى المدن التي نسكن بها في العراق !!! .
لقد كنا نسمع من الجنود العائدين من الكويت قصصا عجيبة غريبة يمكن ان تستوعبها مجلدات من الكتب وكان كل جندي عبارة عن قصة وملحمة هائلة من المعلومات وكانوا يخبرونا بان البصرة والمحافظات والمدن الجنوبية قد سقطت على يد الشعب العراقي المنتفض على حكامه بعد ان عاد الجنود مشيا على الاقدام من الكويت وقام احدهم باطلاق النار على احدى صور صدام في البصرة فهاج وماج الشعب والجيش وتم اسقاط الحكومات المحلية في المحافظات الجنوبية واحتلال المباني الرسمية بعد فرار من تمكن من الفرار، وقتل من وقعت عليه الأيدي من اعضاء الحزب والاجهزة الامنية ، ونهبت دوائر الدولة وحرق معظمها وتواردت انباء عن دخول ايرانيين الى محافظات الجنوب وربما اعداد من الاحزاب الدينية التي تحتضنها ايران والذين يسمون بالتوابين ( اسرى الحرب العراقية الايرانية الذين تم تنظيمهم وتدريبهم في ايران وتغذيتهم بالفكر الديني المعادي للبعث وصدام )وبدأت تتساقط المحافظات واحدة تلو الاخرى كل ذلك حصل خلال ايام معدودة قليلة وبدا ان صدام أخذ يفقد السيطرة على العراق وامتد العصيان المسلح الى محافظات الوسط والشمال ثم هاج الشعب وماج في الجزء الشرقي من بغداد وفجأة انقلب الموقف رأسا على عقب فبدأت قوات الحرس الجمهوري تطهر محافظات الوسط والجنوب وحصلت مواجهة دموية في مدينة الثورة بعد ان خرجت تظاهرة كبيرة يتصدرها الاطفال والنساء وتم اطلاق النار عليها من قبل الحرس الجمهوري وكان الاستهداف في مناطق القتل في الراس والصدر وبقيت الجثث ملقاة في شوارع المدينة لساعات طويلة لايتجرأ اهاليهم على سحبهم من الشارع !! لقد اعطت قوات التحالف الضوء الاخضر لطيران صدام ( الهليكوبترات ) لقمع الانتفاضة التي حصلت في مدن العراق فمكنه من ذلك وبقدرة عالية ما ارادت اميركا والتحالف وكان الثمن انهارا من الدم !!؟.
كانت اتفاقات خيمة صفوان التي وقع فيها العراق على الاستسلام امام قادة قوات التحالف وكان الفريق الركن سلطان هاشم والفريق الركن صلاح عبود هم من وقع على الاتفاقات المذلة للاستسلام والتي لم تنشر بنودها لكن ما تسرب منها هو تسريح الجيش العراقي وتغيير قياداته وعلى شكل مراحل وكان الامر ان يتسرح كل جنود الاحتياط من هم مواليد 1960 فما دون بنهاية شهر آذار 1991 ويعني هذا انني قد شملت بامر التسريح ، كذلك صدر امر بالعفو عن الجنود والمراتب الهاربين من الخدمة العسكرية والالتحاق بوحداتهم العسكرية في موعد لايتجاوز 15/3 عندها قررت انا الالتحاق بهذا التاريخ لكي اتمكن من التسريح نهاية آذار حتى تنتهي المعاناة بالرغم من توارد الاخبار عن الاضطرابات في المحافظات الجنوبية .
في يوم 15/3/1991 انطلقت متوجها الى البصرة بسيارتي الخاصة بعد ان تدبرت شراء كمية من البانزين تكفيني للوصول للبصرة والعودة منها وبالرغم من معرفتي بان الجسور والطرق مقطوعة وكان يرافقني اخي الكبير وابن اختي وهو ايضا جندي وحدته في مدينة القرنة واحد اقاربي من اهالي البصرة ، انطلقنا من بغداد الساعة السابعة صباحا وكانت بغداد شبه مهجورة ولا ترى فيها اي علامة لوجود دولة اذ لاشرطة ولاجيش ولا مرور !!! وكانت قبل يوم ليلة ماطرة بشكل غير اعتيادي بحيث ان انفاق شوارع بغداد قد امتلئت بمياه الامطار وكانت الطريق حتى مدينة الكوت شبه خالية من السيارات وبعدها فوجئنا ان جميع صور صدام الجدارية في الطرقات بعد مدينة الكوت قد اتلفت ومزقت او احرقت حتى وصلنا مشارف مدينة العمارة عند منتصف النهار فوجدنا مدينة العمارة وكانها ساحة حرب حقيقية وتحاصرها قوات الحرس الجمهوري وكانت للتو قد انتهت من قصفها بالمدفعية الثقيلة لاننا شاهدنا عند مدخلها الشمالي المدافع واطقمها وبقايا القذائف المدفعية متناثرة حول المدافع فتوقفنا مستفسرين منهم بامكانية الدخول الى مدينة العمارة فاجابونا نعم يمكنكم لاننا انتهينا قبل قليل من تطهيرها من ( الغوغاء ) فواصلنا السير للدخول الى وسط المدينة وقد رعبنا مما شاهدنا من مناظر فالابنية والبيوت على جانبي الشارع كانت مهدمة كليا وجزئيا وقد خرج الناس من مخابئهم وهم يحاولون لملمة ما تبقى من بيوتهم لكن الافضع اننا انتبهنا الى وسط الشارع فرأينا اعدادا كثيرة من الجثث البشرية وقد تمرغت بالوحل وهي متناثرة على قارعة الطريق فكان منظرا مؤلما وغريبا فحاولنا جهد الامكان ان نسرع حتى وصلنا الى تقاطع مدخل المدينة فوجدنا الاسلحة والاعتدة منثورة بدون حساب في الشوارع حتى الدبابات المعطوبة كانت منتشرة في كل مكان ووجدنا بقايا صور وجداريات صدام مشوهة ومحروقة ، فتركنا مدينة العمارة وانطلقنا الى البصرة وكانت السيطرات العسكرية على الشارع العام منصوبة بين مسافة واخرى وكانوا يتحققون من الوثائق والهويات حتى وصلنا الى مدينة الدير ثم القرنة فلم نستطع ان نعبر على الجسور التي توصلنا الى البصرة لانها مدمرة لكننا عبرنا على جسور عسكرية نصبت بشكل عاجل وطارئ لتمكن الجيش العراقي المنسحب من عبور النهر ثم التوجه الى بغداد وكانت قوافل الجيش المنسحب طويلة فاستغرق عبور كل نهر حوالي الساعتين اضافة لخطورة هذا العبور عبر التيار المائي الهائج ثم استدلينا على الوحدة العسكرية لابن اختي في القرنة على الشارع العام فنزل اخي لوحده ليتاكد من الاوضاع هل هي ملائمة لكي يسلم ابن اختي لوحدته وماهي الا دقائق حتى عاد فاومأ لنا برأسه وطلب مني ان اسرع بالتحرك من المكان وبعد الاستفسار منه اخبرني بانهم يقومون باركاب كل الجنود الملتحقين بشاحنات عسكرية وياخذونهم الى الحدود العراقية الايرانية لانه لايزال هناك قتال بين الجيش والمتسللين الايرانيين والجيش لازال يطاردهم وهو بحاجة لجنود ليتحولوا الى حطب لهذه النيران المشتعلة !! فوصلنا مدخل مدينة البصرة حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء فلم يسمحوا لنا بدخول البصرة من قبل السيطرة العسكرية المرابطة هناك وبعد الحديث معهم سالني احد الضباط وكان برتبة نقيب عن مكان وجهتي التي جئت منها فقلت له انا جئت من بغداد فقال لي انت تضحك علينا اي بغداد التي تتكلم عنها فاقسمت له انني من بغداد فاجاب ان بغداد قد سقطت وليس لديهم اي اخبارمنها لان الاتصالات جميعها مقطوعة وحتى الاذاعة العراقية لاتسمع بالبصرة فاعدت عليه قسمي وقلت له اني جئت من بغداد وهذا البنزين الذي في السيارة اشتريته امس من مدينة الثورة فقال لي مندهشا نحن نعلم ان الدولة قد سقطت ولاتوجد حكومة !!! فاكدت له اقوالي فسالني عن وحدتي العسكرية فقلت له انا في موقع الدريهمية فقال اذهب واي سيطرة تسالك قل لهم نقيب فلان يسمح لي بالمرور واوصاني ان ابقى اسير وسط الشارع المعبد ولا انزل على اكتافه خوفا من الالغام والقذائف غير المنفجرة فانزلت قريبي في مدخل البصرة ليذهب الى بيته وانطلقت مسرعا الى الدريهمية وكانت الشمس قد اغربت والليل بدا ينشر عباءته فوصلنا الى موقع الدريهمية بعد سفرة محفوفة بالمخاطر والمجازفات فوجدت الآمر وبعض الضباط جالسين امام المقر وبعد ان سلمت عليهم وقصصت عليهم كيف جئت من بغداد استغرب الجميع لان الاشاعات التي وصلتهم تؤكد ان الحكومة في بغداد قد سقطت !!، وبعد ان عرفتهم باخي وابن اختي رحبو بهم واستضافوهم بالبهوا لكي يباتوا ليلتهم ويعودوا الى بغداد في اليوم التالي، اما انا فجريت الى اصدقائي الجنود ووجدت اغلبهم موجودا فاحتضنني الجميع وقدموا لي التهاني بسلامة الوصول وكان عودا حميدا لي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد