الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقي الذي لم يعد صديقي...

أحمد بسمار

2011 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


أو ضحايا إضافية.. من الحرب الأهلية في سوريا

في البلدة الأوروبية التي أعيش فيها من حوالي نصف قرن, جالية سورية متعددة ملونة مختلفة. أساتذة جامعات, أطباء باختصاصات مختلفة يمارسون في عشرات المستشفيات المختلفة ومئات العيادات الخاصة, موظفون في مختلف المؤسسات العامة والخاصة, عمال من مختلف المهن, ومئات الطلاب بالاختصاصات المختلفة, موفدون وغير موفدين. بالإضافة إلى عدد كبير من التجار المتوسطين والصغار في مجالات تجارية مختلفة. الجالية السورية هنا تتجاوز العشرين ألفا, حسب آخر إحصائيات 68 ـ 73 من القرن الماضي, غالبهم حاصل على جنسية هذا البلد الأمين. ومن حينها لا يوجد أي إحصاء دقيق لهم. حيث أن الإحصائيات من أصول عرقية ممنوعة حسب القوانين الجديدة. وذلك لمحاربة الأفكار والدعايات العنصرية.
بالإجمال الجالية السورية, جالية ناجحة اجتماعيا ومعيشيا. لكن غالب المحاولات لخلق روابط ثقافية لم تستمر أكثر من سنتين أو ثلاثة.. ثم تنطفئ وتختفي وتزول. دوما بسبب خلافات داخلية على الرئاسة أو إدارة هذه الروابط التي كانت تظهر فيها بعد أشهر قليلة نفس الخلافات التي تعيث في البلد. طائفية, عرقية, وأحيانا نفس الخلافات السياسية. وخلال هذه الأشهر الستة الأخيرة, كم تمزقت صداقات, كانت دائمة حية من عشرات السنين, فتفجرت لخلافات ومشاجرات بسبب الأحداث اليومية التي تجري في البلد, وحسبما تشاهد كل عائلة أو جماعة من فضائية وتعليقاتها وصورها وتلفيقاتها المختلفة. صداقات قديمة متأصلة, تفجرت وحل مكانها نفس التفرقة والعداء الموجود بين الأطراف المتنازعة في البلد.
موقفي كان وما زال حياديا. أو بالأحرى لي انتقادات عميقة فكرية ضد الطرفين المتنازعين في البلد. السلطة والمعارضة. بالإضافة أنني أرفض كليا أي تدخل عسكري أو سياسي خارجي في حل هذا النزاع الذي يتفاقم ويصل يوما عن يوم إلى ســد ملغوم مغلق سيتفجر على رأس جميع الأطراف حـارقـا الأخضر واليابس, جالبا الخراب والتمزق والهلاك والموت للبلد وشعب البلد. رأي بالطبع لا يرضي أي من الأطراف المتنازعة هنا بين أصدقائي. وحتى بين أصدقائي المقربين الذين بدأوا يتفادون لقائي أو مشاركتي بأي حديث عن البلد. لأن الحياد مع مزيد الحزن والأسى والمرارة والأسـف أصبح عداء وحربا وحقدا وخلافات فكرية وسياسية, تستحق حكم النفي والسحل. دون قبول أي حكم مخفف أو تفهم لما أبدي من ممانعة لأساليب وجهالات الأطراف المتنازعة ورفض أي حوار معقول مقبول بين أفراد الأسـرة السورية الواحدة!!!...

لست آسـفـا على ابتعاد غالب هؤلاء النصف ـ أصدقاء عني.. ما عدا واحد منهم. واحد فقط. كنا أكثر من أخوة وأكثر من أصدقاء. كنا كأخين تؤامين. تربطنا أكثر من أخوة وأكثر من صداقة. تربطنا أفكار ومشاركات وتحليلات ونظرات مشتركة متشابهة. كان هذا الإنسان جامعيا متفوقا, يعمل بمنصب رفيع في إحدى المؤسسات. نجح في حياته المهنية والاجتماعية والعائلية, من الصعب تمييزه عن أهل البلد الأصليين, متمسكا بسوريته في جميع المناسبات والأحداث والظروف.
في بداية ألأحداث السورية كان من أشد المدافعين عن السلطة. بينما كنت أنا من أشد المنتقدين لها نظرا لذكريات شبابي…ثم طالت وامتدت الأحداث وتغيرت.. فأصبح صديقي من أشـد المعادين لها.. انتقاداته كانت ترديدا حرفيا لنشرات الجزيرة والعربية
وFRANCE 24 و BBC
وسـرعان ما أصبح هذا الصديق ـ الأخ من مدة شهر تقريبا لا يتحمل لا آرائي الحيادية ولا كتاباتي ولا صداقتي ولا مشاركتي حتى بلقاء عاجل, كأننا مختلفين على ميراث أمنا وأبينا. وفي إحدى الليالي أرسلت له رسالة الكترونية مطولة أتأسـف بها على ما أصاب صداقتنا مذكرا إياه بمتانة علاقاتنا وثقافتنا وأفكارنا وتحليلاتنا السابقة المشتركة, وأنه هو بالذات الذي كان يبشر في حلقاتنا السورية أن اختلافاتنا الفكرية والسياسية يجب ألا تؤثر على الإطلاق بصداقاتنا المتنوعة وعلاقاتنا العائلية. ويجب أن نحافظ مهما تأزمت الأمور على أرض الوطن, وأن نبقى هنا في هذه المدينة الأوروبية المعروفة, عائلة واحدة متماسكة.....
فجاء جوابه الذي لا يتعدى السطر والنصف, كأنني أحد موظفيه يستجدي معونة أو زيادة راتب. رسالة جافة مقتضبة رسمية. لم تكن على الإطلاق ردا مسالما حبيا على ما أبديت في رسالتي من تذكير بالصداقة... تبعها صمت وغياب وانقطاع من هذا الصديق ـ الأخ.. وكلي قناعة أن هذه الصداقة ماتت نهائيا كمن يوموتون في شوارع اللاذقية وحمص وحماه ودرعا والرستن وإدلب وغيرها من المدن السورية اليوم, من المتظاهرين أو من رجال الأمن والجيش.. أموات أبرياء أبرياء. كان بالإمكان تجنب موتهم, لو أنهم تكلموا مع بعضهم, وتساءلوا ماذا يصيب هذا البلد, ولماذا لا يمكنهم أن يتحاوروا دون استماع الأصداء والأنباء التي يتناقلها ويبثها أناس ودول وجماعات لا تريد سوى تمزيقنا وتشتيتنا وإبعاد الأخ عن أخيه, حتى يستولوا ويسيطروا على ميراث أجدادنا وآبائنا, أو حتى يحكموننا دوما على هواهم كأننا عبيد في مزارع ورثوها...

صديقي الذي لم يعد صديقي.. وأنا.. نحن الأثنان ضحيتان إضافيتان لهذا الخلاف العائلي الذي لم نستطع تجنبه. نحن ضحايا جانبية
Victimes collatéraux
من هذه الحرب الأهلية التي أشعلت وسوف تشعل المشرق والعالم العربي بكامله وبعدهما العالم الإسلامي.. ومن يدري.. من يدري.. قد تشعل العالم, لأن شركات متعددة الجنسيات تديرها وتحركها فكرة الربح, ولا شيء سوى الربح بتفجير الحروب وتجزيء الشعوب وتفقيرها.. وخاصة تمزيق الأخوة والأصدقاء...

صديقي الذي لم يعد صديقي.. لن يقرأ هذه الكلمات.. لأنه يتفادى ويتمنع عن قراءة أية كلمة أكتبها... لهذا السبب سوف تدوم الحرب وتستمر الأزمة.. ولن نلتقي....................
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا حوار في المجتمع السوري
rime ( 2011 / 9 / 19 - 21:49 )
استاذ احمد
انا اسفة على هذه القطيعة غير المبررة و لكنها في الظروف الحالية لبلدنا العزيز اصبحت عادية و مكررة
نحن شعب لم نعتد الحوار و لا الديمقراطية في الحوار تصور ان لا حوار بين الاصدقاء
فكيف على مستوى وطن


2 - لعدم استعمال عقلنا السياسي أصيب بالحساسية
ليندا كبرييل ( 2011 / 9 / 20 - 02:49 )
أسفا أن تصل علاقات صديقين إلى افتراق حاد بسبب المواقف السياسية
كل أنظمتنا العربية زرعت في نفوسنا تجاه بعضنا الضغينة والفرقة، والعواطف الشكلية تنهار على أول صخرة من الخلافات السياسية
قرأت كيف كانت أيام عبد الناصر(وغيره) خوفا وفزعا فأصبح الابن يفسد على أبيه والأخ على أخيه والجار على جيرانه
لم يربوا فينا حب الاختلاف ولم ينضجونا سياسيا بالتجربة والانفتاح على أحزاب متعددة الآراء والمواقف ليتبنى كل فرد ما يناسب قناعاته وميوله
يمنع منعا باتا الخروج عن مواقف حكامنا حتى في الأحزاب المتعددة الكراكوزية، فلما أتيحت لنا الفرصة للتعبير الحر بدأ الاختلاف الحقيقي
إن كان صديقك فماذا تقول في عائلة صديقتي: الأب والأم في موقفين متناحرين متناقضين تمااااما، والأولاد الأربعة اثنان مع الأم وثالث مع الأب ورابع حيادي، والمؤسف أن الأهل والأقارب أيضا افترقوا لنفس السبب
حكوماتنا العربية عملت مواقفنا خبيصة فكرية لا نجاة منها، دخّلت سياستها الباغية حتى غرف النوم أفلا تدخل بين الأصدقاء؟
العرب لن يعرفوا العلمانية أبدا فالسُلُطات عملت منا سَلَطات . شخصياتنا لا تعرف المرونة والمنطق في الأحكام . هذه تربية الاستبداد


3 - رد إلى الآنسة ريــم
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 9 / 20 - 05:24 )
ريم الغالية
أشكرك على مداخلتك ومشاعرك الصادقة.
مع أطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة


4 - رد للسيدة ليندا كبرييل
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 9 / 20 - 05:33 )
أشكرك يا سيدتي الرائعة على مداخلتك الصادقة, آملا أن تعود لبلدي
وحدته الوطنية.. وأن يعود لشعبه العقل والحكمة.. على أرض الوطن
وفي بلاد الاغتراب… وحتى نلتقي…
لك مني هذا الصباح أطيب تحية مهذبة
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة.


5 - تحية سيد بسمار
درويش السيد ( 2011 / 9 / 20 - 07:33 )
في حالتنا الوطنية والموقف منها لاتنفع النيات و....المواقف الحيادية في هذه اللحظة لالون لها سوى الرمادية و...الدخول في الشأن العام وبحجم المصاب الذي يلم بالوطن ب راية رمادية هو وبأحسن النيات موقف غير سار ويجلب لصاحبه الكثير من التساؤلات ومنها مثلا ..ما حجم اساك في فقدان علاقة مع صديق امام من يفقد جسد اخوة وارواح اصدقاء ويفرقهم رصاص غادر لسوري تحول الى قاتل ومنفذ شهوات ؟؟؟ ارحم نفسك سيد بسمار وكلي امل ان تطرد -بضم التاء- احلامك الرمادية بطريقة او اخرى... والوضع سيكون ارحم وابهى.


6 - رد للسيد درويش السيد
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 9 / 20 - 09:16 )
يا سيد درويش
أشكرك على مداخلتك وخاصة على نصيحتك. وأؤكد لك أن حزني وأسفي على فقدان صديقي مؤلم جارح وشعوري كشعور أي أم فقدت إبنا. وكل من ماتوا في بلد مولدي,خلال الأشهر الستة الماضية, لهم مكانة في قلبي ومشاعري وألمي كأنهم أخوتي وأبنائي وأصدقائي.
كل ما آمل أن يسلم هذا البلد. وأن يتجنب الذئاب التي تتحضر من سنين لنهش عظامه.
ولك كل مودتي واحترامي. وأطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة.


7 - تـصـحـيـح
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 9 / 21 - 12:30 )
يرجى التصحيح اللغوي القواعدي الفرنسي التالي :
Victimes collatérales
بـدلا من :
Victimes collatéraux
مع مزيد الشكر والتحية.


8 - احمد بسمار انا صديقك
وليد يوسف عطو ( 2011 / 9 / 21 - 14:13 )
الزميل الكاتب احمد بسمار الجزيل الاحترام خلق الانسان له اذنان وفم واحد ليسمع اكثر ممايتكلم سبق ان اختلفنا انا وانت ولازلنا مختلفين ولكني اقول راي صحيح يحتمل الخطاء ورايك خاطي يحتمل الصح لايمكنني مصادرة راي الاخرين وهذا خلاف اخلاقي وقيمي وعلمانيتي ولهذا انا اتواصل معك الصديق من يعطيك رايه بصراحة وليس من يجامل والسياسة تذهب ولكن الانسان هو الباقي كلنا اصدقائك اكتب لي ملتشاء والمقال القادم لي يوم الجمعة عن اهمية العقل النقدي في تطور المجتمع والذي يليه حول ثقافة التصحر وكتبتهما بناء على طلبك لك مني خالص محبتي وتقديري


9 - ملاحظة صغيرة
ماهر السيد ( 2011 / 10 / 13 - 21:11 )
السيد بسمار: كيف تقول أن موقفك حيادي وتقول بنفس الوقت -بينما كنت قد قلت .. أنا من أشد المنتقدين لها.......- وأيضاً -وحتى بين أصدقائي المقربين الذين بدأوا يتفادون لقائي أو مشاركتي بأي حديث عن البلد....ووو ....ألا ترى بأن السبب هو أنت ؟؟؟؟ حيث كلامك يدل على هدا ؟؟ يجب مراجعة نصك -
مع التحية

اخر الافلام

.. أمير الكويت يأمر بحل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدس


.. كاميرا مراقبة توثق غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على شمال




.. مراسلة الجزيرة: طلاب كامبريدج يضغطون على إدارة الجامعة لقطع


.. تشييع شهداء سقطوا في قصف إسرائيلي على رفح جنوبي قطاع غزة




.. مظاهرة حاشدة في مدينة نيويورك الأمريكية إحياء لذكرى النكبة