الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرهبة من هاچ

يعقوب بن افرات

2011 / 9 / 22
القضية الفلسطينية


سيقف أبو مازن يوم الجمعة القادم أمام مندوبي الجمعية العمومية للأمم المتّحدة وسيطلب الاعتراف بفلسطين دولة رقيبة، كحال الڤاتيكان. ونتنياهو سيلقي بعده مباشرة خطابه المرتقب، وسيعبّر عن معارضته الصارمة للاعتراف بفلسطين، ملوّحًا بصدقه التاريخي- 4000 سنة للشعب اليهودي في أرض إسرائيل. إسرائيل بأكملها تترقّب الخطاب، والحراك الاجتماعي توقّف والجيش على أهبّة الاستعداد لأيّة تطوّرات. معدّات مقاومة الشغب من الغازات المسيلة للدموع والكلاب والخيل ورجال الشرطة- على استعداد تامّ لانفجار أيلول الكبير.

إلاّ أنّ هناك مشكلة، فهذا السيناريو لن يتحقّق. وحدات المخابرات التي تتعقّب حركات العدوّ في الفيسبوك وفي التويتر، أبلغت عن صمت في الشبكة. ربّما كانت هذه مجرّد محاولة لإرباك العدوّ وخداع اليهود؟ لا وألف لا، يقول المعلّقون السياسيون بحزم. الشعب الفلسطيني لا يبالي بما يحدث، فالمقاهي تعجّ بلاعبي الشيش بيش في الوقت الذي يخطب فيه أبو مازن أمام الأمّة بوجه متجهّم وعابس. لا يعلّق الشعب آمال خلاصه بهيئة الأمم المتّحدة، وكلّ محاولات اليمين الإسرائيلي لإخراج الجماهير الفلسطينية إلى الشوارع والهجوم على أسوار المستوطنات فشلت في تحريك أحد، فاللامبالاة في أوجها. الشعب الفلسطيني لا يكترث بإلحاحات الحكومة الإسرائيلية، والأنكى من ذلك أنّه فقد الثقة بقادته أيضًا.

كانت الانتفاضتان كافيتين للشعب الفلسطيني ليدرك أنّه لا جدوى للانتفاض طالما لم تظهر في صفوفه قيادة لائقة. الانتفاضة الأولى التي وقعت قبل أكثر من عشرين سنة وراح ضحيّتها الكثيرون، أفرزت اتّفاقيات أوسلو والسلطة الفلسطينية الفاسدة، التي اتّسعت المستوطنات في كنفها إلى أبعاد هائلة. أمّا الانتفاضة الثانية التي كانت أكثر دمارًا، فقد أدّت إلى حرب أهلية بين فتح وحماس وإلى الفصل بين الضفّة الغربية وغزّة، ولا نرى في الأفق حلاًّ لهذا الفصل السياسي- الجغرافي. القيادة الفلسطينية فشلت، ولا أحد يؤمن بأنّه يمكن في هيئة الأمم المتّحدة تحقيق ما لم يتحقّق في النضال الصعب والمليء بالتضحيات.

وهنا يُطرح السؤال- إذا كان الفلسطينيون أنفسهم لا يؤمنون بقيادتهم وبالتوجّه إلى الأمم المتّحدة، لماذا يقلق نتنياهو؟ السبب الوحيد الممكن هو خوفه من المحكمة الدولية في هاچ. إذا أصبحت فلسطين عضوًا رقيبًا في الأمم المتّحدة فسيكون باستطاعتها التوجّه إلى المحكمة الدولية، وسيتمّ الإعلان عن المستوطنات بأنّها غير قانونية وسيصبح ضبّاط الجيش والساسة الإسرائيليون "مطلوبين" في كلّ مطارات العالم. لذلك "إلّي على راسه بطحة بحسّس عليها". أين تلك الصواريخ التي تهدّد مطار بن غوريون؟ أين موجات الإرهاب التي تهدّد مدن إسرائيل؟ كلّها اختفت وكأنّها لم تكن، وما تبقّى هو الخوف من المحكمة. يبدو أنّ صدق نتنياهو لن ينفعه في المحكمة الدولية، وهو جيّد فقط لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية.

لكنّ طريق أبو مازن إلى المحكمة الدولية في بحثه عن العدالة العالمية ليس مزروعًا بالورود. الدولة الفلسطينية ستبقى سلطة تحتاج لإحسان العالم. كلّ ما سيحقّقه هو عَلَم ومكانة رقيب في الأمم المتّحدة. فليس لديه جيش ولا عملة ولا اقتصاد، وكلّ دخول أو خروج من الدولة الافتراضية منوطان بمصادقة المحتلّ. وإذا أصرّ مع ذلك على التوجّه إلى المحكمة الدولية، فإنّه سيعرّض نفسه لعقاب فوريّ- وقف تمويل السلطة. الاعتراف في الأمم المتّحدة لا يمنحه الاستقلال، وسيبقى متعلّقًا بإحسان إسرائيل والولايات المتّحدة.

إسرائيل والولايات المتّحدة من جهتهما، لن تسارعا إلى وقف الدعم لأبو مازن. إقامة السلطة الفلسطينية كانت دون أدنى شكّ، أهمّ إنجاز منذ الإعلان عن الدولة. المفاوضات القائمة منذ أكثر من أربع عشرة سنة، تمنح إسرائيل الشرعية لمواصلة بناء المستوطنات، وفي نفس الوقت الظهور كمن تعمل من أجل السلام. صحيح أنّ مساحة العمل هذه آخذة في الزوال، وربيع الشعوب العربية يحفّز فقدان إسرائيل لهذه الشرعية، لكنّ سقوط السلطة الفلسطينية سيؤدّى حتمًا إلى عزل أكبر لإسرائيل وإلى فقدان ما تبقّى من شرعيتها في العالم. هذا ما يأمله أبو مازن في توجّهه إلى الأمم المتّحدة. لا سبب يدعوه إلى الخوف، لأنّ البديل لحكمه هو الاحتلال المباشر والفوضى التي ترافقه.

لذلك تهدف خطوة أبو مازن إلى إنقاذ السلطة الفلسطينية من مصير دكتاتوريي المنطقة وعلى رأسهم مبارك، الذي كان حليفه الأساسي. تركيا من الشمال ومصر من الجنوب تعبّران عن مزاج الشارع العربي المتجدّد. الرأي العامّ يؤثّر على القادة الذين سيتنافسون لأوّل مرّة على صوت الناخبين في انتخابات ديمقراطية. أبو مازن يعلم أنّه وصل إلى طريق مسدود مع إسرائيل، وإذا لم يفعل شيئًا فإنّ الشارع الفلسطيني سيخرج ضدّه. لذلك الأمم المتّحدة هي ملاذه الأخير. في الجهة الأخرى من المعادلة، نتنياهو وبراك وأمثالهما لا يتوقّفون عند الضوء الأحمر، ويستخدمون القوّة، وكحال النظام السوري، يرفضون الاعتراف بالواقع، والنتائج المترتّبة على ذلك كارثية.

لكنّ محاولات أبو مازن لإنقاذ نفسه وسلطته هي بلا جدوى. الاعتراف بفلسطين كدولة لن يغيّر وضع الفلسطينيين. الحصار والبطالة والفساد والفقر ستستمرّ تحت ظلّ الاحتلال الإسرائيلي حتّى بعد هذا الاعتراف. ستتواصل المستوطنات أيضًا ومعها مثيرو الشغب من جماعة "دفع الثمن" عندما يفصل الجدار العازل بين الدولة الفلسطينية والعالم الحرّ.

كان حريًّا بأبو مازن أن يقف أمام الشعب الفلسطيني والعالم بأسره ويقول: جرّبنا كلّ الطرق للتوصّل إلى تسوية مع إسرائيل- وفشلنا. السلطة الفلسطينية تتيح استمرار الاحتلال، ومن المستحيل أن تصبح دولة مستقلّة. أقدّم استقالتي وأعيد مقاليد الأمور للمحتلّ، ليتحمّل المسؤولية عن أفعاله.

عندها سيكون الخيار الحقيقي أمام الشعب الإسرائيلي: هل يعود إلى الوراء، إلى عهد الحكم العسكري، ورعاية مصالح أربعة ملايين فلسطيني وتوفير جميع الخدمات لهم ضمن ميزانية الدولة وبدون مساعدة الدول المانحة، أم الانفصال عن غزّة والضفّة الغربية- عن الاحتلال- إلى الأبد، وتفكيك المستوطنات والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلّة. التوجّه اليائس إلى الأمم المتّحدة هو خطوة أخرى نحو اللحظة التي ستختفي فيها السلطة الفلسطينية.

بإمكان الحركة الاحتجاجية في إسرائيل مواصلة تجاهل هذا الواقع، وبإمكان أرئيل وكريات أربع افتتاح دور "الثقافة"، لكنّ التصويت في الأمم المتّحدة هو نقطة فارقة في طريق السلطة الفلسطينية نحو الزوال، وثمن ذلك لن يدفعه الفلسطينيون وحدهم، بل المجتمع الإسرائيلي بأكمله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. والدة جلال عمارة ونارين بيوتي.. حوار جريء وأسرار العائلة مع


.. الانتخابات الأوروبية: إغلاق مكاتب الاقتراع في ألمانيا.. فكيف




.. اللعب بدولار واحد فقط.. هل هذا أغرب ملعب غولف في العالم؟


.. بعد تحرير الرهائن.. هل تنجح جهود بلينكن للدفع باتجاه مقترح ب




.. كلمة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني | #عاجل