الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن أكمل القصيدة

محمد إبراهيم محروس

2011 / 9 / 23
الادب والفن


1
دقائق وستفتح الباب لتدخل ، أنتظر ابتسامتها ، اللون الشاحب يضيء الغرفة ، ككل شيء في المكان ، شاحبًا كنت ، وهو كذلك .. سريران لا يفصل بينهم سوى أمتار قليلة ، ملاءتان غادر البياض لونهما وتحول بفعل الزمن والإهمال للاصفرار ، ملامح وجهه تبدو أشد شحوبا مني ، يقف بصعوبة متجهًا للحمام ، يربت على كتفي وهو في طريقه للحمام ، يبدو أمامي كشيخ كبير يحمل سر الحياة برغم ضعفه ، صوته هامس على الدوام ، فرق السن بيننا كبير ، قد يصل لأربع عقود ، قالت لي الممرضة إن المرض نفسه يجمعنا ، وليس الغرفة فقط ..
إحساس أنك في مستشفي بجوارك مريض لا تعرفه ، وعليك أن تتأوه لتأوهاته ، وتتألم لعذاباته يزعجني بشدة ، وفارق السن كان مزعجًا لي فهو يبدو كجدي ، لن أزعجك وأخبرك أنني في العاشرة من العمر ..
*******
2
لم تخيب ظنوني ، دخلتْ ، قاستِ الحرارة ، سألت عنه ، أخبرتها أنه بالحمام ، هزّت رأسها ، وهي تهمس لي أنه شاعر عظيم ، لكن تجاهله الجميع ، كما يحدث دوما لكل شيء جميل في حياتنا ، لم يهمني أشعاره بقدر انزعاجي بوجوده معي في الغرفة ، صوت سعاله يصيبني بالعصبية والاشمئزاز .. خرج من الحمام أخذ طريقه لسريره بضعف ، لكنه لم يتخل عن الابتسامة التي لم تغادر شفتيه منذ رأيته أول يوم لي في المستشفي .. هزّ رأسه لها ولي واتجه لسريره ..بينما تغادر هي الغرفة ..
********
3
حالة المرض تشتد عليه ، يزيدني هذا غضبا ، وكأنني أمرر لنفسي وقتها أن بعد فترة قد أكون مثله ..
قد يطول بي المرض ، دوما أكره المستشفيات ، وأكره أن أدخلها زائرا ، فما بالك بمقيم ، كنت أتهرب دومًا من المجيء ، أمي تقول لابد من هذا وتطمئني ، وهو يبتسم في وجهي بعد مواعيد الزيارة مطمئنا بالمثل ، والمكان كله يدل أنه ذاهب قريبًا ، هذا ما أراه في عينيه ,قالت لي اليوم وهي تعطيني الحقنة إن فصيلة دمائنا واحدة أنا وهو .. المستشفي ، والمرض ، والدم ، والغرفة .. لا يفصلنا سوى أمتار ، وعشرات السنين .. وبعض الأشعار التي يتمتم بها أحيانًا
*******
4
لا أعرف هل كنت أحلم ، أم أن الصراخ يزداد حولي بشدة ، أسمعهم نحتاج لدم ضروري ، نحتاج عدة أكياس من الدم .. ، صوته يأتيني ضعيفا ، أسمعه خلال حلمي وكأنه يتمتم قصيدة مما سمعتها طوال الأيام الماضية ، أحاول أن أفيق من الحلم وأفشل .. صوته يكمل الهمس الناعم .. أعطوه هو .. أنا بخير .. مستحيل سوف تموت لو حدث هذا .. صوتها يبدو متنافرا عبر حلمي .. وجهها يبدو بعيدًا .. والإضاءة تزداد شحوبًا ..
*********
5
دقائق وستفتح الباب لتدخل ، أنتظر ابتسامتها ، اللون الشاحب يضيء الغرفة ، ككل شيء في المكان .. سريران لا يفصل بينهما سوى أمتار .. أحدهما كان شاغرا .. ربتت على يدي وهي تحقنني ، وهي تقول : حمد الله على السلامة يا بطل ..
لم تسأل عليه هذه المرة ، لكنني سألت ، لم تبتسم كالعادة ، قالتها وانصرفت .. كنتَ تحتاج لدم بشدة ، وهو كذلك ، ولم يكن هناك سوى كيسين تبرع بهما صديق له .. تنازل هو عن أحدهما لك ، برغم أنه كان يمر بمرحلة موت ..وذهب من يومين .. قضاء الله .. أنت أحسن الآن .. ترك لك قصيدة لم يكملها ..
*********
6
دقائق وستفتح الباب لتدخل ، أنتظر ابتسامتها ، اللون الشاحب يضيء الغرفة ، ككل شيء في المكان ، شاحبًا كنت.. وهو ...
كلما أتذكره الآن وأنا أقارب الأربعين من العمر ، مرمي على سرير حديدي في مستشفي حكومي ، وسرير آخر لا يبعد عني أمتارًا .. ينام طفل في العاشرة تقريبًا .. مريضا بنفس مرضي .. يتأمل وجهي باشمئزاز واضح ..
أدرك أنني قط لن أكمل القصيدة ...
*******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل