الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة عشوائية

ساطع راجي

2011 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


التعامل الرسمي مع جريمة النخيب وتداعياتها هو تكرار مستنسخ لحالة الارتباك والتخبط والعشوائية التي تسيطر على الاداء الرسمي التي تنكشف يوميا في مختلف الملفات، والموجع في تداعيات الجريمة الاخيرة هي انها كشفت العمق السحيق للارتباك والعشوائية وبدرجة تغطي على مأساة القتلى وأسرهم الذين تحولت مآساتهم الى خلفية تجري عليها معارك اعلامية رغبة في الظهور واطلاق التهديد والوعيد لا أكثر لتتحالف كل الاطراف في كشف الضعف والجهل اللذين يسيطران على ادارة الكثير من الملفات الخطيرة في البلاد.
لقد وضع المتصارعون البلاد على شفير توتر عشائري وطائفي ومناطقي عبر سيل من التهديد والوعيد والسلوكيات الادارية والامنية والسياسية المتخبطة التي بينت ان هناك الكثير من الساسة وبعد سنوات من الحديث عن بناء الدولة، لا يفقهون معنى حدود الصلاحيات والتخصصات الادارية والامنية، فهناك مدنيون قاموا بعملية اعتقال وتم تسليم معتقلين بطرق غير قانونية ثم اعيد اطلاق سراح معتقلين وسط غمامة من الحديث عن كونهم ابرياء لكنهم ينتمون الى القاعدة، وكل ذلك جرى في فوضى العلاقة بين حكومات المحافظات ومجالسها والحكومة الاتحادية .
كل ماتم انجازه من دستور وقوانين ومؤسسات وانتخابات كان هدفه بناء دولة حديثة، دولة مؤسسات، لكن في كل حادثة وفي كل ملف، تسيطر السلوكيات الفردية والانفرادية والعشوائية على اداء هذه الدولة ونكتشف ان مضايف العشائر مفتوحة على دوائر الدولة المفتوحة بدورها على مقرات الاحزاب واذا كان هناك من يريد اغوائنا بالحديث عن جمال التلاحم بين هذه الجهات المختلفة في قيمها وقوانينها فعليه اولا ان يكشف لنا خلطته السحرية لادارة الدولة في هذا التلاحم والامتزاج، ام ان هدف هذا الامتزاج هو تضييع حقوق المواطنين وارواحهم واهدار حقهم في معرفة المسؤول عن نكباتهم.
لقد نجح المتصارعون فوق دماء ضحايا جريمة النخيب في اخفاء الحقيقة القائلة ان طرق البلاد غير آمنة وان هناك تضارب في تحديد الجهة المسؤولة عن حماية هذه الطرق، كما نجح المتصارعون في اعادتنا الى خطابات المهل الزمنية قبل وقوع الويل والثبور واهدار الدماء ونجحوا ايضا في تعميم لغة قطع الايدي ونجحوا في احياء الاحتفالات بالقبض على ما يمكن اعتبارهم "اعداء" وادانتهم دون تحقيق، ونجحوا في ترسيخ مفهوم "الميانة" بنقل المعتقلين من جهة الى أخرى وان يقوم المسؤول بما يريد وفق ما يريد دون الرجوع للقانون الذي يحدد دوره ووظيفته.
لو وضعنا قائمة بأسماء الذين ادلوا بتصريحات وتطمينات وتهديدات ومجاملات فيما يتعلق بجريمة النخيب وتداعيتها فإنها ستكون قائمة طويلة ويبدو ان كل هؤلاء نفذوا استعراضا جيدا في استغلال دماء الضحايا من جهة وخلقوا صخبا لتجاوز حادثة الجريمة نفسها من جهة أخرى وتضييع فرصة البحث عن الخلل في الاداء الامني في مفصل قد يعيد العراق الى التوترات المؤلمة.
يمكن بناء دولة من تحالف عشائري، او من تحالف مليشياوي او من تحالف حزبي كما يمكن بناء دولة على اسس الدستور والمؤسسات الحديثة، لكن لابد اولا من اتخاذ قرار واضح بنوع الدولة المراد بناؤها وان يكون ما يقوله بناة وقادة هذه الدولة للمواطنين هو حقيقتها وليس فواصل اعلانية بين الازمات، من حق المواطن ان يعرف هوية الدولة التي يعيش تحت ظلها لكي يحمي نفسه ويدبر امور حياته لا ان يقال له ان دولته دولة مؤسسات ثم يتبين انها دولة عشائر، ولا ان يقال له ان دولته هي دولة قانون ثم يكتشف انها دولة مليشيات واحزاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟