الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة والحُب لا يجتمعان

أسعد البصري

2011 / 9 / 24
الادب والفن


لا أهمية لأي كاتب لا يتبنى قضية شعبه ولا ينحاز إلى المعذبين . أما هذه التفاهات عن مالارميه و فوكو و ديريدا مجرد هرب
المثقف وجدان شعبه ، هكذا يكون أو لا يكون . عن أية أفكار و شعر نتحدث ؟ . حقاً هذا
مُضحك . لو كان عندنا أفكار و ثقافة لرأينا معارضة قوية لهذا الإنحطاط الثقافي في العراق
بعض المثقفين يصمت عن القمع والقتل والفساد الذي يحدث كل يوم في العراق ، ويحدثنا عن نضاله أيام النظام
السابق ، وكيف أن النظام السابق حرمه حريّة التعبير ، لكن حين أقرأ الحذر والنفاق الذي يكتبونه اليوم
أقول : إذا كانت هذه حريّة تعبيركم فحسناً فعل النظام السابق
ما هو الأدب ؟
بالرغم من كل النظريات النقدية والكتب المترجمة والكلام المعقد الكثير
يبقى معنى واحد للأدب صحيح هو : الصدق
هناك كائنات غير صادقة على الإطلاق وتكره الإعتراف بطبيعتها
كائنات نشأتْ في مجتمع با طني يُردد : الشاطر يشتري ما يبيع
هذا الإضمار وخوف الإعتراف يتحول إلى طبيعة صلبة
فكيف يكتب هكذا شخص أدباً حين يكبر ؟ إذاً ماذا يكتب ؟
يكتب أكاذيب ، ويأتي صديق له نشأ نفس النشأة و عنده ذات المشكلة يقول له : ما هذا الإشراق ؟ ويالك من مُبدع
شيء واحد يدهشني : هو الكتاب الذين يحرصون أن يُحبّهم الجميع
ومن خلال تأملاتي في التاريخ أستطيع أن أقول بكل طمأنينة
الكاتب الحقيقي هو مَن يُقدّم نفسه من خلال أفكاره و لغته فقط
وهذا الكاتب إذا كان حقيقياً يجب أن تثور ضجة حقيقية حوله
يجب أن يشتمه كثيرون ، وتنتشر حوله الشائعات و يُهان و يُتّهم
ليس من قِبل السلطة فقط بل من قِبل المجتمع أيضاً
الكاتب الذي يُحبّه الجميع هو الكاتب الذي لا يقرأه أحد ،أو الذي لَم يقل شيئاً مهماً على الإطلاق . الحُب والكتابة لا يجتمعان .
أن تكتب يعني أن تتألّم و أن تسبّب الألم
بلادنا تُنهب و تنهار ولم تعد صالحة للعيش
والبلد يضيق ولا يتسع لأهله ، السّني مُفخّخ والشيعي يحمل كاتم صوت
وماذا يفعل المثقفون ؟ في الحقيقة عندنا عشرات الشعراء تكشف دواوينهم أنهم لَم يشعروا بشيء على الإطلاق
عندما نتأمل ما يُكتب حقاً و بنزاهة ، نكتشف أن عدداً قليلاً من الناس
عنده شيء يقوله ، عدداً قليلاً من الناس واثق ممّا يقول . المؤمن التقليدي
لا قيمة له . هذا كائن يؤمن بتفكير غيره وغير موجود أو مولود . لكن المؤمن الحقيقي والخلاق هو مَن عنده
شيء يقوله ، وهو خلاصة تجربته . هذه القضية تحتاج إلى عذاب
أحاول جاهداً كتابة أشياء ليست من الكتب ، وليست عبثاً وثرثرة ، أحاول كتابة تجربة توحي بقدرة على التأمل . تجربة
تمّ تأمّلها و كتابتها بصدق
عام ١٩٩٥ أشار الأستاذ باقر الزبيدي(بيان جبر) ( صولاغ) إلى خزنة مكتبه في دمشق أيام المعارضة
وقال : لا قيمة للمثقفين ، بهذه الخزنة أشتري أكبر رأس من رؤوسهم .
الأستاذ الزبيدي يقصد أنه يؤمن بالفقيه العقائدي ولا يحترم المثقف الثرثار . حقاً
ذلك الكلام أثار اهتمامي . ماذا لو طرق بابي ودخل الأستاذ نوري المالكي
و أحاطت بي حمايته المخيفة . ماذا لو أعطاني مئة ألف دولار و منزلاً و طلب مني
الكفّ عن الثرثرة . هل سأُقبّل يده ؟ . كيف نثق بمَن يكتب ؟ كيف ؟ . هنا تأتي
أهمية ( الشاعر) لأنك تُطلّق زوجتك و تهجر عيالك و تترك وظيفتك و لا تدفع (إيجار) شقتك
فيطردونك . أنت شاعر لأنّك (وبالخصوص لأنك) مُستعد
لتخريب حياتك لغاية مجهولة عندك . مَنْ يُخرّبُ حياته لا يُمكن شراؤه يا أستاذ باقر الزبيدي
ما معنى أن تكون شاعراً ؟ أليس هو تفرّدك بتلك الطاقة العجيبة
وهي الإحساس بآلام تتجاوز آلامك الشخصية و آلام عائلتك
أن تكون شاعراً يعني أن تتخطّفك اللغة و تتلبّسك حتى تقول كلاماً
لا تُحمدُ عُقباه لكنك تقوله على أية حال لأنه لا خيار عندك
أن تكون شاعراً يعني شعورك بعذاب شعبك و استعدادك التعبير
عن آلام أولائك الناس العاجزين التعبير عن آلامهم
بهذا المعنى أرى الشاعر ولهذا لا أرى شعراء
ولأن الشاعر الوطني ليس شخصاً
لأنه لا يتحدث عن همومه الشخصية
بل يتمثل تجربة شعبه و يفتح لها طريقاً في اللغة
شاعر كهذا يُركّز خصومه على إعادته لحجمه الطبيعي
يصرون على أنه شخص و مريض نفسياً و يُعطونك تفاصيل شخصية
بدون قلّة مروءة من هذا النوع لا يُمكن للغة الشاعر الوطني
أن تنصهر و تنفجر

عندما يكون هناك شعراء منافقون
وعندما يكون هناك كائنات لا حصر لها تُنافق هؤلاء المنافقين
يُصبح عندها القبر الفارغ إلى جانب هادي المهدي مجداً وسعادة
هذه القدرة المخيفة على الكتابة تحميك من الأعداء
ولكنها أيضاً تحميك من الأصدقاء
العُزلة مؤلمة ، وهي قدر غير مُحبّب يقبل به
أولئك الذين يُصرّون على الصدق
رغم كل ما سمعته من سلبيات عن الأستاذ فخري كريم
ورغم موقفي منه فيما يتعلق بالإحتلال و مستقبل العراق
لكن موقفه الشجاع والنبيل في دعم الشهيد هادي المهدي جعله يكبُر
ويكبُر في عيني ، كنا بحاجة لمثقف و سياسي بطل و على مستوى
عالٍ يساندنا و يدعمنا في مقال لا يبكي القتيل فقط فهذا كلام فارغ
بل يُشير بوضوح و ثبات إلى هوية القاتل
يا فخري لقد كُنتَ تذبُّ الكربَ عن جيلٍ بأكمله من الشرفاء
عندما نقول أن الشهداء ينيرون الدرب
هذه مقولة فقدتْ معناها الأساسي العميق بسبب ابتذال الغوغاء لها
شهيد كبير مثل هادي المهدي ينير الدرب حقاً
بإمكانكم الآن أن تروا بوضوح مَن هو القاتل و مَن هو القتيل
وبإمكانكم أن تروا أيضاً المنافقين والصامتين و حتى الإستمتاع
بفرصة حقيقية لرؤية أنفسكم
كان شهداؤنا في الماضي فقهاء ، لكن الديمقراطية
جعلتْ شهداءنا مثقفين و فنانين ، يبدو لي أن
حكومة السيد المالكي ليستْ هيّنة أبداً ، أعتقد أنهم يدفعون جيداً
لا أرى حملة جادة ضد السيد المالكي و حكومته .
حتى الأصوات المهمة تضيع في زحمة النباح على الحكومة
هناك عدم نزاهة يحكم الجميع ، والمشكلة أنهم يضحكون على الكتاب
حين يتحدثون عن النزاهة لأنهم يعروفنهم
عندما أقرأ مقالات كتاب حزب الدعوة عن الشهيد هادي المهدي ، أسمعُ القاتل
يتكلّم بوضوح ، صدق الرئيس السابق صدام حسين حين قال
القلم والبندقيّة فوهةٌ واحدة
الثقافة العراقية الحالية ليست بحاجة إلى كاتب جديد بل هي حقاً بحاجة لمن يكون تأنيباً في ضميرها
المثقف الذي لا يُضحي بمقاله مجاناً في سبيل الوطن متى يُضحي بحياته في سبيل الوطن ؟
لم أحصل أبداً على هوية اتحاد الأدباء العراقيين ، ولم أشارك بأي مهرجان ، كما لَم يصدر
لي أي كتاب شعري ، مرة واحدة أرسلت مشاركة إلى صحيفة عراقية
حكومية فكان الجواب أنني ما زلتُ دون مستوى النشر و أنهم حريصون
على مستوى صفحاتهم الثقافية . أليس هذا بحد ذاته مجد ؟
أكتب دائماً بطريقة غير مترابطة ، هذا الخطأ الناشيء عن قلة خبرة تحول فجأة
إلى أسلوب جعل مقالاتي مقروءة عن طريق الصدفة فقط . وبمساعدة طبيبي
النفسي اكتشفنا أن عدم الترابط ناتج عن خلل نفسي و ضعف في التركيز . ليس كل الأمراض
النفسية و قلة الخبرة سوء حظ ، خصوصاً في الكتابة الأدبية ، الصحيح نفسياً عليه أن يبحث فوراً عن مهنة أخرى
التجربة المأساوية التي كسرتني على صخرة الحياة تُثبتُ لي شيئاً واحداً هو أن الحزن أقل شقاءً بكثير من
التظاهر بالسعادة . الحزن يجعلك تجلس على صخرة العذاب بينما التظاهر بالسعادة يجعلك تحملها على ظهرك
السعادة هي ميراث آباء شجعان و عناية إلهية ، السعادة هي حقيقة جماعية ولا يُمكن لها أن
تكون فردية ، السعادة إشتراكية عميقة ، وبما أن آباءنا لم يتركوا لنا سوى الصراعات والخراب
علينا حقاً أن نكف عن البحث عن السعادة وانتظارها ، عناية الله يجب أن تدلنا إلى
طريق يجعلنا نترك لأطفالنا عراقاً أفضل يجعل السعادة فيه قابلة التحقق في حياتهم
المثقفون العراقيون لا يطالبون بالحرية بَل بالنقود ، لماذا لا تضحكون
لماذا لا أحد من جيل السبعينات ينشر في المواقع الألكترونية المقروءة جداً ؟ السؤال ليس مُحيّراً ، لأن هؤلاء
لا يُمكن أن يُعطوك مقالاً ب بلاش ، المسألة مسألة مبدأ ، والمواقع لا تدفع
أطرف مُستظرف عراقي سمعته ، هو مطالبة المثقفين بدعم الحكومة الفاسدة لتزدهر الثقافة
العراقية ، فلو دعموا المثقفين بالنقود لأبدعوا ، هل سمعتم شيئاً أطرف من هذا ؟
في النهاية رجل مُتعَب و هالك مثلي لا يُريد أن يعرف ما قاله نيتشه في مقالات هؤلاء بقدر
ما يريد أن يرى فلسفته في أفكارهم ، ولا يُريد أن يقرأ مُلخّصاً عن كازانتزاكي
بقدر ما يُريد أن يرى روحانيّته في مواقفهم ، ولا يُريد أن يسمع عن المتنبي بقدر ما يُريد أن
يلمس كبريائه في لغتهم . كائنات خائفة ، والخوف أبشع شعور
يتعرض له إنسان ، فكيف يكتب الخائف ؟ ، و ماذا يقول ؟ أليس أولاً نكتب عن الخوف ثمّ نتحدث عن شيء آخر ؟
رغم حُزني لكنّ القهقهة التي في فمي تنفجر أحياناً
هؤلاء الشعراء كذبوا كذبة كبيرة جداً و صدّقوها
بَلْ واحدهم يؤكّد للآخر أن الأكذوبة حقيقة عظيمة ، بل الحقيقة الأوحد
يا إلهي شكراً لك حتى البائسين أمثالي يأتيهم طعامهم من المرح
عشتُ في العراق فلاحاً في بُستان نخيل في البصرة ولا أعرف شيئاً عن جيل السبعينات والثمانينات ومقهى حسن عجمي وكلية الفنون
و اتحاد الأدباء ، لا أعرف شيئاً عن هذا ولا أُريد أن أعرف ، لكنّ لي قمراً لا يُمكن أن تتخيّلوا شكله حين ينعكس على الجداول ، ولي صوت ريح يحفّ
أطراف السّعف ، ولي جدّةٌ تتحدّث مع الله والدّجاج والماء الجاري ، عن أيّ شعرٍ تتحدّثون ؟
الحالم الحقيقي يبلغ شغفه بحلمه درجة أنه يستعذبه ولا يستعجله ، نحن
نحلم بلا أمل قريب بل لأن هذا الحلم صالح حقاً للإقامة
الذين عاشوا لَم يقرأوا ، والذين قرأوا لم يعيشوا ، والذين كتبوا عَلِقوا بين الكتب وبين الحياة

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذيان
جاسم نوراني ( 2011 / 9 / 24 - 17:01 )
أستاذ أسعد
أنت قلت الكثير و لم أجدك ترسو على مرسى أو تستقر على معنى أو صورة , لم أفهم ماالذي تريد قوله , جاءت أفكارك مبعثرة و ممزقة تمزق العراق و أهله .كيف لمثقف مثلك لا يستطيع أن يعبر عن رأيه بوضوح و يربط أفكاره و يقدمها جاهزة . أنا لا أطلب منك المستحيل فقط إحتراما لهذه الصحيفة المحترمة
أرى كلامك أشبه بالهذيان . , بعدها إفعل ما يبدو لك .


2 - كلامك صحيح مئة بالمئة
أسعد البصري ( 2011 / 9 / 24 - 18:49 )
~~~~~~~~~~
أستاذ جاسم نوراني المحترم
كلامك صحيح مئة بالمئة ، وهذا ما قالته زوجتي فقد احتجت على نشر المادة ، على صياغتها و طولها ، في الحقيقة ربما أخطأت بنشر أفكار غير مترابطة لكن هذا لا علاقة له باحترام الصحيفة أو عدمه . أنا في الحقيقة أُجرّب عدة أشكال للمقالة و عدة أساليب . الكثيرين لاحظوا ذلك . وإذا فشلت في تجربتي في هذه المادة فلا بأس نُجرّب مرة ثانية . تحياتي لشخصك المحترم .
أسعد البصري


3 - في الكتابة كلّنا يهفو و يُخفق
أسعد البصري ( 2011 / 9 / 24 - 19:31 )
~~~~~~~~~~
في الكتابة كلّنا يهفو و يُخفق و يكتب أشياء ضعيفة و غير موفقة أحياناً
ولكن بغياب قاريء حقيقي يناقش و يُحاور بحُب و ينتقد و يُشخّص
كيف تتطوّر الكتابة حين يُصبح كُل شيء رائعاً و مُذهلاً بسبب المجاملة
اليوم أرسل لي قاريء رسالة ينتقد أسلوب كتابتي نقداً لاذعاً
وصف كتابتي بالهذيان ففرحتُ فرحاً كبيراً
وتذكّرتُ محبة عُمر بن الخطّاب ل عليّ بن أبي طالب حين عبر عنها أصدق تعبير بقوله : ( لولا عليّ لهلك عُمر) لأن عليّ كان يصوّب عُمر و ينصحه . رجلٌ ك عُمر يشعر بوحدة و عُزلة لأنه صارم و شديد لا يجروء أحدٌ على تصويبه ، لكن صديقاً ك عليّ يجعله يشعر على الدوام أنه ليس وحيداً وأنّ هناك مَن يُعيدهُ إلى الحق إذا أفلتَ الحقُ منه .
متى نُحِب الحق أكثر من أنفسنا ؟
متى نحبُّ بعضنا في الحق ؟


4 - حقي عليك
جاسم نوراني ( 2011 / 9 / 24 - 19:50 )
أشكرك أستاذنا الكريم على عناء الرد
في حقيقة الأمر أنا أتابعك منذ مدة طويلة على الفايسبوك و أقرأ لك كل يجوده قلمك و فكرك و أثمن شجاعتك و مقاومتك للشعر و الأدب الفاشل و كلامك الصريح دون لومة لائم .
لكنني أعاتبك لأنك لم تشفي غليلي في كتابة مقالة متراصة .
ولأنني متابعك من حقي كقاريء أن أبدي ملاحظات على ذلك .
أتمنى أن تتقبل ملاحظاتي .


5 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 9 / 26 - 03:45 )
أخي الكاتب المحترم تحية لك ، أجدني مخالفاً لرأي زميلي المحترم جاسم . المادة جيدة تعبر عن هواجس وأمال عريضه في رؤية عراق موحد مستقر بلا خوف بلا مفخخات ولا أصابع ديناميت . عراق الكلمة فيه لها إحترامها في تصحيح وتقويم الأعوجاج وفي الأنتماء الى هموم مواطن وليس الإنتماء الى وعاظ السلاطين . وفعلاً الكتابة لا تتفق مع الخوف ..فكيف يكتب الخائف .. الكتابة فعل أخلاقي شجاع . مع شكري لك والتقدير

اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 175 مليونا خلال أسبوعين


.. المخرج محمد الملا يكشف لصباح العربية أسرار من الفيلم الجديد




.. أسباب غياب الفنان عبدالله رشاد عن الساحة الفنية


.. -كان ودي نلتقي-.. دويتو يجمع بين الفنانين عبدالله رشاد ونوال




.. -نحتاج أكاديمية لتطوير مدراء الأعمال-.. الفنان الدكتور عبدال