الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتخابات: أعلى من البلديات قليلاً، وأقل من الاستقلال كثيراً

عادل سمارة

2004 / 12 / 7
القضية الفلسطينية



العدد 507 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004

إنتخابات:
أعلى من البلديات قليلاً
وأقل من الاستقلال كثيراً
رام الله المحتلة

قرابة عقد ونصف مضت على مفاوضات مدريد، وهي الاطار السياسي والفكري والتفاوضي لاتفاق أوسلو البروتوكولي بالمقابل. كان السيد عرفات قد عين د. حيدر عبد الشافي لمفاوضات مدريد، ومن ثم عين محمود عباس لتوقيع اتفاق أوسلو. وعليه، فإن القطبين الرئيسيين لمدريد وأوسلو ما زالا بين ظهرانينا، وهذا ما يعطي مشروعية لتقييم هذا المشروع.

ربما يتفق الجميع على أن أوسلو (وليد مدريد) لم يحقق فوائد بقدر ما أحاق بنا من ضربات وخسائر. ولكن دعونا نقول: بغض النظر عن صحة مدريد- أوسلو ام لا، ما هو وضعنا اليوم وما الذي يمكننا انجازه؟

بعد سنوات أوسلو كلها، ها نحن تحت الاحتلال المباشر، وأرض الضفة والقطاع بين مصادرة ومغلقة ومقطوعة عنها الطريق تصل الى 80 بالمئة وحتى أهم المحاصيل (الزيتون) تركه الكثير من اصحابه دون قطاف حيث خنقته الزيوت المستوردة، أما التشغيل فلا يعمل (اي يتلقى دخلا ثابتا) سوى موظفي السلطة وحلفائها وموظفي المنظمات غير الحكومية الاجنبية وتمفصلاتها المحلية وهناك القليل ممن يعملون في الصناعات المحلية بأجور تبدأ من 800 شيكل وقد لا تتجاوز 2000 شيكل شهرياً، كما يحيط بكل مكان عمل اضعاف من يعملون فيه حلماً ب أل 800 شيكل. باختصار، فإن القطاعات الانتاجية مضروبة وقطاع الخدمات الخاص مشلول نظراً لقلة السيولة بأيدي الناس، وأما الخدمات الحكومية فهي احتكار للسلطة وتحالفاتها.

هذا الاحتكار هو الذي يقف وراء الفساد والمحسوبيات ووضع الحياة اليومية للناس في حالة لا تطاق. والمواطن يستوقف زميله في الشارع لكي يبثه شكواه فيجده أكثر شكوى. وفي هذا المجال تحديداً لا يرى الناس بأن المشكلة من الاحتلال. ان له حصته بلا شك، ولكن الكثير " بيدي لا بيد عمرو".

لقد اصبحنا شعباً تلفزيونياً أو فضائياً، نقدم للعالم من الناحية السياسية صورة تناسب مسلسل دالاس مثلا: شعارات من طراز الدم الفلسطيني محرم في حين يتم الاعتداء على رزق المواطن بالفساد والمحسوبية وأحيانا يتم القتل. وليس شرطا ان يُقتل المرء جسديا حتى يُعتبر قتيلاً. أو شعارات "الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحق العودة مقدس...الخ" وهي شعارات ناقضتها مسيرة مدريد ـ أوسلو مباشرة او لا مباشرة. وإلى جانب هذا، نحن نعيش تناقضا صارخا بين صورتنا في العالم كشعب يقف في الخط الامامي للهجوم الامبريالي الصهيوني، وهذا بحد ذاته يعطي عنا صورة وردية لمجرد موقعنا، وبين أوضاعنا الداخلية المزرية من فساد وعنتريات وميليشيات ومحسوبيات...الخ. فهل يستقيم هذا مع ذاك؟ ومما يزيد امورنا تعقيداً أننا نتعاطى مع موضوعة الانتخابات كما لو أن الاحتلال غير موجود، أو كأننا، وإن لا مباشرة نُقر بوجودة "ونشرعن" ذلك الوجود، وتحديدا بالانتخابات!

نعيش تحت احتلال مباشر، وهو الذي سمح باقامة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وهو الذي أملى شروط اوسلو وقبل بها من قبل ورفضها من رفض، وعاد البعض ليقبل بها دون توضيح! فهل هناك معنى لانتخابات سياسية رئاسية وبرلمانية في ظل هذا الوضع؟ إن من ليس منا تحت الاحتلال هو الذي يقاوم بغض النظر عن اسلوبه.

تقول بعض القوى التي رفضت الانتخابات السابقة وتشارك بها اليوم، بأن اوسلو قد انتهى ونحن ندخل الانتخابات خارج ارضية أوسلو. حبذا ايها السيدات والسادة! إذا كان أوسلو قد انتهى فإن ما حل محله هو الاحتلال كما كان قبل أوسلو. هذه حقيقة ما يحصل شئنا أم ابينا. أما إذا كان قصد هؤلاء الناس انهم سيدخلون الانتخابات على برنامج يتجاهل وجود الاحتلال ويصادمه ويقاومه فهذا برنامج لا يستقيم مع انتخابات وعملية ديمقراطية علنية. هذا برنامج ثوري مقاوم، فما حاجة هؤلاء للعمل العلني ؟

هل يمكن لرئيس سلطة فلسطينية ان يرفض التعاطي مع سلطة الاحتلال ومع ضباط الارتباط والحاكم العسكري وضابط الحدود وضابط الاستيراد ...الخ . دعونا نتخيل وصول رئيس الى المقاطعة في رام الله بهذه الشعارات، ودعونا نتخيل انه حاز على تأييد الناس كافة. ما الذي سيحصل على اثر ذلك؟ أعتقد انه في افضل حالات الاحتلال أدباًً (وهذا مستبعد) سيقوم يإغلاق الضفة والقطاع معه ومع الخارج حتى نفتقد الاكسجين. ما نقصده بوضوح وواقعية إن شاء القارىء وتحديداً الناخب، فإن هذه مناطق لا سيادة لها، وبالتالي من العبث السياسي الحديث عن دولة ورئاسة وتشريعي...الخ انها شعارات تخدع المواطن أكثر مما تخدمه. نعتقد اننا في حالة ما فوق البلديات بقليل وما دون السيادة بكثير.

وهذا يطرح التساؤل التالي: هل يعني هذا ان لا ضرورة للانتخابات؟

ولهذا السؤال جوابين:

الأول: اذا كان المقصود بالانتخابات رفع شعارات التحرير والعودة والدولة المستقلة وغير هذا من شعارات لا تستقيم مع سلطة مرجعيتها التسوية والتفاوض مع الاحتلال لأخذ هذه المطالب، فإن هذه الانتخابات مجرد لعبة عبثية للتسابق (فرديا او حزبيا او عشائريا او قبائلياً) على المناصب وبعد انتهاء دورتي الرئاسة والتشريعي قد يعتذر من لديه بعض الضمير بأنه عجز عن تحقيق ما وعد به.

والثاني: اذا كان المقصود إيصال أناس الى المناضب المذكورة ببرنامج اجتماعي اقتصادي حياتي يومي يقتلع الفساد ويُحيل الحائزين على ثلاث وظائف الى التقاعد ومعدومي الكفاءة والذين حصلوا على رتب ورواتب وهم في البيت أو في امريكا لأنهم أُعتقلوا، بينما غيرهم من زملائهم لم يحصلوا على (يعطيك العافية). اذا كان المقصود أُناس لا يزعموا تمثيل كل الشعب الفلسطيني بل تمثيل فلسطينيي الضفة والقطاع حياتيا ومصلحيا واجتماعيا واقتصاديا، وإذا كان المقصود أناس يحصروا دورهم في السلطة الفلسطينية ولا يحاولوا إخضاع م.ت.ف. للسلطة، بل يوافقوا على إعادة منظمة التحرير الى مكانها في الخارج لتكون هي ممثلة الشعب الفلسطيني. إذا كان برنامج هؤلاء اداري ترتيبي. فإن هذا أمر يستحق الانتخابات وتبديل السلطة الحالية.

لقد اقترحت على بعض الفضائل عام 1988-89 ان لا تعود منظمة التحرير الى الارض المحتلة باي حال، وأكدت آنذاك ان ما ستعطيه اسرائيل لقيادة المنظمة أو لفيصل الحسيني (الذي هو من الداخل) أو لفلسطينيي امريكا هو الشيء نفسه. ولذا اقترحت ان ينغمس من سكان المناطق المحتلة في الحكم الذاتي من يقبل بالحكم الذاتي، بينما تبقى منظمة التحرير في الخارج ممثلة لشرف النضال الوطني ومشروع العودة تحديداً. لكن بريق مدريد ـ أوسلو طغى على كل عقلانية. وها نحن فيما نحن فيه. حبذا لو كنا قد استثمرنا الانتفاضة الأولى بحجمها، وليس بالنفخ الاعلامي حيث ابرزناها وكأنها ستقيم الدولة حتماً. وقد أكدت في آذار 1988 (في كتابي من احتجاز التطور الى التنمية بالحماية الشعبية) أن الانتفاضة أعجز من توليد استقلالاً.

حبذا لو استفدنا من تجربتي إيرلندا والباسك. هناك حكومات محلية تقول علنا انها مرتبطة بالسلطة المركزية في بريطانيا وفي اسبانيا، وتقبل بالعمل معهما بينما المقاومون يرفضون ذلك. هاتان الحكومتان لا تزعمان انهما تمثلان الشعب سياسيا ومصيريا. انهما إدارات محلية بكل معنى الكلمة. انهما ترفضان توقيع وثائق ضم بلديهما للمستعمرين ولكنهما تديران الامور اليومية للناس.

لعل هذا الحديث يذكرنا بانتخابات البلديات في منتصف السبعينات. لقد وقف الكثيرون منا مع هذه الانتخابات طالما انها تقدم خدمات للناس ولا تمثلهم سياسياً. وكانت تجربة جيدة. ولكن أوسلو جاء شكليا كمشروع استقلال سياسي بينما مضونه أعلى من البلديات قليلاً ولذا كان ثمنه السياسي عال جداً. من هنا أهميه الوضوح والصراحة: أي مشروع سلطوي أعلى من البلديات، لا يزعم التمثيل السياسي لكل الشعب ولا يعقد اتفاقات سياسية مصيرية مع الاحتلال .

علينا التذكر بأن هذا البرنامج "الواقعي" ليس سهل التحقيق. فالدول الغربية لن تسمح لمن سيخلفون الحكم والتشريعي الحاليين ان ينحصروا في أمور الناس الحياتية. يريد هؤلاء من يوقع على شطب حق العودة. اي يريدون فريقا جديداً يتعاطى السياسة بدون سيادة، وهنا المفارقة. وما يؤكد حديثنا ان موجة الامطار الحالية في البلاد مصحوبة بموجة أمطار من وزراء الخارجية الغربيين وأكياس من العملات الصعبة (لأن المهمة صعبة)، وهو أمر لم يحصل بهذه الكثافة في اي بلد في العالم! هل كل هذا ليسمحوا لنا ببرنامج انتخابي كالذي نطرح؟ لا. ولذلك، فإن البرنامج المقترح هو نفسه معركة مع اسرائيل وامريكا والغرب الرسمي عامة. وهو بالطبع معركة مع اي طرف فلسطيني أكد للغرب وخاصة لامريكا انه سيقيم سلطة بلا سيادة ولا استقلال، في حين توجه بفم آخر الى الشعب بنفس شعارات الماضي "الدولة المستقلة وحق العودة والقدس الشريف…الخ".

___________.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو