الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجان اللومانيتيه : جدل السياسة والثقافة في خيمة طريق الشعب

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


أتاحت فرصة اللقاء هذا العام بالعديد من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي العراقي الى تجديد الحوار وإثارة التساؤلات حول آفاق العلاقة بين المثقف والسياسي والثقافة والسلطة والثقافة والمجتمع، في محاولة جادّة لتوسيع دائرة النقاش بهذا الخصوص وإلقاء الضوء على الوضع الثقافي المزري داخل العراق هذا اليوم، لما يمثله الموضوع من أهمية وراهنية، في سبيل المساهمة العامة لإيجاد وإقتراح الحلول المناسبة للخروج من الأزمة الثقافية، ومن حالات الحصار والتهميش والإقصاء والإبعاد من قبل القوى المتنفذة الحاكمة، لأي دور حيوي وفعال للمثقفين والثقافة العراقية على وجه العموم . وقد أحسن القائمون على إدارة خيمة طريق الشعب فعلا منذ البداية، بإناطة مهام الإعداد والتحضير للبرنامج الثقافي الى شخصيات مستقلة سياسيا ومن خلفيات ومشارب فكرية متنوعة، وهي خطوة سباقة وجديرة بالتثمين، لما تنطوي عليه من إنفتاح وثقة بالنفس ومن إدراك عال بالمسؤولية والحاجة الى دور الرأي العام وجميع القوى والشخصيات الوطنية في التصدي لهذا الموضوع الهامّ والخطير .

وبقدر ما كان التنوع والتباين في الأفكار ووجهات النظر وأشكال الفعاليات والنشاطات الفنية والأدبية والموسيقية والغنائية، تثير في أجواء المهرجان مشاعر الغبطة والإبتهاج وتعكس غنى الثقافة العراقية وإبراز الجوانب المدنية الحديثة فيها، وإصرارها على المقاومة والحياة والإشراق ضدّ كلّ المحاولات والمشاريع التي تستهدف اليوم، الذاكرة والهوية والشخصية الوطنية العراقية وتدفع بها قسرا الى منطقة الظلّ ومؤخرة المشهد السياسي، كان حوار الثقافة والسياسة، يثير الأسى ضمنا، ويثبت أننا لم نتقدم على هذا الصعيد خطوة واحدة ومنذ عقود طويلة ولا زالت هي الأسئلة والتساؤلات التي كنّا قد إعتقدنا ستجد الحلول والإجابات عليها بزوال النظام الديكتاتوري، تطرح نفسها وبقوة أكبر على الساحتين الإجتماعية والثقافية معا .

ولا شكّ أنّ هذا الحوار الذي ساهم فيه، رموز بارزة وأعلام مهمة في الثقافة العراقية، قد عكس موقف المثقفين عموما من الأحداث الجارية في العراق ومدى إستيعابهم للتداعيات السياسية على الوضع الثقافي لمرحلة ما بعد السقوط وتشخيصهم الدقيق وإدانتهم لنشر ثقافة التخلف وإشاعة التجهيل والخراب وتدمير الأسس الثقافية وقطع الطريق أمام الاصوات والمنابر الحرة التي تعبر بالفعل عن الثقافة العراقية الأصيلة ، ينبغي له أن يستمر ويتواصل من أجل بلورة ما هو أهمّ بكثير من مجرد اللقاءات وتبادل الآراء وعقد الندوات الموسمية الى سبل التفكير المشترك بالخطوات العملية التي يجب إتخاذها للضغط على المسؤولين عن الشأن الثقافي في العراق بتبني سياسة ثقافية واضحة تعكس تطلعات المجتمع وتعبر حقا عن وحدته الثقافية التي يستحيل أن تنفصم عراها .

فالفكر والثقافة، مهما أظهرا من نزوع مشروع الى الإستقلالية والتفرد والإنعتاق من الهيمنة السياسية، لا يمكن لهما إطلاقا أن يقوما مقام السياسة رغم أنّ الأخيرة ينبغي أن تسترشد بهما كمجسات وصور ومرايا عاكسة لما يدور في القاع الإجتماعي، بيد أنّ السياسة في نهاية المطاف لا بدّ أن تواجه بسياسة مضادّة تعبر عن آمال وطموحات المثقفين عموما، وتحترم دورهم ومكانتهم وإمكانياتهم وتضحياتهم الطويلة بدلا من العمل الجاري على الإخضاع والإستتباع لمن يلتحقون في صفوف النخب الحاكمة ويعتاشون على فتات موائدها، وعلى التهميش والطرد والإبعاد والتعرض للإغتيالات بكواتم الصوت الرسمية والموت على أرصفة الشواراع لكلّ ضمير عراقي حي يأبى التنكر لإرادة المجموع والإلتحاق بركب الذين أداروا ظهورهم للثقافة والإنسان .

كما لا يمكن للثقافة العراقية أن تسترجع دورها ووظيفتها في الحياة العامّة وتعيد الإعتبار لمبدعيها ورموزها الوطنية بدون الموقف السياسي النقدي الذي تتضمنه الثقافة تعريفا والخروج العاجل من العزلة وتشتت الجهود واليأس والإحباط واللا مبالاة والإستقالة الأخلاقية التي يدفعون بإتجاهها رغما عنهم ولأسباب مفهومة، والعمل على تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقهم هذا اليوم بإعتبارهم النخبة الأكثر تحسسا بالمخاطر الجسيمة التي تمضي نحوها السياسة الثقافية الرسمية في البلاد . ومن المعلوم أنّ إفساد الذوق الفني والجمالي وتخريب أسس ومؤسسات الثقافة والإنتاج الثقافي ما هو إلاّ تمهيد لإفساد الذوق والخيار السياسي وإشاعة الجهل والتجهيل والفوضى والإفقار الثقافي المستمر وفقا لما تتطلبه الأجندات الخارجية والقوى والتيارات والشبكات السياسية الداخلية المرتبطة بها التي تلتقي مصالحها في تأبيد الأوضاع الراهنة وحرمان مجتمعنا العراقي من خيرة مثقفيه ومناضليه الشجعان وبالتالي الإستفراد بمجتمع معزول وميتم ومقصي خارج العصر والثقافة الحديثة والتاريخ الإنساني .

إنّ الرهان على موت الثقافة العراقية ودوام ضعفها وإنحسارها من الساحة العمومية ، قد خاب وسيخيب مرة أخرى ما دامت خيمة كلّ العراقيين مفتوحة لهم في مهرجان اللومانيتيه وما دامت هنالك ثمة ألوان وحناجر وأصوات أصيلة تغني مجد العراق ومادام ثمة أحرار من المثقفين والمفكرين والفنانين الذين يتجددون ويجددون معهم الأمل في عراق آمن وحرّ ومزدهر تستحق فيه الثقافة مكانتها العليا أسوة بالشعوب المتحضرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على