الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب العقل النقدي والتمسك بالنقل والمتن على حساب النص من أهم سجون العقل العربي

سعيد نوح

2011 / 9 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



في ظل ما يعانيه مجتمعنا العربي بعامة والمجتمع المصري بخاصة من سيطرة الإسلام السياسي ومحاولته الإلقاء بظلال كثيفة على الحياة السياسية المصرية ، وإعاقة مسيرةة الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير نرى أنه من المفيد أن نعرض لكتاب : " سجون العقل العربي " للمفكر المصري طارق حجي . ويُعد هذا الكتاب مجموعة من المقالات المتفرقة تم نشرها في كتب للمؤلف مثل : " نقد العقل العربي " و " الثقافة أولا واخيرا " و " تأملات في العقل المصري " ـ وبحسب المؤلف في مقدمة الكتاب ـ يُعدّ هذا النص هو النص الناسخ لكل كتاباته السابقة عن الحالة الراهنة للثقافة العربية المعاصرة وبالتالي العقل العربي المعاصر .
إن العقل العربي كما وضح طارق حجي أسير ثلاثة سجون سميكة الجدران أولا سجن الفهم البدائي للدين وسجن الموروثات والمفاهيم الثقافية التي أثمرتها تجربتنا الثقافية التاريخية ، ثم سجن الفزع والجزع والرعب من الحداثة المعاصرة بحجة التخوف على خصائصنا الثقافية من الضياع والاختفاء والزوال أو امتزاج الدماء الشريفة لهذه الخصوصيات بالدماء غير الشريفة لثقافات وافدة .
والسجن الأول الذي يؤكد المؤلف على خطورته في إعاقة تقدم المجتمعات العربية هو الفهم البدائي للدين الذي يفصل بين العقل العربي وبين المعاصرة والتقدم والانخراط في مسيرة الحضارة الإنسانية السائرة . هذا الفهم الماضوي البدوي للدين الذي يعود بالإنسان للقرون الوسطى لا يقدم للمسلمين سوى فهما منقوصا يعيق العقل ويعيق الفهم ، ويعود بالإنسان بداية إلى فكر ابن حنبل في القرن العاشر الميلادي وانتهاءا بمؤسس الحلف الوهابي السعودي في الجزيرة العربية حيث تعانقت دعوة محمد ابن عبد الوهاب الأب الروحي للوهابية ـ بعد موته ـ مع فكر أبي الأعلى المودودي وفكر الإخوان المسلمين المصريين ، ثم جاءت دولة إسلامية معاصرة تأسسست منذ ثلاثة أرباع القرن ؛لتجعل من نفسها ليس فقط جهة تطبيق هذا الفهم إنما جهة نشره وتصديره وتمويل عملية انتشاره في كل مكان .
هذا الأداء من الرغبة الدائمة في نشر هذا الدين وتعميمه على شتى بقاع الأرض يجعل أصحاب هذا الدين غير قادرين على قبول الغير ( مسيحيا أو يهوديا أو بوذيا أو غير ذلك ) ولا مجال فيه للمساواة بين الرجل والمرأة ولا مجال فيه للتعايش مع الآخرين ولا مجال فيه حتى لتفسير كلمة الجهاد بأنها عني الدفاع عن النفس ، إنما يظل هذا التفسير البدوي الذي يرجع للقرون الوسطى بأنها أداة لنشر دين معين على كل البشرية بالسيف .
منذ تسعة قرون كان هناك تياران داخل الحياة الفكرية للمسلمين : تيار العقل بدأه المعتزلة، وصعد به ابن رشد مقام عالٍ . وتيار ثان هو تيار النقل ، وهو تيار يحارب العقل ويرجع كل شئ للنص ونسب إليه الكثير من العلماء مثل أحمد بن حنبل والغزالي .
ومن سوء حظ المسلمين أن التيار العام في مجتمعاتهم نسفوا مدرسة العقل نسفا متمثلا في حرق مؤلفات ابن رشد واتجهوا كلية إلى مدرسة النص والنقل والتقليد رافعين مقام الغزالي لأعلى درجة حتى أنهم سموه حجة الإسلام وهو الذي رفض أن العقل قادر على معرفة الحقيقة وإدراكها . ومنذ ذلك الوقت والعقل العربي في عملية ىأكل وتأخر وتراجع وتقوقع على الذات .
و الفهم البدائى للدين،لم يكن قاصرا على الدين الإسلامى فقط ، بل وقع الدين المسيحي في ذاتل الفخ ، فلم يسمح لأصحابه بأن يعملوا العقل ، وانصب الاهتمام بالدين على تفاصيل يومية ، وتحول الدين إلى ممارسات شكلية وتدين مظهري، والانشغال اليومى بقضاياه، واختيار التافه من مظاهره الخارجية مثل الملبس واللحى وغير ذلك، وتجاهل أبعاده الحضارية فى تنمية العقل، وتحرير الوجدان وترقية المجتمع هو الغالب على وعينا الزائف به، وهو الحصاد المرير الذى يكاد يسمم عقول الشباب بالتعصب، ويهدر طاقاتهم بسوء توجيهها، طبقا لسلّم عجيب من الأولويات الشكلية، يفضى إلى تقديس التظاهر بالتدين، وإهمال التفكير العلمى، وضعف الإنتاج الثقافى المبدع، والعجز عن مواجهة التحديات الحضارية المعادلة المدمرة.
أما السجن الثاني الذي يرزح العقل العربي داخل زنزنته فهو مناخ ثقافي عام انتشرت فيه قيم القبيلة العربية والقيم السلبية للقبيلة العربية وانتشرت فيه قيم الذاتية عوضا عن التسامح والانغلاق على الذات عوضا عن الانفتاح على الآخر ، كما لم يكن بوسع المجتمعات العربية بسبب ذلك أن تستقبل وتتشرب قيم التعددية وقبول الآخر والإيمان بعالمية بعالمية العلم والمعرفة وحسن استقبال حركة حقوق الإنسان وحقوق المرأة ناهيك عن رفض مؤسس على قواعد صلبة لأهم منجزات للحضارة الإنسانية وهو الديمقراطية ، وتترجم نظم التعليم قي المجتمعات العربية هذه المنظومة الثقافية السائد التي تقف جائلا بين العقل العربي واللحاق بمسيرة التقدم الإنساني.
إن برامج التعليم في الدول العربية يكرس لعدم قبول الآخر ، ويعوق مسيرة التقدم ، ويقيم سدا بين الإنسان العربي ومسيرة التقدم الإنساني . إن مناهج التعليم في الدول العربية تدفع الإنسان العربي إلى التقوقع على ذاته ، وتفرز ذهنية إفصائية وتميل إلى غقصاء وتهميش الآخر .
ورغم تمسك هذه الشعوب بعباءة الدين إلا أنها لا تقدر ان تلحق بركب التقدم بالدين فقط ، وخاصة بعد أن أوضح الكاتب أن التيارات السائدة لدى أصحاب الديانات هي الماضوية والاعتماد التام على النقل وترك العقل، لذا يؤكد أن الشعوب التي تستفيد من التاريخ الإنساني وتعمل بالاجتهاد لهي قادرة على اللحاق بركب التقدم أكثر من غيرها ، فالنجاح للأجدر وليس للأكثر تدينا .

و التطبيق العملى لفهم هذا، هو عند استعراض كيف استفادت أوروبا، أو فرنسا بالتحديد، من فكر ابن رشد، فقد استفادت من كتاباته أكثر بكثير مما استفاد به أهل عروبته و إسلامه.
ويقارن الكاتب بين مسلمو الهند ومسلمو البلاد العربية ، كلاهما يدين بالدين الإسلامي ، لكن الهند لا تصدر للعالم إرهابيين ، ومبرر ذلك بحسب طارق حجي هو الديمقراطية التي يتمتع بها بلد مثل الهند والاستبداد الذي نغرق فيه نحن كعرب ، فمن خلال الديمقراطية" التى يتمتع بها مسلمو الهند و التى من خلالها يستطيعون التنفيس عن رغباتهم و أرائهم بمنتهى الحرية، بعيداً عن أية قيود سياسية تجعل المتنفس الوحيد للرغبة العارمة فى التعبير تتجه إلى تنظيمات "تحت الأرض" تفتقد للشرعية. و بالتالى يقع العقل المكبوت فريسة لأقوى و أهم تنظيم إعتاد دائماً على العمل تحت الأرض لطبيعته الخاصه .. و هو التنظيم الدينى المتطرف.
السجن الثالث هو الرعب من المعاصرة و الحداثة ، هذا الرعب، النابع من تواكلنا على حضارة قديمة و رسالة سماوية ندعى أننا نملك وحدنا مفاتيحها، قد جعلنا نتناسى أهمية "قيم التقدم" و ضرورة أن تكون نبراساً لنا فى عملنا بل و حياتنا بشكل عام،فالعالم العربي يعاني منذ نصف قرن من هوس اسمه الغزو الثقافي والهوية.
و قد تعالت التحذيرات من أننا كلما تعاملنا مع الآخر كلما كنا عرضة للغزو الثقافي. في حين أن التعاطي مع الآخر هو السبيل الوحيد للبناء، أما غلق الأبواب فإنه يعزز فرص الاضمحلال والتخلف.
ففي حين شرعت الدول المتقدمة منذ أربعة عقود في استبدال التلقين بالإبداع في منهاجها التعليمية، لم يحافظ العرب على النظام القديم فحسب بل أدخلوا عليه تعديلات أرجعتنا إلى الوراء ولا تفرز مزودين بقيم العصر والمعرفة. وحسب تقرير نشرته منظمة اليونسكو السنة الماضية، فإن نسبة الأمية في العالم العربي وصلت إلى 29.7%، ويشير التقرير إلى أن نسبة الأمية ترتفع بين النساء اللواتي وصلت نسبة الأمية بينهن إلى 46.5%..
وربما أهم سجون العقل العربي إضافة لما سبق هو غياب العقل النقدى فى الثقافة العربية السائدة، لأنه يضع على العقل تابوهات لا تسمح له بمراجعة الأفكار ، ومواكبة الحداثة والمعاصرة. و غياب العقل النقدى يقيد ذهنية الإنسان ولا يسمح له بالتفكير ، فالنقد للأشياء والظواهر والأفكار والمسلمات هو معلم مؤسس للثقافة التى أسهمت فى بناء المجتمعات الغربية المتقدمة.
وقد رصد حجي بعضا من المفاهيم السلبية التى تسجن العقل العربى فى إسارها مثل الطاعة والإذعان والتصلب وفقدان السماحة .
ورغم كل هذا النقد الذي وجهه للعقل العربي إلا أنه أكد أن العقل العربى لا تنقصه القدرة على تحقيق أرقى درجات التحضر والإسهام فى حركة التقدم الإنسانى، شريطة الخروج من هذه السجون وممارسة الحداثة العلمية والفكرية المبدعة

الكتاب / سجون العقل العربي
المؤلف / طارق حجي
عدد الصفحات 450 صفحة
دار النشر / دار ميريت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القسام يعلن استهداف دبابة -ميركافا- إسرائيلية بقذيفة -الياسي


.. عبر الخريطة التفاعلية.. آخر التطورات في مناطق توغل جيش الاحت




.. كيف تؤثر تهديدات بايدن في مسار حرب غزة؟ نتنياهو إسرائيل ن


.. احذر... الاستحمام اليومي يضر بصحتك




.. مقتل 7 أشخاص في قصف أوكراني على حي سكني في بيلغورود الروسية