الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم وآراء ... على هامش امسية الكاتب صباح عطوان

سلام الاعرجي

2011 / 9 / 21
الادب والفن


اشارة : قال جوستاف فلوبير (( على الكاتب ان يشابه الله في خلقه ... ان يكون في عمله خفيا , وقادر على ان تشعر به في كل مكان دون ان تلمحه))
الموضوع :
الحديث عن الدراما التلفازية العراقية ممتع وشيق جدا , بل سيكون اكثرا امتاعا اذا كان المتحدث احد اهم كتاب الدراما التلفزيونية العراقية, اعني , الاستاذ صباح عطوان .
الكاتب عطوان كان تحدث عن الكثير من الاسباب التي حالت دون تطور الدراما التلفزيونية العراقية وبلوغها المكانة التي تجعلها منافسا قويا للدراما العربية . قد نتفق مع السيد عطوان فيما ذهب اليه من اسباب كنا قد اشرنا اليها في مقال سابق تحت عنوان ( صباح عطوان يفتتح البرنامج الثقافي للبيت العراقي في لاهاي) الا ان ثمة الكثير من المقولات والمفاهيم تستدعي التوقف والمراجعة واعادة القراءة ! ففي معرض حديثه عن الاسباب التي حالت دون تنامي وتطور الدراما العراقية ( اشتغال المخرج والمونتاج دون مشاركة الكاتب عادا ذلك كارثة كبرى على حد تعبيره ) !! الى حد ما قد نقر بان وجود الكاتب في عملية الاخراج سيسهم ايجابا في التفسير والتحليل للخطاب , الا اننا لم نعد ننظر الى النص على انه غاية نهائية لقصدية التاليف , ذلك ان المدارس النقدية الحداثوية – الشكلانية الروسية , البنيوية , التفكيكية - تتعامل مع النص على انه كيانا لغويا قائما بذاته كما يرى ( بارت ) او ان النص جهازا لسانيا يعيد توزيع نظام اللغة – اي تحريكه من البنية اللسنية ( ادب ) الى سيرورة لأنتاج المعنى - كما تعتقد ( جوليا كرستيفا ) , والسيرورة ماركسيا تعني التطورات الداخلية التي تحدث في ظاهرة ما من خلال تتابع متناقض للحظات الزمنية . واننا اذا اردنا الاشتغال على النص انما نشتغل على تفكيك شفراته ودراسة العلائق التي تتكون داخله , بمعنى ان لاشيء خارج النص كما يقول ( جاك دريدا ) وهذا بحد ذاته ينتج انفتاحا معنياتيا تاويليا تقوده عملية القراءة وليس التاليف , ففي اللحظة التي يتوقف فيها المؤلف عن الكتابة يكون قد توقف عن انتاج الدلالة ليكون القاريء هو المسؤل عن انتاجها , ذلك انه سيشتغل على النص على انه نظاما لغويا , فيما تنشط أليات التاويل على المرتكزات الثلاثة الاساسية حسب ( توزفيتان تودوروف ) وهي المظهر الحرفي للمنطوق والمظهر المرجعي للمنطوق واسلوبية النطق , وهذا يعني ان لامعنى نهائي للمنجز الكتابي الذي يحرص المؤلف على تقديسه او فرضه قسرا على التلقي , وهذا بحد ذاته ايضا خلودا للنص , اي الاقرار بان المعنى الذي ينتجه النص قائم في حديثه عن نفسه وفي اعلانه عن وجوده الذاتي . ولما لم يكن ( المخرج او الدراما تورج ) ناسخا لذات المعنى الدلالي للكتابة - التاليف - فما جدوى ان يكون المؤلف ملازما للعناصر الانتاجية للعمل الدرامي طالما ان فعل القراءة والتاويل سيقع على نظام الاشارة , وما نظام الاشارة الا بنية لغوية تمثل علامة القصد في ايصال المعنى حسب ( بيير جيرو وامبرتو ايكو ) وهذا يعني ايضا ان ثمة اطراف مهمة قد دخلت على عوالم النص منها , القاريء , الناقد . وصار من لزوميات الانتاج الدرامي تحرير النص من قسرية الدال المعنياتي للمؤلف وانهاء هيمنته ومصادرة تلك القدسية التي تحيل النص الى خواء ارشيفي . ومن الاسباب التي حالت دون تقدم وتطور الدراما التلفزيونية حسب الاستاذ صباح عطوان , اخفاق المؤلف في بناء الشخصية التي جعلها من اهم العناصر الدرامية , معتقدا ان انتاج الشخصية على وفق محكم يستند الى ابعادها التشخيصية الثلاثة - ( التشريحي , والاجتماعي , والنفسي ) - سيجعلها بؤرة استقطاب واحد اهم عوالم النجاح في الدراما التلفازية !!! نعم ان الشخصية الدرامية محكمة الصنع مهمة , وهي واحدة من أهم العناصر الكيفية في البنية الدرامية الأ اننا لم نكن ازاء بنية درامية بالمفهوم التقليدي اننا نحاور بنية درامية هي الدراما الاكبر من الدراما اي اننا لسنا بمواجهة فعل ينمو على قاعدة معلوماته - الاستهلال - عموديا على وفق تخارجي توالدي يمسك بالوحدة الموضوعية لزمكانية الفعل و الحدث مارا بتراكم ازماتي يلهث نحو انتاج ذروته الحتمية الوقوع . في الدراما الاكبر من الدراما تجدنا نواجه مفهوم المشهدية في البناء الحبكي بشكل جلي مغاير تماما لما ذهب اليه السيد عطوان , مشاهد مرققة الصلات بين بعضها البعض , خط تنامي الحدث فيها خطا بيانيا متعرج لايقود الى ذروة واحدة بل تدرك الاحداث غاياتها دون تخارج او توالد حتمي فثمة خطة جزئية في ذات الحدث وداخله تتصل بالخطة الحركية العامة المنجزة للفكرة والمؤكدة لوحدتها الفكرية (حسب برتولد برشت / المنطق الصغير في المسرح , كوركنيان / نظرية الادب ) وبذلك يصبح حد الوقت الكافي لانتاج الحدث تراكما متناقضا تكشف عنه الحكايات في سردية غايتها السيطرة على الواقع المعروض ذلك ان الاتجاهات المتناقضة في الواقع هي العنصر الحي فيه . وتاسيسا على ما تقدم يمكننا القول ان آليات انتاج الشخصية في الدراما الاكبر من دراما لابد لها من مغادرة المفهايم الكلاسيكية التي اشار لها الكاتب عطوان - البعد التشريحي والاجتماعي والنفسي – بل لابد من انتاج الشخصية على وفق يسقط الفهم القائل ان الجوهر الانساني قيمة ثابتة متاصلة في الذات المجردة , هي نسبية تاريخية لاخلود ولاثبات في عاداتها وملامحها الاجتماعية - فضة المعداوي / الراية البيضة , ابو العيلا البشري , ممدوح / الحب واشياء اخرى , رجب ورحومي / الذئب وعيون المدينة - كما ان الشخصية لايمكن ان تكون بؤرة استقطاب فهي فردية في موقعها وفق ظرفها الذاتي والموضوعي المرحليين , كما انها ظاهرة اجتماعية اي انها ليست ثابته, بل دائمة التغيير والتغير فهي الممثل للعمليات الاجتماعية – صافيناز .. راقصة عاهر ... سيدة مجتمع بعد زواجها من سليم باشا ... منبوذة بعد الطلاق , الشيخة صافي عند اقترانها بالشيخ غنام , سماسم ربت بيت ... ثم عاملة ماهرة , ونقابية مهمة ,,, قيادية عمالية تمارس القيادة من بيتها بعد طردها من العمل لاسباب سياسية / الشخصيتان من مسلسل ليالي الحلمية – ومن اجل انتاج الشخصية الاكثر واقعية اعتقد ان على الكاتب تصويرها على انها وحدة متناقضات وتحقيق تماسكها يتم من خلال الكشف عن سماتها الفردية التناقضية اي انها تحمل نقيضها في ذاتها , وامعاننا في واقعيتها لابد من تصوير اغترابها في مرحلية حتمية ذلك ان الكاتب يؤرخ للشخصية فهي تعاني اغترابا ثلاثي الابعاد الذاتي والاجتماعي والانساني وتلك الابعاد يفرضها الواقع المعاش ومقياس عمق الاغتراب الوعي الذاتي وآليات تحريره . اننا بعد هذه التقدمة المكثفة نعتقد ان ثمة اسباب اخرى , نعتقدها الاكثر موضوعية بل كانت ولا تزال تشكل حجر العثرة في طريق الدراما العراقية ومن اهمها :
اولا : ألأنتاج , شروط الانتاج متمثلة بالتسييس والادلجة تلك الشروط التي تجعل الكتابة اقرب الى التوثيق الموجه المتحكم بآليات الكاتب عند الكتابة .
ثانيا : التراكم والالكمي والنوع , عدم التواصل في الانتاج وثمة قاعدة تقول ان التراكم الكمي يقود الى الطفرات النوعية وهذا ما تفتقر اليه الدراما التلفازية العراقية .
ثالثا : الحادثة المحاكاة , المواضيع المنتقاة بقصد المحاكاة مواضيع ليست ذي صلة مسيسة بالواقع المعاش - ما فائدة نهر هادر لايروي عطش شجرة مثمرة – وما فائدة اعادة انتاج الحادثة وفق معطياتها الواقعية الارشيفية ان لم يكن لنا القدرة على التعامل مع الحادثة على انها ( آن صفري ) اي اصبح في الماضي وهو مجرد حتمية مادية حملت اشكالاتها ونواقصها ولابد من محاكاتها على وفق مسببات مغايرة ذات قدرة تساهمية عالية في اعادة تشكيل وعي التلقي القرائية . اقصد يجب على الكاتب ان يعيد قراءة الحادثة من وجهة نظر تؤكد انه ينتمي الى حلقة اجتماعية ارقى لتاشير وجهة التغيير والتاثير في اشكال السلوك الاجتماعي وانماطها فمن الكارثية بمكان ان نجد الحلول في صراع مجتمعي محتدم يتجه نحو الطبقية بوضوح وجلاء , نجدها عند المشايخ والمعممين وعلى وفق غيبي تقاعسي قنوط .
رابعا : الاخراج , تلعب الرؤية الاخراجية الدور الاهم في العملية الانتاجية فهي الممسكة بالقصد المعنياتي , ودلالات المكان وحجم تاثيرها على التلقي والعناصر المؤسسة لمفردات الحدث الزمكانية على حد سواء , كما ان الرؤية الاخراجية وحدها القادرة على الاشتغال في منطقفة الازاحة والاحلال عبر كافة ادواتها , وما شاهدناه من اعمال درامية عظيمة عراقية كانت او عربية يقف خلفها وفي المقام الاول مخرج متمكن من ادواته بمعنى آخر ان المخرج او الدراما تورج انما يعمل على تفكيك النص لانتاج نصه الرديف الذي سيسصبح لاحقا في مواجهة التلقي بمعنى ان الامتناع عن حصر المعنى وايقافه معناه في النهاية رفض أللاهوت ودعائمه من عقل وعلم وقانون حسب ( تايلرز هوكز في البنيوية وعلم الاشارة )
خامسا : اللغة والحوار , لغة النص الدرامي التلفازي العراقية وفي اغلب الاعمال تكاد او توشك ان تكون متخمة بالسرد الذي يبلغ حد اللغو , وتشي بوجدود الكاتب في كل جملة تقال ان لم نقل في كل كلمة , وعادة ما تمتاز بكونها استعراضية معلوماتية متمنطقة , ذلك انه لايتعامل مع اللغة على انها الغلاف المادي للفكرة وانها تجربة مجتمعية متغيرة بتغير عوالم الاستعمال , وذلك ما يجعلها ممجوجة مملة غير ممتعة تهبط بالايقاع وتسطحه على وفق ممل جدا .
سادسا : اشكالية التمثيل ووهم التماهي والاندماج . واعتقد ان الممثل العراقي اذا ما اراد ان يقف الى جانب الممثلين الكبار من ممثلي الدراما المصرية والسورية , لابد له من ان يكون عارضا للشخصية وليس متقمصا لها , وذلك من خلال البحث عن سماتها النوعية التي تؤكد فرديتها وتكشف عن مكانتها داخل طبقتها , فهي فرد الا انها عضو ا في طبقة , انها تعيش اغترابها بفعل عدم وعيها وليس لقدرية متحكمة بها , وعلى الممثل ان يبدو شاهدا على سلوك الشخصية ذلك انه من المستحيل ان يكون الشخصية الذاتها , ويترتب على ذلك ايضا ان على المثثل الوشاية للمتلقي بتعددية خيارية سلوكية للشخصية في الموقف الواحد وان اختيارها يتم عبر ذاتية فردية لاعلاقة لها بالقدرية والجبرية بل لها علاقة قوية جدا بالظرف الذاتي ووعي الشخصية ذاتها واشتراطات الواقع التي تستحيل قانونا حياتيا قابل للتغيير والتبدل , اذا كان المثثل قد لعب شخصيته على هذا الوفق سيكون ممتعا مستمتعا متعلما ومعلما . كما هو الحال ونخبة من ممثلينا المبدعين امثال الرائد الكيبير سامي عبد الحميد , والرائد يوسف العاني , الراحلان البصري والسعدي , وخليل شوقي والممثل المبدع القدير سامي قفطان والممثل الرائع كريم محسن , والمبدع طه علوان وانعام الربيعي وايناس طالب واقبال نعيم وعواطف نعيم والكبيرة المبدعة عواطف السلمان ونادية العراقية وكاظم القريشي والمبدعة آلاء حسين والفنانة ميلاد سري والمبدع مازن محمد مصطفى والراحل الكبير عبد الخالق المختار وغيرهم من الممثلين والممثلات العاملين بعيدا عن الكلاشيهاتية السقيمة .
سابعا : النقد , تدني مستوى النقد للمنجز الدرامي لاسيما السينمائي والتلفازي , ولم يتجاوز في اكثر محاولاته جدية وجهة النظر المجردة من القدرة القرائية النقدية الاكاديمية التي تملك أمكانية الاشتغال على المفاصل العضوية للانتاج , على العكس من المؤسسة النقدية المصرية التي انتجت العشرات من النقاد الاكاديمين امثال ( طارق الشناوي , نادر عدلي , منى الصبان , اسماء ابو طالب , ماجدة خير الله , فتحي العشري , ماجدة موريس ) وغيرهم من النقاد ممن اسهم في تقييم وتقويم الدراما المصرية .
الخلاصة : سالني ذات يوم احد طلبتي في الفنون الجميلة بابل قائلا وماذا بعد الشهد والدموع وليالي الحلمية , قلت الراية البيضة وعصفور النار واسامة انور عكاشة وكنت وقتها نسيت انا وانته وبابه في المشمش .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟