الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-يوم الجمعة- تاريخ وأد رموز الاستبداد العربي

عثمان الزياني

2011 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



انه يوم ليس كباقي الأيام بتفرده وفرادته،يوم الاحتفاء والاحتفال برحيل الزعيم وبزوغ فجر الحرية،يوم ثار الشباب وأخذوا ثأرهم من حاكمين ظالمين ، حاكمين مستبدين لم تقيدهم أسيجة أخلاقية ولم تسعفهم وتمهلهم قيود قانونية في التكابر والتفاخر والتحايل على شعبيهما،ونهب ثرواتهما ومقدراتهما واسقائهما الهوان والمذلة،فكانت المحصلة صناعة الجوع وإفقار الشعب ونزعه كينونته وأدميته وصولا به إلى الحضيض والقاع.
"جمعة الغضب،جمعة الرحيل،جمعة التحدي"،معادلة أثثت مفاصل وأضلع الثورة المصرية،إنها الجمعة الغير العادية في تاريخ الزمن السياسي التونسي و المصري والعربي أيضا ،يوم سقوط الطاغية ،الدكتاتور،المستبد،إنها جمعة هروب الرئيس في تونس،جمعة تنحي الرئيس في مصر،إنها جمعة تشكل زمن جديد ملؤه التغيير أركانه الحرية والانعتاق ،الجمعة التي أسقطت كل الأطروحات الغربية المحبذة للتغيير من الخارج،ومكمن العلاج أن الشعب هو صانع التغيير الجذري ضدا حتى على كل المسكنات الإصلاحية التدريجية،ليترك للشعب أن يحدد مصيره ،وعلى قدر مباركة الغرب للحدث بنفاقه المعتاد ،فهو يوم في مكمنه يشكل صدمة وصعقة كهربائية لهم والخوف طبعا من المعادلات الإقليمية الجديدة في المنطقة وتعزيز حلف القوى العربية الممانعة والرافضة للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والخوف من حدوث انقلاب على معاهدة السلام مع إسرائيل،وبالتالي زعزعة استقرارها ،بفعل رحيل خديمها وعميلها البار،انه غدر السلطة وضريبة الاستكبار على الشعوب.
فيوم الجمعة شكل نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة تثوي بين ثناياها العديد من الرهانات السياسية المجتمعية على المستوى العربي ،يوم الجمعة شكل محور الحديث بالنسبة "للفايسبوكيين"وجعله موعد المسيرات المليونية ،للتعبير والتكاثف وتوحيد الشعب المصري بمختلف مشاربه وتشكيلاته،فارتفعت الأصوات والحناجر مرددة "الشعب يريد إسقاط النظام"،وما أعقب ذلك من تعبئة وشحن للمواطنين من أن الانتفاض ضد النظام يعتبر واجبا دينيا على شاكلة تحرير مصر من أيدي نظام فاسد وكافر كان يقدم بشكل دائم آيات الولاء والوفاء لاملاءات واشنطن وإسرائيل،وكأن الأمر يتعلق بالخارجين عن دار الإسلام/الكفار،فقد كثر التكبير والصلاة والابتهالات والتضرع إلى الله لكي يخلصهم من الطاغية وجبروته،وقد كان الإمام يخطب وهو يشبه إسقاط النظام بمثابة حرب النبي موسى على فرعون ،فكانت الاستجابة وتحقيق المراد والمبتغى،يوم برهن للتاريخ الإنساني كله أن قوة الشعوب هي الأقوى والأبقى.
ومن محاسن يوم الجمعة بحدثه التاريخي انه استطاع ان يشكل الجامع بين كل الشعوب العربية في الاحتفال بالنصر معبرا عن وجود وجدان مشترك في شكل انقلاب على الاستبداد ولان هناك قواسم مشتركة بين هذه الشعوب في كونها ترزح تحت نفس السلطوية ،وهي تمني النفس في الانعتاق وحصول ما حصل في مصر،لان التركيبة النفسية والشخصية للإنسان العربي بصفة عامة تتشابه كثيرا في علاقتها مع الأنظمة،والأكيد أن الخروج إلى الفضاء العمومي ومشاركة فرحة الشعب المصري وحتى التونسي يعبر في مكنونه عن الرغبة في التمرد عن الوضع السائد واللحاق بركب هذين الشعبين.
إن يوم الجمعة بدون شك أضحى موضع التفاؤل به من الشعوب العربية،تيمنا به في إحداث قطيعة مع ماض سلطوي سليب،وبالمقابل غدى نذير شؤم للحكام العرب الابديون اللذين استهوتهم نشوة السلطة وأذهبت بعقولهم إلى حد الانصهار فيها و الخضوع لموجباتها الاستيلابية المرضية،وأصبحت الكراسي "توائم" الروح لدرجة من الصعوبة زحزحتهم من عليها،واستحلوا الجلوس عليها ،فيحدث الحاكم العربي نوعا من الزواج الكاثوليكي معها وهو الزواج الذي لا يقبل الطلاق والانفصال،والغريب في الأمر أن تتماثل سيناريوهات الإطاحة بالنظامين وباعتماد نفس الأدوات والمسلكيات مع الاختلاف في طريقة الإسقاط والإطاحة المتراوحة بين التنحي والهروب،فهل سيأتي فيه اليوم الذي سنسمع فيه تم إلغاء يوم الجمعة من أيام الأسبوع واستبداله بيوم آخر يرمز للخلود والمكوث الأزلي للحاكم العربي في السلطة؟ أم أن أيام الجمعة ستتلاحق وتفعل فعلها وتلحق بالباقي؟، وبالتالي سيظل يوم الجمعة عيد الاحتفاء بالحرية والتحرر من الأنظمة العربية الاستبدادية ،لترتسم في الأذهان على المدى القريب والبعيد وللأجيال الصاعدة والقادمة تميمة "حدث في هذا اليوم"أو "يحكى أنه بتاريخ"
انه يوم سيتداول بين الناس وسيشكل حتما قبلة لشحن الجماهير العربية للثورة والانتفاض والاحتجاج،وهو يوم لكسب حسنات الدنيا والآخرة بفعل الجهر بالحق وتغيير المنكر و إرساء دعائم جديدة للمنظومة العلائقية بين الدولة والمواطن في الوطن العربي والانطلاق نحو العيش بكرامة .وتحطيم مفاصل الدولة السلطوية العربية،ذلك أن العديد من الدول ستلجأ حتما إلى التغيير بذاتها درءا لوقوع أي انتفاضة أو ثورة.
+أستاذ جامعي ،المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟