الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة أقليات مذهبية، أم أقليات مأزومة!؟...

فاضل الخطيب

2011 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


أزمة أقليات مذهبية، أم أقليات مأزومة!؟...
الحديث عن الأقليات المذهبية يحمل دائماً محاذير، وإذا كان انتقاداً يتعلق بأزمة أخلاقية تعيشها يصبح الحذر مضاعفاً. رغم أن المنطقة كلها تعيش أزمة أخلاقية، إلا أن أزمة "الأقليات" في سوريا لها مميزاتها ومفرداتها، حيث أننا نعيش في بلد لا قيمة فيه للنتائج. وهي أزمة أخلاقية تمثلها بشكل عام وجوه دينية ووجهاء الأمس المنتهية فترة صلاحيتهم، إضافة إلى سياسييّ الرموز الحزبية المختلفة التابعة للنظام، وكلّهم مدجنون ومتشابهون –وربما متطابقون في خطابهم وحججهم، والهدف الوحيد الذي تخضع له كل سياستهم هو حماية النظام وبأي ثمن كان، لأن وجودهم مرتبط بحظ النظام. ويبدو أنه هناك تقاطعات وقواسم مشتركة بين كل "سلوكيات" القائمين على الأقليات المذهبية في المنطقة. وقد لا يكون تعبير "أقلية" صحيحاً عن المذاهب الدينية، لأنه بالنسبة إلى كل منها هي "أكثرية"، فهي ترى مذهبها وطريقها لله هو الصحيح، وهذا يعطيها تصور أنه طالما هي الأقرب لله، هذا يعني أنها ليست أقلية.
التشويه الذي قام به النظام السوري لم يستثني شيئاً، حتى "الله" حاولوا تشويهه خدمة للطاغية، والخلاص من هذا التشويه وإعادة "التأهيل" يحتاج إلى برنامج ثقافي فكري أخلاقي تربوي شامل إضافة للقوانين التي تضمن ذلك، وهذا يحتاج لكادر ولوقت، ويجب أن يكون من أولى مهام الحكومات الوطنية القادمة بعد سقوط النظام.
قد يكون الخلاص من القديم أسهل من بناء الجديد. وإن جرائم النظام الروحية والأخلاقية التي تركها في شخصية الإنسان/ المواطن هي أخطر من جرائمه المعروفة وطنياً واقتصادياً، لأن الإنسان المشوّه لا يستطيع الإبداع والبناء. إنقاذ الوطن وإعادة بناءه لا يمكن أن يكون سهلاً أبداً، لكن لابد من ذلك، وشعبنا بدء بذلك.
إن أزمة أو مسألة "الأقليات المذهبية" في سوريا تعكسها بلا شك أزمة أخلاقية تلاحق أكثرية رموزها، بل إن أكثر هذه الرموز تلاحق تلك الأزمة. وأنا أعتقد أن الديمقراطية السورية كمفهوم نظري تعيش أزمة كما هي أيضاً في ممارستها، أزمة خوف، خوف من الديكتاتورية وربما له "مبرراته"، والخوف من ردة الفعل على التخلص من الخوف، أو الخوف من ترك الخوف. لكن هذا شيء وحرية الرأي وعلاقتها بالأخلاق شيء آخر. ولا يخجل أو يخفي أصحاب الأزمة الأخلاقية "الأقلوية" عداءهم السافر -وبدون معرفة لأهم عنصر ضمان مساواتهم مع الأكثرية ألا وهو الديمقراطية وقيمها، والتي تقضي على جوانب أزمة الخوف في مفهومه الجمعي، وقد ساهم النظام بخلق فوبيا الخوف وتجذيرها ورعايتها، وهي في آخر المطاف ليست إلا نتيجة لتعصب مذهبي/ طائفي يتسترون به وكان قد جرّهم إليه النظام، ويجدون في خوفهم هذا المبررات أو التبرير الذاتي والذي قد يريح "ضمائرهم" لوقوفهم مع نظام القتلة على اعتبار أن الضحايا متطرفين إقصائيين، وانتصارهم هو تهديد للأقليات الدينية ولاستقرار المنطقة بكاملها، وقد وصل الأمر أن بعض بعضهم يدعو للتنكيل بالأكثرية ودعم الشبيحة وأصحاب السوابق في قمعهم ذاك.
من إحدى مقاربات وميزات الديمقراطية هي أنه، أمام القانون الجميع متساوون، وفي الدول الواعية لحياة مواطنيها، قد يحصل أن يكون هناك بعضاً أكثر "مساواة" –التمييز الإيجابي الاجتماعي لفئة معينة، مثلاً دعم فولكلور أقلية ما، أو منطقة سياحية تقطنها أغلبية من الأقلية، أو تمييز إيجابي لمذهب ديني "فريد" مرتبط بلغة قيد الاندثار وكإرث روحي للإنسانية!.
إن جماعات أو مذاهب الخوف تلك تتخبط في أزمة أخلاقية، ويهربون من الاعتراف وممارسة مبادئ المساواة مع المواطنين الآخرين، أي مع الأكثرية. رغم أن المنطق والعقل يقول أنه حريّ بهذه الأقليات قبل غيرها –وتداركاً لأي توجس وأوهام أو أي خوف- حريٌ بها النضال من أجل حقوق الإنسان والمساواة والتمسك بدولة القانون، لأنها الضمانة لكل مواطن بغض النظر عن انتمائه لأقلية كان أو أكثرية، ولأنها الضامن لعلاج الجروح الاجتماعية /التاريخية –إن وُجدت، وعدم تكرارها وتجاوزها.
ومن مظاهر تلك الأزمة أنهم يمارسون انحيازاً واضحاً وبلا خجل إلى دعم أجهزة القمع والاستبداد، باعتبار أن البديل أو البدائل للنظام الحالي ستكون أكثر استبداداً وقمعاً من الاستبداد والقمع الموجود في ظل نظام الأسد، وهم لا يخجلون من إعجابهم أحياناً بالفوضى وسقوط آلاف الضحايا واعتقال وتهجير عشرات الألوف لأنها حسب أخلاقيتهم تلك هي ثمن استقرار البلد وضمان هدوء الأقليات، ويبعد عنها الخوف والهواجس. ومن جوانب الأزمة الأخلاقية لهذا البعض، هو التركيز أكثر في خطابها أحياناً وسلوكها العملي أيضاً على منطق الأقلية والأكثرية، على منطق الطائفية واعتبارهم أن المواطنين ليسوا أكثر من مجرد معطيات حسابية تحدد دورهم وفقاً للانتماءات المذهبية الوراثية التي ولدوا عليها، أي أنه يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار عند الحديث عن دورهم ومسئوليتهم، وهذا بحد ذاته يتناقض ويلغي مفهوم حرية الإنسان وقيمه وحقوقه السياسية والإنسانية، يتناقض مع مصلحتها في الاندماج العام مع المحافظة على خصوصياتها.
وكل هذا المنطق المشوّه من الخوف والانزواء وموالاة القمع والظلم ومعاداة الديمقراطية، يتعارض ويتناقض كلياً مع التراث الغني لأفراد انحدروا منها (من الأقليات) وكانوا قد تصرفوا وعاشوا كأحراراً وقدموا مساهمات كبيرة للوطن. مساهمات عظمى في الفكر (عفلق، الأرسوزي...)، في الأدب والثقافة (حنا مينة، أدونيس، الماغوط...)، في النضال الوطني (سلطان الأطرش، يوسف العظمة، صالح العلي، فارس الخوري...)، وفي كل مجالات الحياة الأخرى نرى رموزاً كبيرة جداً تنحدر من أقليات دينية أو قومية وقدمت ونالت احترام وتقدير كل المجتمع بدون تحفظ، لأنها ساهمت بحرية كاملة متخطية التقوقع الأقلوي الفئوي، وفوبيا الخوف هذه تسيء لكل تلك القامات العظيمة ولتراثها الوطني والفكري. وفي المقابل هناك أمثلة سلبية نجدها عند أفراد من كل "الأقليات" مارسها البعض تحت مظلة وحماية "الأقلية" حتى وإن لم يكن يعلنها رسمياً.
إن وحدة الأقليات الذي يطرحه البعض ويردده كرد "توازني" على الأكثرية هو نفسه سلوك الديكتاتورية، إن مثل ذلك الخطاب، هو قمة التعصب الطائفي ويدفع لتفتيت الوحدة الوطنية ودك أساس الدولة ومنع قيام الديمقراطية ومبادئ المواطنة والمساواة، إنه هروب وتقوقع يدمر روح الأقليات نفسها ومبادرة الإبداع عندها، ويفتت وعيها ومناعتها الذاتية، يجعلها تعيش في وهم مرض نفسي لا تتسع له "عصفوريات" العالم.
تاريخ سوريا خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي يعطينا صوراً رائعة للعيش المشترك، وما أمثلة مثل ترشيح فارس الخوري المسيحي للمجلس النيابي من قبل مسلمي دمشق إلا واحداً منها، أو إدارة الوقف الإسلامي في دمشق من قبل مسيحي، كذلك رئاسة الوزراء لمرات عديدة كان من حظ مسيحي، أو مبايعة سلطان الأطرش قائداً عاماً للثورة السورية الكبرى وبدون تحفظ أحد وهو ينتمي لطائفة تشكل نسبتها بين سكان سورية أقل من 3%...إلخ..
الوهم الأكبر أن الديكتاتور يحمي الأقليات من "ظلم" الأكثرية المفترض، وهو عارٌ على الأقليات أن تحتمي بطاغية من أوهام بطش الأكثرية والذي لم يكن هناك أمثلة عنه خلال أكثر من قرن أو قرنين، والواقع هو أن الديكتاتور يبحث عن ملاذ وحماية عند الأقليات لخوفه المشروع بسبب عدم شرعيته وقمعه وفساده وتفريطه بتراب الوطن، بسبب ضربه عرض الحائط حكم دولة القانون والمواطنة.
من يخاف من بدائل سيئة عليه الإسراع للخروج واللحاق بالثورة حتى يستطيع التأثير أكثر. في سوريا الغد لن يبقى لأحد عقدة خوف "أقلوي"، لأنه في المواطنة ودولة القانون يشعر كل إنسان حر أنه "أكثرية".
وأخيراً أحاول الإجابة على السؤال أعلاه: هل نعيش أزمة أقليات مذهبية، أم أقليات مأزومة؟ والجواب باعتقادي هو أن القائمين على مذاهب الأقليات مأزومون وجعلوا مذاهبهم مأزومة بلا مبرر. وغداً يرحل النظام المسئول عن الأزمة، لكن أزمة الأقليات لن تنتهي فوراً برحيل القائمين عليها.
أربعون عاماً من الصمت، أو الصمت السلبي. وتغيّر الزمن، وتغيّر أكثر السوريين. ربما يكفي البعض أياماً أو أسابيع ليمحي ذلّ الأربعين. وربما يُكلف تأخر البعض الآخر أكثر من أربعين سنة أخرى من الخوف.
يريدون من جبل العرب أن ينتحر مع الأسد، يريدونه أن يُغطّي على طغيانه وأبيه. يريدون من الجبل أن يتخندق مع شعبنا السوري أمام أو خلف الأسد، يريدون تصديق كذبة كبيرة وهي أن الأسد حامي الجبل. وهذه أكبر إهانة لتاريخ الجبل ومستقبله. تعقلوا يا "عقلاء" الجبل قبل أن يترككم العقل في مستنقع قلة العقل...
فاضل الخطيب، 22 / 9 / 2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يصح إلا الصحيح
سمير خليل ( 2011 / 9 / 23 - 04:19 )
لم يكن العنوان متميزا لهذه المقالة، بل إن كل ما ورد فيها كان متميزا و بديعا.
الأفكار الأقرب إلى الإنسانية و احترام الاخرين تظل خالدة، و لا تلقى إلا الصدى المقبول. و أنت، يا عزيزي، كنت مخلصا للفكرة، لا للطائفة أو المذهب. و هذا ما جعل مقالتك، حقا، رائعة.


2 - فشل آخر للديكتاتورية
فاضل الخطيب ( 2011 / 9 / 23 - 06:57 )
لا أحد يهدد الأقليات المذهبية! يُعيب تلك الأقليات إن ظنّ أحدٌ أن الأسد يحميها، بل هو يحتمي فيها، وهو أيضاً عارٌ عليها..
تاريخ شعبنا وتعايشه المشترك يعطي أمثلة رائعة للعالم، لكن العساكر قطعوا ذلك العيش المشترك، واليوم بعد أكثر من نصف قرن على حكم الحزب الواحد -العلماني- كذباً، نرى حديث الطائفية يزداد، وهذا وحده كافٍ للمطالبة بإسقاط النظام، لأنه بعد عقود من الزمن لم يستطع الارتقاء بالمجتمع لتجاوز ذلك الوهم، بل هو زادها وغذاها.. أحييك أخ سمير وشكراً

اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة