الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعطني فرصة

أوري أفنيري

2004 / 12 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


"أعطني فرصة!"
"أعطني فرصة!" طلب رئيس الحكومة ليفي إشكول من سلفه، دافيد بن غوريون، في مؤتمر "مباي" في شهر شباط من عام 1965.

منذ اللحظة التي استقال فيها بن غوريون، بدأ يكيد لوريثه إشكول، الذي كان نشطا حتى ذلك الحين في مجالي الاستيطان والاقتصاد فقط، وكان يبدو واهنا وضعيفا حيال سلفه البارز، مؤسس الدولة وقائد حربين.

هذا الطلب الدراماتيكي لم يساعد، فقد استقال بن غوريون من الحزب واستمر في إشعال النار وسكب الكبريت على إشكول.

يواجه أبو مازن الآن الوضع ذاته. كان من شأنه هو أيضا أن يطالب كما طالب إشكول: "أعطني فرصة!"

غير أن سلفه البارز لم يعد باستطاعته مهاجمته، إلا بشكل غير مباشر، عن طريق مبادئه التي خلفها. إلا أن لأبي مازن معارضون في حزبه، فتح.

يعرض التلفزيون ذلك على شكل صراع شخصي بينه وبين الجيل المتوسط، وبالأخص مروان البرغوتي. هذه هي طبيعة التلفزيون. ولكون الشاشة الصغيرة قادرة على عرض وجوه الأشخاص، ولكنها غير قادرة على طرح الأفكار، فإن أي صراع عقائدي يتحوّل فيها إلى صراع شخصي. (وبذلك تتحقق مقولة المفكر الكندي، مارشال مكلوهان، بأن "وسائل الإعلام هي الرسالة" – أي أن وسائل الإعلام تسيّر الواقع وفقا لاحتياجاتها).

من الواضح أن الجدل بين أبي مازن والبرغوتي هو مواجهة شخصية وصراع بين الأجيال. أبو مازن يمثّل النخبة القديمة من فتح، وخصومه يمثلون مقاتلي الانتفاضتين الأولى والثانية. أما الصراع الحقيقي فيكمن بين وجهتي نظر واستراتيجيتين أساسيتين في النضال الفلسطيني للتحرر الوطني.

لقد سمعت باسم أبي مازن لأول مرة في عام 1974، حين بدأت اللقاءات الأولى بيني وبين زعامة منظمة التحرير الفلسطينية. سألت أول من تحدثت معه، سعيد حمامي، وهو أحد شهداء السلام، من ذا الذي يقف من ورائه، فأفشى إلي بسر مفاده بأن فتح قد ألّفت لجنة من ثلاثة أشخاص، تكون مسئولة عن المحادثات مع الإسرائيليين. لقد سمّيتهم "الأبوات الثلاثة" – أبو عمار (ياسر عرفات)، أبو مازن (محمود عباس) وأبو إياد (صلاح خلف).

كان أبو مازن، من بين الثلاثة، هو المسئول المباشر عن الشؤون الإسرائيلية. لقد حاز على شهادة الدكتوراة من موسكو، وقد تناولت رسالته أعمال الحركة الصهيونية إدبان الكارثة، وقد طُلب مني في إحدى المرات أن أحضر له كتبا حول قضية كاستنر. إلتقيته لأول مرة، وجها لوجه، حين دُعي وفد يمثل "المجلس الإسرائيلي من أجل سلام إسرائيلي-فلسطيني" (الجنرال ماتي بيلد، مدير عام وزارة المالية سابقا يعقوب أرنون وأنا) للقاء عرفات في تونس في شهر كانون الثاني من عام 1983.

قبل اللقاء، التقينا بأبي مازن، وهكذا كانت كل اللقاءات التالية التي عقدناها في تونس: كنا نطرح اقتراحاتنا في البداية أمام أبي مازن دائما، وبعد ذلك فقط كانت تقدم اتفاقاتنا إلى عرفات الذي كان يقرر قبولها أو رفضها.

هذا الأمر يساعدني الآن على فهم توجه أبي مازن. تقول استراتيجيته: يجب أن يتكثّف الجهد الفلسطيني ليوجّه باتجاه الولايات المتحدة والجمهور في إسرائيل. هناك فرصة الآن لتغيير توجه الرئيس بوش أحادي الجانب. يمكنه في فترته الرئاسية الثانية أن يتجاهل الجالية اليهودية عظيمة التأثير، وذلك لأن ليس باستطاعته أن يُنتخب ثانية.

من الممكن أيضا تغيير الرأي العام في إسرائيل. لتحقيق ذلك يجب وقف الانتفاضة المسلحة التي لم تأت بنفع، حسب رأي أبي مازن، على الفلسطينيين بل أضرت بهم فقط.

معظم الجيل الناشئ في فتح يعارض هذا التوجه معارضة تامة. فهو يعتقد بأن هذه الاستراتيجية ترتكز على أوهام. إن بوش مدمن على أريئيل شارون، وهو يتبع لمعسكر المسيحيين المتطرفين الذين يؤيدون اليمين الأكثر تطرفا في إسرائيل. ولا داع للاعتماد على "معسكر السلام" الإسرائيلي، الذي تخلى عن الفلسطينيين في أوقاتهم العصيبة. ففيما عدا فئات صغيرة، لم يبذل هذا المعسكر أي جهد لوضع حد لبشاعة الاحتلال، القتل، الهدم والتجويع، الجدار الفاصل الخانق والاستيلاء على الأراضي والمياه. ما يفعله فقط هو إصدار مستندات لا نفع فيها.

بالمقابل، تقول شبيبة فتح، أن العمليات المسلحة تجني ثمارا. لقد وجهّت ضربة شديدة للاقتصاد الإسرائيلي. لقد خلقت في إسرائيل جوا من الذعر وواقعا من الفقر. وولدت في إسرائيل استعدادا للتخلي عن المناطق الفلسطينية. لا يفهم الإسرائيليون سوى لغة القوة.

هناك وجهة نظر مماثلة ولكنها أكثر اعتدالا، حيث تقول أنه يجب تكثيف العمليات ضد المستوطنين والجنود، والامتناع عن العمليات ضد المواطنين في إسرائيل. أي بما معناه: وقف العمليات الانتحارية.

في الوقت الذي كان فيه عرفات على قيد الحياة، لم يحتدم هذا الجدال، لأن عرفات كعادته خلق تكافلا بين التوجهات. لقد انتهج الدبلوماسية والعنف – كلا على حدة وكليهما معا – وذلك وفق الوضع المتغيّر. لقد رأى فيه أصحاب التوجّهين زعيما لهم. وبالفعل فقد قاد عرفات استراتيجية الاعتراف بإسرائيل ومحاولة التوصل إلى سلام معها، كما حدث في اتفاقية أوسلو. ولكنه عندما استنتج بأن هذه المحاولة قد واجهت سورا إسرائيليا مانعا، استخدم العنف أيضا. مروان البرغوتي هو أحد تلاميذ هذا الأسلوب وأحد المؤتمنين عليه.

عرفات غير موجود الآن. هذان التوجهان يتضاربان في المعسكر الفلسطيني، وربما في كل بيت فلسطيني.

يجب أن يكون واضحا بأن الاختلاف في الرأي حول الاستراتيجية لا يعبر عن اختلاف في الرأي حول الهدف. كل فصائل فتح موحدة باتجاه الهدف الذي حدّده عرفات: دولة فلسطينية، حدود وفق الخط الأخضر (مع تبادل لمناطق متفق عليها)، القدس الشرقية عاصمة فلسطين، سيادة على الحرم الشريف، إخلاء المستوطنات، حل متفق عليه لقضية اللاجئين. هذا أمر لا ينتطح فيه عنزان.

إذن كيف سيحسم الاختلاف في وجهات النظر؟

لن يكون من السهل على لابسي البدل التغلب على حاملي الكلاشنكوف، الذين يخاطرون بحياتهم يوميا.

إلا أن الشعب الفلسطيني هو شعب حكيم. يمكن أن يقول لنفسه: أيريد أبو مازن فرصة؟ فلنعطه إياها. أيعتقد بأن بمقدوره الحصول على تنازلات من بوش وشارون؟ فليحاول.

فليحاول التوصل إلى وقف "التصفيات الموجهة"، "التحقق من الموت"، هدم البيوت، التنكيلات على الحواجز. فليحاول التوصل إلى محادثات سلام حقيقية. فليحاول الحصول من بوش على أكثر من مجرد ثرثرة فارغة.

في المرة السابقة، حين ضغط الأمريكيون لصالح تعيين أبي مازن رئيسا للحكومة، لم يتوصل إلى أي شيء. لقد طعنه شارون من الخلف، أما بوش فقد تجاهله.

إذا استطاع الآن التوصل إلى إنجازات حقيقية، فهذا أمر جيد. وإذا لم يستطع فلنعطي حق الكلام لصديقنا الكلاشنكوف. هذه هي الخلفية التي على أساسها لم يرشّح مروان البرغوتي نفسه للانتخابات في هذه المرة.

أي فرصة تكون محددة بوقت ما. كم هو هذا الوقت؟ نصف سنة؟ سنة؟ إنه بالتأكيد ليس أكثر من ذلك. لقد وعد أبو مازن البرغوتي أنه سيجري انتخابات في فتح خلال تسعة أشهر.

إذا لم تجد هذه الفرصة نفعا، فستنشب الانتفاضة الثالثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج