الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن سعدي يوسف و الفلوجة

سمير طاهر

2004 / 12 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كثرت الهجمات مؤخرا على الشاعر سعدي يوسف. أقول هجمات لأنها كذلك أكثر منها انتقادات أو اختلاف في الآراء، أو لعل الهجوم و التهجم صار في هذا الزمن لبوس النقد و الإختلاف عموما. بعض مما ورد في هذا السيل من الكتابات قابل للمجادلة، فيما افتقر القسم الأعظم منه الى أبسط متطلبات الطرح المحترم.
يعيبون على الرجل ما أبداه و ما زال يبديه من اعتراض على الحرب و من ثم الإحتلال الواقع على العراق، و مَوضَعوه بسبب ذلك جنبا الى جنب مع الزرقاوي و الصداميين و قَتَلة الدين (بكلا معنيي العبارة: القَتَلة باسم الدين، و قاتلي دينهم). و حدث ما شئت عن الأوصاف التي ألصقت به في هذ االسياق: من الإرهابي و المرتزق و القومجي و استمرارا مع القائمة المعروفة التي تتلى على رأس كل مخالف للرأي.
لم أعرف عن سعدي أنه كان يوما مؤيدا لأي حرب في العالم تشنها دولة على أخرى، فلماذا كان عليه أن يؤيد حرب أميركا على العراق، رغم أمنية العراقيين بالتخلص من الديكتاتورية؟ لم أعرف عنه كذلك انه كان يرضى بقتل الناس المدنيين، فلماذا سيسكت على قتل مدنيي شعبه في خضم تحريرهم؟! هنا الخلاف! فبعضنا لا يرى سوى الضحايا المدنيين على يد الصداميين و السلفيين العميان، و بعضنا الآخر لا يرى سوى الضحايا المدنيين على يد الأميركان. إذا زعمت انني أفهم سعدي فلي أن أقول أنه يرى الضحايا كلهم، و يأسى لهم جميعا، و يلعن قاتليهم كائنا ما كانوا، و يكذّب و ينسف كل ذرائعهم للقتل سواء كانت "المقاومة" أو "حرية العراق" .
المسألة هنا هي هل سنسمح للسياسة بأن تهزم المبادئ؟ هل سنظل نؤمن بالإنسان، بكامل حقوقه، و بالكرامة، و بالحرية، و العدالة..، أم سنؤمن بـ "إنسان" دون آخر، و نوزّع الكرامة و الحريات حسب جنسية الشخص، و رأيه السياسي، و ربما حسب طائفته و محل سكنه كما كان يفعل نظام صدام حسين؟ ثمة أناس مثل سعدي ـ و أنا منهم ـ يحاولون قدر الإمكان التمسك بالإنسانية ـ أو المبادئ الأولى ـ ما شرّقت السياسة و ما غرّبت، لأنها تعني ثبات العدالة بإزاء تغير السياسة.
ليس من حق سعدي أن يحب أهل الفلوجة و يسلّم في قصيدة على أهل سامراء، لا سيما قبل انتهاء المعارك هناك! هذه المهزلة هي فحوى أكثر من نص في سلسلة الهجوم الحالية.لقد قمت بزيارة لموقع حوار عراقي على الإنترنيت يرفع كل ما موجود في السوق من أوصاف ديمقراطية و علمانية و حداثية ...الخ، فاذا بي أقرف من كثرة ما سمعت من تهكم و طائفية و تعصب عشائري ضد أهل الفلوجة. تصور "علمانيين" يستخدمون تعابير طائفية في توصيف مناطق العراق! انها السياسة من تفعل ذلك، أو بالأحرى انحيازنا الى السياسة على حساب جوهرنا كإنسانيين، و عراقيين. فخارج السياسة (والطائفية جزء منها)، و قبل و بعد الأميركان، أهل الفلوجة أهلنا، جزء من شعبنا، و قتل مدني منهم جريمة مثلما هو جريمة قتل مدني من أي مكان آخر. أما التعامل مع الفرق التكفيرية و الإجرامية التي اتخذت من الفلوجة منطلقا لنشاطها فقد احتمل على الدوام أكثر من خيار، و مع الأسف أختير الأسلوب التدميري الذي يحرق الأخضر و اليابس، و ينتصر للسياسة قبل أي شيء آخر. لكن معركة الفلوجة انتهت و علينا الآن استعادة عائديتها لنا و عائديتنا لها، استعادة فلوجة ما قبل صدام و ما قبل الإحتلال و ما قبل وفود أفواج المرضى النفسيين المسمّون "المجاهدين" . علينا الآن أن نتذكر عراقية الفلوجة و عراقيتنا.
أرى ان كثيرا من خلفيات هذا التشويش تقع على عاتق الإنسياق وراء حالات ربط غير ذكية: مثل الربط بين العمليات الإجرامية و منطقة معينة، أو بين التعصب الأعمى و طائفة معينة، أو بين أميركا و الديمقراطية و بالتالي بين معارضة الإحتلال و معارضة الديمقراطية و التقدم. هذا المنهج الأحادي لن يسمح بأي هدنة فكرية، ناهيك عن حوار وطني. بإمكان المرء أن يلمس ذلك من النصوص التي وصفت سعدي بالإرهاب بسبب معارضته ضرب المدن العراقية، أو عدم قبوله الوجود الأجنبي على أرض بلاده. انه نفس منطق "إما معنا أو علينا" : فكأن المرء إما مع الإحتلال أو مع صدام و الزرقاوي، و لا يمكن أن يكون ـ ببساطة ـ عراقيا. أنا أفهم حاجة الواقع العراقي ـ منذ قرون بعيدة و حتى زمن قادم بعيد ـ الى قوة شديدة البأس للسيطرة على ميل أطرافه الى العنف و ميل جيرانه الى التدخل في شؤونه؛ و إن سلبية هيئة الأمم المتحدة و جبن الجامعة العربية و تعنت الإميركان قد أديا الى الإضطرار الى قبول الوجود الأميركي الموقت بوصفه هذه القوة المسيطرة الى حين قيام الدولة العراقية من جديد و توليها هذه المسؤولية. لكن ما لا أفهمه هو تمجيد البعض للوجود الأميركي و محاولات نفي الصفة الموقتة عنه و التصديق بأنه "جاء محررا لا فاتحا" و بالتالي تبرير جرائمه بحق المدنيين في نفس منطق تبرير السلفيين و القوميين لجرائم "المقاومة" بحق المدنيين.ان من يجد نفسه أسير هذا المأزق ما بين نوعين من قتلة الناس العراقيين يفتقر الى حرية الفكر؛ و بالتالي يعجز عن فهم موقف أولئك الذين لا يعانون من هذه المآزق لكونهم متحررين، يحبون ناسهم أينما سكنوا و يلعنون قاتليهم مهما كانوا، و سعدي يوسف واحد من هؤلاء المتحررين.


ستوكهولم ـ 2004









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|