الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل اليسار على حق؟

نبيل يعقوب

2011 / 9 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


أزمة الرأسمالية وساعة الحقيقة

1

"احتجت لأكثر من 30 عاما من العمل الصحفي لكي أسأل نفسي هذا السؤال. هذا الأسبوع وجدت أني لا بد ان اطرحه: هل اليسار على حق في النهاية؟ كما تعرفون، احد اقوى حجج اليسار تقول ان ما يسميه اليمين "السوق الحرة" هو في الواقع تركيبة مصنوعة. فضيحة التنصت على الهواتف، وأزمة منطقة اليورو، وبؤس الاقتصاد في الولايات المتحدة،والقلة الجشعة جعلوا الناس تفوق من اوهام ديمقراطياتنا المشوهة."
هذا جزء يسير من اعترافات احد عتاة الفكر الراسمالي الليبرالي، الصحفي البريطاني الشهير تشارلز مور، كاتب سيرة حياة مارجريت ثاتشر، ورئيس تحرير "ديلي تلغراف " اليمينية لعشرين عاما، والرجل الذي لا يرحم في هجماته على النقابات واليسار ومنتقدي النهج الاقتصادي الاجتماعي للرأسمالية المتوحشة.

في مقاله في "الديلي تلغراف 22 يوليو"* والذي لا زالت اصدائه تتردد في الاعلام والدوائر السياسية في اوروبا وامريكا يضيف مور: "الأغنياء يديرون نظاما عالميا يسمح لهم بتراكم رأس المال مقابل دفع أدنى سعر ممكن للعمل. والحرية الناتجة عن ذلك ليست متاحة الا لهم. اما غالبية الناس فعليها ببساطة ان تعمل بجهد أكبرفي ظل ظروف اقل أمانا باستمرار لكي تزداد الاقلية الثرية ثراء.’والسياسات الديمقراطية ‘ التي تعلن انها ترمي لاتاحة الثروة للاغلبية، هي في الواقع خاضعة لسيطرة هؤلاء المصرفيين، وبارونات الإعلام وغيرهم من كبار القوم الذين يديرون ويملكون كل شيء".

*http://www.telegraph.co.uk/news/politics/8655106/Im-starting-to-think-that-the-Left-might-actually-be-right.html
ما قاله تشارلز مور عندما اجلس نفسه على كرسي الاعتراف، كان صيحة انذار موجه لقيادات العالم الرأسمالي ليستيقظوا على الواقع المتغير الذي يحفر في اسس نظامهم. وعندما يكتب مور: "كان اليسار على حق في أن قوة روبرت مردوخ قد أصبحت قوة معادية للمجتمع .. واليمين الذي، في هذا السياق، يجب أن يشمل حزب العمال الجديد، حزب توني بلير وغوردون براون كان بطيئا للغاية ليرى هذا". وهو يعبر عن فزعه من تبعات فضيحة "نيوز اوف ذي وورلد" التي كشفت عن التواطئ المافيوي بين السلطة السياسية والاعلامية والأمن. ويعزو مور موقف حزب العمال المتباطئ (ولم يقل المتواطئ) لما يسميه "الخلط بين الشعبوية والديمقراطية". طبعا لم يقدم مور اعترافا كاملا، والا كان عليه، في بلد يبدو فيه "الفصل بين السلطات" ذي مكانة مقدسة، ان يقول لنا، أن سلطة الرأسمال تسعى على الدوام للهيمنة على الفضاء الاعلامي، وأن الاحتكارات الاعلامية تمثل اداة سيطرة لا غناء عنها للحفاظ على النظام مهما كانت القوانين. وليس جديدا بالمرة ولا مفاجئا ان تستخدم حكومات الغرب الشعبوية، خاصة في صراعاتها الانتخابية او لكسب دعم شعبي لسياساتها الخارجية او الداخلية.
2

لم يتعرض مور لمشاكل العالم الثالث. لم يسأل عما فعلته الرأسمالية المتوحشة بأسيا واقريقيا وامريكا الجنوبية.
عندما قرأت مقال تشالز مور فكرت في مصر التي تقف امام خيارات المستقبل.
ولم يتحدث عن نظام اللاعدالة العالمي الذي تربح منه احتكارات الغرب الكبرى، التي تفقر الشعوب وتحرمها من فرص التقدم. هو يعطي توصيفا لما يسبب كارثة اجتماعية في بريطانيا ويصح تعميمه على كبري البلدان الرأسمالية التي انتهجت المذهب النيو ليبرالي الاقتصادي.
في مطلع التسعينيات اعلن فوكوياما الامريكي اننا وصلنا الي نهاية التاريخ. وكأن النظام الرأسمالي منزل من السماء، او هو من قوانين الطبيعة. وطُبقَت نظام الرأسمالية الليبرالية على مليارات البشر على اختلاف اصولهم الحضارية وعقائدهم الدينية. الهندوس والبوذيون والمسيحيون واليهود واللادينيون وغيرهم بحكوماتهم الديمقراطية أوالديكتاتورية اندمجوا أو ادمجوا في عالم الرأسمالية.
لم يلتفت مور لأن كوارث ما يسمى نظام "اقتصاديات السوق الحرة" اكبر في بلدان لا تتاح فيها المشاركة الشعبية ولا الرقابة شعبية. وقرارات وصفقات ومليارات مبارك والقذافي السرية اوضح دليل على ذلك.

وفي المانيا اثار فرانك شيرماخر المفكر والكاتب الليبرالي المعروف نقاشا واسعا بمقال استعرض وساند فيه انتقادات تشارلز مور عن ممارسات الرأسماية المعاصرة. شيرماخر هو ناشر صحيفة "فرانكفورتر الجيماينة تسايتونج" الالمانية ذات النفوذ الواسع. http://www.faz.net/-0229sx
جاء عنوان مقال شيرماخر اكثر وضوحا وتصميما من تشارلز مور: "أنا بدأت أعتقد أن اليسار على حق". وهو كما يبدو يرد على الخطاب المعتاد للمحافظين وحلفائهم في حزب الاحرار الذين يرددون دائما ان سياساتهم
"لا بديل لها". يكتب شيرماخر "تتزايد في المعسكر البرجوازي باستمرار الشكوك ان كان المرء على حق مدى الحياة... اذ يتبين تحديدا .. أن افتراضات اكبر الخصوم تبدو صحيحة". وهو يستعرض عدة جوانب للأ زمة. فهو يناقش سياسات المحافظين، والعلاقة بين الممارسة والقيم المعلنة في مبادئهم التأسيسية.

يكتب شيرماخر ان عقدا من الزمان من اقتصاديات السوق المالي المنفلت قد اعاد الاعتبار للنقد اليساري للمجتمع. وانه بقدر ما بدا ان هذا النقد قد افلس، الا انه قد عاد من جديد بل انه اصبح مطلوبا ايضا.
ويسأل الحزب الديمقراطي المسيحي عن جديته في محاسبة البنوك عن ادائها وهي البنوك التي شاركت في احداث الكارثة الاقتصادية التي كلفت دافعي الضرائب مئات المليارات: " (الحزب المسيحي) ليس فقط لم يطالب بتوضيح المسؤوليات فيما يخص البنوك المشرفة على الافلاس، ولم يشتكي ولا مرة واحدة من افساد وتدمير مثله العليا. وهكذا نشأ عالم مزدوج المعايير يتحتم ان تنجم فيه قضايا أخلاقية عن المشاكل الاقتصادية. هنا تكمن الحالة الإنفجارية للوضع الراهن... والسؤال هو إذا ما كان (الحزب) حزبا برجوازيا يحدد جدول الأعمال أو ما إذا كان يعتبر الطبقة الوسطى خادمته فيسيطر عليها طفيليا ويمتصها ويوهنها". ثم يدعوا الطبقة الوسطى للاحتجاج لان "التخلي النهائي عن الاغلبيات المتطلعة (لحياة افضل)... يفقدنا النطق بسبب انعدام الحساسية المفزع. على الطبقة الوسطى التي تشهد سوء استخدام "قلة جشعة" (مور) لقيمها وتصوراتها عن الحياة ان تجد في نفسها القدرة على ممارسة النقد المجتمعي المدني". من الواضح ان الكاتب يدافع هنا عن الطبقة الوسطى، ولا يذكر بكلمة واحدة مثلا ملايين العاملين بالاجر وهم الضحية الاولي لسياسات الليبرالية الجديدة وقد جمدت الاجورالحقيقية في المانيا عند مستواها في بداية التسعينيات.
ولكن الجديد في هذا النقد الحاد من قلب مفكري النخبة الحاكمة يكمن في ان كاتبه يكشف ولو جزئيا زيف دعاية ان "اقتصاد السوق الحر" يوفر الرفاهية والترقي الاجتماعي ويضمن الحرية للجميع. بل ويدعوا المقال الطبقة الوسطى لتنقذ نظامها من "القلة الجشعة".

3
النظام الذي وعد بالرفاهية والثروة بالرغم من قواه الانتاجية الجبارة وتقدمه الهائل وثروته الخرافية يعاني من مرض عضال، بدأ يفقد بريقه، ومصداقيته، وبدأت هيمنته الفكرية تنحسر، وجماهير المؤمنين به تراوح بين الحيرة واليأس.

في اكبر واغني دول العالم تؤثر الازمة بعمق على مستويات المعيشة وفرص العمل وميزانيات التعليم والرعاية الصحية. ملايين الاطفال في المانيا وبريطانيا والولايات المتحدة يعيشون في كنف أسر يذهب اربابها كل شهر ليحصلوا على المعونة الاجتماعية، رغم انهم يشتغلون. الاجور لم تعد تكفي لدفع ايجارات المساكن. ويرى الناس ان الحكومات التي اننتخبوها اضعف من اتحادات الرأسماليين. االوعود الانتخابية وبرامج الاحزاب الكبرى لم يعد لها قيمة. والنتيجة هي إعراض من 40 الي 50 بالمائة عن المشاركة في الانتخابات، وهجرة الاحزاب، والنقابات.

وبأتي العقاب في صورة افلاس سياسي لاحزاب حاكمة. مثلما جرى بالنسبة لحزب الاحرار الديمقراطي الالماني مؤخرا، وهو شريك المستشارة ميركيل في الحكم، عندما اخرجه الناخبون من برلمانات الولايات واحدا بعد الآخر، وفي يوم الاحد الماضي لم يحصل سوى 2 بالمائة ليخرج من برلمان ولاية برلين العاصمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عميد ألإشتراكية هو المسيح والحواريين ؟
سرسبيندار السندي ( 2011 / 9 / 22 - 18:09 )
بداية تحياتي لك يا سيدي الفاضل وتعليقي ؟
بدون اليسار واليمين لاتستمر الحياة في أية دولة سليمة ومستقيمة ولو لبعض السنين ، لأن التناقض هو الذي يولد الداينميكية الحركية وليس التوافق والتسكين ، أما الخلل الذي نراه اليوم في الرأسمالية ليس لأنها لم تكن جيدة بل بالعكس فقد أحيت وأغنت دولا وإناس كثيرين إذا كنا صادقين ، وما الخلل الذي أصابها إلا بسبب غياب النقد والرقابة عنها من اليسار واليمين ، وخاصة من اليسار ألإنتهازي الذي لازال يفكر بالحكم قبل الناس والمبادي ، ثم مالذي فعله اليسار الذي حكم هنا وهناك وفي أكثر من دولة ألم يكن ينافق في سبيل بقائه في الحكم كما يفعل اليوم بعض رجال الدين المنتفعين ؟

وأخر الكلام سؤالي : ألم يكن أول عميد للإشتراكية الدولية هو السيد المسيح وأتباعه من الحواريين ، ولما لم يعجب برسالته لليوم كثيرين أليس أليس لأنهم كانو إناس محبين ومسالمين وليسو عنيفين ومجرمين ؟

اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا