الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعريص والانتقاء الطبيعي

بهاء أبو زيد

2011 / 9 / 20
كتابات ساخرة



الجُبن ونفاق الأقوى، وقهر الأضعف، وحب الاستقرار حتى لو على حساب المستقبل، والتخاذل عن نصرة المظلوم بل ومهاجمته ولومه، والتماس العذر دائمًا للظالم وغيرها من الصفات الشبيهة يمكن تلخيصها بلفظة مصرية عبقرية وهي “التعريص”. وبالرغم من أن هذه الكلمة لها أصل عربي فصيح، وأن الكلمة لا علاقة لها بالجنس إلا أن المصريين يعتبرونها كلمة خارجة و”قبيحة” وهذا ما لا أفهم سببه. ولكني لا أعتبرها كلمة خارجة، وأدعو المصريين لاستخدامها في حياتهم اليومية بدون تحفظ أو حرج فهي كلمة لا يوجد لها مرادف آخر بهذه العبقرية.

والتعريص في رأيي هو الخلق المسؤول عن فشل كل محاولات الثورة والتخلص من الاستبداد، ودائما ما كان التعريص هو الوقود الذي يستغله المستبد ليشعل نار الاحباط في صدور الأحرار بجعل الغالبية المعرصة تلعن الحرية وتطالب بإسقاط الديمقراطية وتسب الثوار والثورات. ولكن لماذا انتشر التعريص في شعوب معينة ولم ينتشر في شعوب أخرى؟ لماذا انتشر في مصر ولم ينتشر في إيران مثلا؟ لماذا يهاجم دائمًا المصريون الشعوب الثورية الطبيعة والتي لم ينتشر فيها التعريص ويصفونها بأنها شعوب دموية؟ الإجابة في رأيي موجودة في العلم، الإجابة هي الانتقاء الطبيعي.


يمكن تلخيص فكرة الانتقاء الطبيعي، الفكرة العبقرية لتشارلز داروين، في أن الكائنات الحية عندما تتكاثر يحدث في بعض الأحيان أخطاء عشوائية في انتاج الأجيال الجديدة (طفرات)، أغلب هذه الأخطاء تنتج كائنات بها مشكلات تجعلها أقل كفاءة من الكائنات التي أنجبتها، ولكن بعض هذه الطفرات تنتج بالصدفة صفات جديدة في الكائنات الجديدة تجعلها تمتلك ميزات في البقاء غير موجودة في الجيل الذي أنجبها، وعند إذ يقوم الانتقاء الطبيعي بانتقاء هذه الكائنات ذات الميزات البقائية ويتركها لتعيش وتتكاثر ويقوم بإبادة الكائنات الأخرى التي لا تمتلك تلك الميزات. والانتقاء الطبيعي هو مجرد الظروف الصعبة التي يعيش فيها الكائن من وفرة وندرة في الغذاء وكوارث طبيعية وتنافس مع كائنات أخرى بعضها ينافس الكائن في الغذاء وبعضها يريد أن يفترس هذا الكائن. وبتراكم تلك التغييرات البسيطة تتنوع الحياة على الأرض ويحدث التطور. فكرة قاسية لكنها حقيقية ومثبتة علميًا، فالحياة مؤسسة على القسوة.

والظروف في مصر (على سبيل المثال) تجعل الكائن المعرص ذا ميزة بقائية أفضل من الكائن الثائر أو الشجاع أو المغامر. فمصر دولة زراعية يأتي إليها النيل كل عام بدون مجهود ويقوم بري الآراضي من تلقاء نفسه مع بعض العمل الغير خطير من الفلاح المصري يصبح لدى المصري الطعام الكافي لبقية أيام العام، فالبيئة الزراعية ليست في حاجة إلا شجعان أو مغامرين وليس لديهم أي ميزة بقائية، بالعكس الشجعان والمغامرون لديهم عيب بقائي تمثل في أن مصر ظلت طوال تاريخها محكومة، بدون أي استثناء، بحكومة مركزية مستبدة يتحكم فيها فرد واحد فقط مما خلق مناخًا ينتهي الحال بالشجاع أو المغامر مشنوقًا أو ميتًا في السجن أو ميتًا من الجوع والفقر.

في بيئة تعطي المعرص ميزة بقائية، وتعطي الشجاع عيب بقائي ومع مرور آلاف السنين يتبقى في النهاية أجيال معظمها معرص وينقرض فيها الشجاع والمغامر، وكل هذا طبيعي ومفهوم لأن الغرض الوحيد للحياة هو البقاء. وهنا البقاء يكون للأكثر تعريصًا.

وأنا أعتقد أن هذا التوازن بين المعرصين والشجعان لن يتغير لصالح الشجعان إلا إذا حدث شيء ما يعطي ميزة بقائية للشجعان والمغامرين، مثل أن تتعرض الأرض لعصر جليدي جديد، يحول نشاط المصري من الزراعة إلى الصيد ويضطره لأن يعيش في ظروف قاسية تتطلب شجاعة ومغامرة.

ملحوظة: أرجو ألا يُعرَّض هذا المقال لأي تحليل منطقي، فهو في أغلبه هزلي، ولكنه هزل جاد جدًا. ومن الإحباط ما جنن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
جهاد عويتي ( 2011 / 9 / 28 - 17:22 )
سيد بهاء ابو زيد
بدأت أتابع ماتكتبه وللحق فقد دهشت بقدرتك على التعبير الحر وعلى سكب أفكارك في جمل قصيرة ولكنها غزيرة في معانيها...أنت تنتج المعنى بلا عناء.

مقالك هذا الذي وصفته أنت بالهزلى أجده يقتحم فضاء الجد بكل ثقة وهو تعبير فصيح عما حدث ويحدث في مصر كمثال لما يجري في العراق وسوريا وبقية الدول العربية حتى لو لم تكن زراعية.

أهنئك وارجو أن اقرأ لك مستقبلاً.
تقبل مني وافر التقدير والأحترام

اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا