الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخجول والصفيق !

نصارعبدالله

2011 / 9 / 19
سيرة ذاتية


لم يقدر لى أن أعرف الراحل الدكتور خالد عبدالناصر معرفة وثيقة لكننى التقيت به مرتين أو ثلاثا فى مطلع الثمانينات من القرن الماضى، كانت إحداها فى نادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة عندما كنت واحدا من المعقبين على محاضرة ألقاها ـ رحمه الله ـ عن الجدوى الإقتصادية لمشروع مترو الأنفاق الذى كان العمل به فى ذلك الوقت جاريا على قدم وساق ، ....فى تلك السنوات الزاهرة من تاريخ نادى هيئة التدريس ...أعنى فى مطلع الثمانينات كان مجلس إدارة النادى مكونا من مجموعة من الأساتذة من ذوى الإتجاهات الوطنية المستنيرة الذين نجحوا فى تحويل النادى إلى قلعة حقيقية من قلاع الوطنية والإستنارة ...وعلى أيديهم ازدهرت الندوات الأسبوعية التى كانت تتناول قضايا الفكر والفن والثقافة جنبا إلى جنب مع هموم الإقتصاد والسياسة التى لم يستطع أن يفلت من إيقاعها اليومى أى مثقف جقيقى سواء داخل الوسط الأكاديمى أو خارجه .. أشهد لتلك الندوات أنها فى مجملها كانت على مستوى رفيع سواء من حيث مستوى المتحدثين (وكان خالد عبدالناصر فى محاضرته سالفة الذكر واحدا منهم) أو مستوى المحاورين والمعقبين والنشطاء الذين تألقت من بينهم إذ ذاك أسماء أذكر منها : أحمد الأهوانى وسعيد النشائى وشادية الشيشينى ( كلية الهندسة ) ، حسن نافعة ومصطفى كامل السيد ونادية أبوغازى ( كلية الإقتصاد والعلوم السياسية )، سيد البحراوى وأمينة رشيد وهالة فؤاد ( كلية الآداب)، محمد عامر وليلى سويف (كلية العلوم)، عواطف عبدالرحمن ( كلية الإعلام )، محمد أبو مندور ( كلية الزراعة )،...وأسماء أخرى كثيرة غابت عن ذاكرتى لكن أصداء حواراتها وآرائها باقية لا تزال...،أما المرة الثانية فقد كانت عندما قام نادى هيئة التدريس بجامعة القاهرة بتوجيه الدعوة إلى جميع أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعبين اللبنانى والفلسطينى فى أعقاب الغزو الإسرائيلى للبنان، وقد قام حزب العمل يومها مشكورا باستضافة المشاركين فى مقره بحدايق القبة ، ..وحين ذهبت للمشاركة كانت قاعة المؤتمرات بالحزب ممتلئة تماما فيما عدا مقعدين فى أحد الصفوف الخلفية جلست على أحدهما وظل الآخر شاغرا ، وبعد أن بدأ المؤتمر بقليل دخل خالد عبدالناصر وراح يتفحص الصفوف الممتلئة باحثا عن مكان ، حينئذ أشرت إليه بيدى أن هناك مكانا ، فجاء وجلس شاكرا ، وفى هذه اللحظة لمحه رئيس المنصة أستاذنا الدكتور إبراهيم صقر ـ رحمه الله ـ فأعلن للحاضرين أنه قد شرفنا الآن بالحضور الدكتور خالد عبدالناصر نجل الزعيم جمال عبدالناصر وحينئذ دوت القاعة بالتصفيق الحاد ..نظرت إلى خالد فرأيته قد وقد علت وجهه أمارات الخجل والإرتباك...قلت له : قم لكى ترد على تحية الزملاء ..تردد قليلا ثم نهض واقفا وأشار بيده محييا زملاءه لثوان معدودة ثم جلس وخجل الدنيا بأكملها مرتسم على وجهه ...قفزت إلى ذاكرتى هذه الواقعة حين طالعت خبر رحيله ..ووجدت نفسى بحكم السياق مدفوعا إلى المقارنة بين هذا النموذج المتواضع الخجول وبين نموذج آخر سوف أطلق عليه وصف "الصفيق" وهو نموذج لا ينفرد به بلد عربى واحد لكنه للأسف الشديد نموذج متكرر فى الكثير من الأنظمة العربية ( الجمهورية) المعاصرة حيث تجد الأغلبية الساحقة من المواطنين يكرهون الإبن وأباه ويسألون الله فى كل لحظة أن يأخذهما معا ... ومع هذا تجد الإبن ( وهو ذو شخصية طاردة منفرة فى معظم الأحيان ) ...تجد الإبن وقد فرض نفسه على وسائل الإعلام فرضا حيث تعد عنه البرامج وتكتب التقارير وتجرى معه اللقاءات والحوارات، كما تجده رغم وطأته الثقيلة على النفس وقد فرض نفسه فرضا على الجماهير بشكل مباشر حيث تعقد من أجله المؤتمرات والندوات التى يتكلم فيها عن فكره الجديد وعن رؤياه للمستقبل مع أنه ـ على الأرجح ـ يعلم أن جميع المستمعين فيما عدا قلة ضئيلة من المنتفعين ـ يؤمنون إيمانا عميقا بأن المستقبل سوف يكون أفضل كثيرا بدون سيادته!!..لحسن الحظ أن الجماهير العربية التى صفقت طويلا لنموذج الوطنى المتواضع الخجول هى ذات الجماهير التى أزاحت وسوف تزيح من كل شبر من ربوعها وإلى الأبد ـ إن شاء الله ـ نموذج المتغطرس الصفيق .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل