الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاك دريدا في التحليل النقدي للكتابة عن تجربة

سرمد السرمدي

2011 / 9 / 20
الادب والفن


الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا يقدم تحليلا للكتابة و التجربة حول كتاب إعترافات جاك روسو, يناقش في التحليل الصدّق الكامن وراء كلمات كاتب القرن الثامن عشر الفرنسي في كتابة الفكرة الأقرب للحوار الفردي والفرق بينها والأفكار الأقرب عمومية بما يتلاءم وطبيعة الكتابة, ولعل الخلفية التقليدية للكتابات التي تقدم فلسفة القرن الثامن عشر الغربية اعانت دريدا على وضع نقاط الفرق الرئيسية والفرضية الأساسية لهذا التحليل النقدي.

فقد تم التفريق بين فكر الفلسفة الذي يعرض الحقيقة الموضوعية التي يناقشها روسو وبين الظهور او الحضور الذاتي للموضوعات التي تخص روسو, ولكن ليس بالقدر الكافي من الشفافية بحيث يمكن ان توازي الكلام والكتابة عند اختبار قدرة التعبير عن هذه الموضوعات و الإشارات المستخدمة للتعبير عنها, وتم الفصل بين توضيح أو حضور الفكر وبين الكتابة التي تشتغل في غياب المتكلّم معبرة عن الفكرة، وعد دريدا كتاب اعترافات روسو معبرا عن تنافس الكلمة المنطوقة والكلمة المكتوبة في سباق توصيل المعنى بشكل موضوعي, وهكذا استطاع دريدا ان يجسد فرضية نظريته النقدية من خلال تحليل هذا الكتاب.

يبين جوناثان كولر في آخر كتاب صدر عن النظرية النقدية المعاصرة من مطابع اكسفورد كيف لاحظ دريدا ان القراءة التقليدية لروسو تبين انه تميّز بالكتابة مرارا وتكرارا بواسطة استخدام إضافة مجرّدة، أي مواضيع إضافية غير أساسية، حتى يشعر القارىء بوجود ماورائية في الخطاب المقدم من خلال الكتابة, وتجسدت هذه الأضافة عبر الإشارات التي تقدّم إمكانية سوء فهم يصيب من يقرأون الكلام في غياب المتكلّم الذي ليس موجودا ليوضّح أو يصحّح, ويرى دريدا ان كتابات روسو بشكل عام تميزت بطرحها العديد من الأشارات التي تكتب بكونها إضافية غير أساسية، ومن دراسة أعماله الأخرى يجده يعالج ويكمل أو يعوّض عن التوضيح الذي يفتقر إليه في خطاب الكتابة مرارا وتكرارا للتعويض عن ما ورائية الخطاب و إمكانية سوء فهمه, على سبيل المثال، يكتب روسو في كتابه الإعترافات الذي قدم حقيقة النفس الداخلية المجهولة الى المجتمع بأنّه إختار كتابة إعترافاته لا التكلم بها لأن هذا يوفر له امكانية التخفي عن المجتمع, وذلك لأن حضور المجتمع يفترض حضوره هو نفسه, وهدف الكتاب هو الحضور المختلف للنفس التي تظهر في المحادثات مع الآخرين، وهذا ضروري للكشف عن حقيقة الفكر كما يرى دريدا لأن الخطاب المقدم عن طريق الكلام لا يشمل الإشارات المبهمة ولا يحمل المعنى المقدم من قبل المتكلّم، وهو اقرب إلى التفسير الدقيق, فالكتابة فعل لا حق على الكلام بما يوفر امكانية اعادة النظر فيما يكتب على عكس ما يتم في الكلام, ويعطي روسو مثالا على ذلك مبينا ان الأطفال يتعلّمون بسرعة أن يستعملوا خطاب الكلام لإكمال ضعفهم الخاص فالطفل ليس بحاجة إلى تجربة كثيرة للإدراك وكم لطيف أن تعبر من خلال ملامسة أيدي الآخرين وتحرّك العالم ببساطة انتقال اللسان, هكذا يعبر روسو عن الفرق.

كما يرى جوناثان كولر أن في تحليل دريدا المقدم وفق نظريته النقدية معالجة لحالة التركيب المشترك او الأشارات, فقد اكتشف هذا التركيب في اعمال روسو وذلك يعني وجود الأشارات التي تكمل خطاب الكتابة ليتم التعويض بها عن عدم استعمال الكلام, ويوضح دريدا كيف تعمل هذه الأشارات, يحتاج روسو الكتابة لأن الكلام يؤدي لسوء الفهم, لأن الكلام اكثر عمومية من الكتابة, يحتاج روسو لأضافة الإشارات لأن الكلمات كما هي لا تعبر عن ما في نفسه, ولا تصف بشكل دقيق مثلا حبّه كمراهق للسّيدة دي وارينز التي عاش معها واشار اليها بأسم مامان, فيقول يصعب علي ان أصف بالتفصيل كلّ الحماقات التي تذكّرني بحبي لمامان العزيزة والتي لم أرتكبها في حضورها, هكذا في أغلب الأحيان قبّلت سريري لتذكري بأنها نامت فيه، قبلت ستائري وكلّ الأثاث في الغرفة وكل ما لمسته يدها الجميلة حتى الأرضية التي عليها أسقطت نفسي لأني اعتقدت انها مشت عليها, ويوضح دريدا كيف تشتغل هذه الأشارات المختلفة في غياب الكتابة المباشرة عن مامان كملاحق أو بدائل لحضورها, لكن دريدا يؤكد ان روسو مستمر في استخدام الأشارات حتى في حضور مامان من خلال الكتابة، فمثلا يذكر روسو, أحيانا حتى في وجودها إرتكب الحبّ الأكثر عنفا وقدرة على الإلهام, في يوم جلست معها حول المنضدة ووضعت قطعة الخبز في فمّها فصحت فيها بأنّني رأيت شعرة عليها, فبادرت هي الى أعادة اللقمة الى صحنها حيث إستوليت عليها بلهفة و ابتلعتها, يوضح دريدا ان روسو يعمد في غياب مامان أن يدبّر الأمر بالإشارات, ولكنّ يظهر بأنّ حضورها ليس لحظة الإنجاز، أي المدخل الفوري إلى الفكرة بنفسها، بدون الأستعانة بالأشارات فهو ما زال يشعر بأنّها هربت منه و لذا يمكن أن يكون متذكّر مامان فقط بأعتبارها البديل للأمّ روسو التي لم يعرفها, فبدأ روسو يضاعف الوساطات الإضافية والأشارات التي تنتج إحساس وجود الشيء ذاته أي يعوض عن إنطباع الشيء بنفسه من الحضور الفوري، وذلك وفق آلية اشتقاق تبدأ بكلّ الأشارات الممكن اشتقاقها من الشيء ذاته لتعوض عن حضوره المتخيل من قبل روسو حتى في حضوره, ان هذه النصوص تريد إخبارنا أهمية حضور الشيء بنفسه والأكثر من ذلك ان روسو استطاع ان يبرر ضرورة الأشارات كوسطاء, هذه الإشارات مسئولة عن الإحساس بأنّ هناك شيء مقدم للإدراك, ونستنتج من مثل هذه النصوص بأنّ الفكرة الأصل معوضة بالنسخ.

ما تقدمه نظرية دريدا النقدية بأنّ فكرتنا البديهية عن حقيقة الشيء والأصل والكتابة والكلام, يثبت ان التجربة تتوسّط دائما من قبل الإشارات والأصل عبارة عن نتاج وتأثير الإشارات، ويرى دريدا حول نصوص روسو حينما يقترح ذلك بديلا من اعتبار حياة الشيء تنبع من إشارات عنه او مضافة اليه، ان الكتابات قد تدّعي تلك الحقيقة اي وجود المعنى خارجها، لكن وحسب رأي دريدا انه ليس هنالك معنى خارج النص, فعندما يعتقد القارىء بأنّ الإشارات في النصّ قد تؤدي الى الحياة نفسها فكل ما سيجده هو نصّوص أكثر و إشارات أكثر, ويؤكد دريدا على ان ما حاول ايجاده في هذا التحليل للنص والأشارات المستخدمة لم يؤدي الى حقيقة حياة روسو التي يدرجها ضمن كتاب اعترافات، ولم تؤدي عملية تقصي الأشارات الى الحبيبة او الأمّ في هذا الكتاب الى تأكيد وجودهما في الواقع، وكل ما تم استنتاجه هو العلاقات التي تربط بين الكتابة والكلام والنص والأشارات, مما يجعل اللغة تكتب معنى إختفاء الحضور الواقعي, وبناء على رأي دريدا السابق فأن هذا لا يعني بأنه ليس هناك إختلاف بين حضور الحبيبة أو غيابها أو بين حضور حدث حقيقي وآخر خيالي بل يعني أنّ الحضور من خلال النص يظهر نوع معيّن من الغياب، ما زال يتطلّب مزيدا من الأشارات لتكشف عنه, وهنا دور النظرية النقدية.

الكاتب
سرمد السرمدي
ماجستيرفنون مسرحية,كليةالفنون الجميلة,جامعةبابل,العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي