الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سمَّيتُها بلادي ونمتُ

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2011 / 9 / 25
الادب والفن


وُلِدَتْ كَفَرَسٍ برِّيَّةٍ في سهولِ الجليلْ، وقالَ الرُّعاةُ إنّها ابنةُ الآلهة، وقالَ الكَهَنَةُ إنّها بيتُ الله الوحيد، وقالَ الأطفالُ إنّها الجنّيّةُ في الحكايات، وقالَ النّهرُ إنها العينُ وقالَ الغيمُ إنّها الريحُ وقالَت العشبَةُ إنّها الألوانُ، أما أنا، فسمَّيتُها بلادي ونمتُ.

من حُلمِها، نزَّتْ المُدُنْ كَصِغَارِ طيرٍ من البَيْضِ، وهي كانت تروي شَعرَها من خصرِ النَّهرِ، وتزوِّقُ حقولَ النّاصِرة، فأنجَبَتْ نبيّاً تحتَ نخلةٍ صارتْ صليباً، أحَبَّها حتى احتلَّتْ دمَهُ وتسرَّبتْ فيهِ كحليبِ أمٍّ بولدٍ وحيدْ، يسيرُ مثلَ تائهٍ كي يكونَ أقرَبَ إلى اللهِ في المساءاتِ الطّويلةِ، الحقُّ ما قالَهُ حينَ أطعمكُمْ لَحمَهُ وسقاكُمْ دمَهُ، وظلّتْ البِلادُ بشعرِها الشبيهِ بالمطرْ حزينةً تنتظرُ قيامتَهُ، أما هو، فمن فيضانِ العشقِ في قلبهِ قد اختارَ الصليبَ كي لا يتسرّبَ الوجعُ من قلبِهِ إلى الأرضِ، فبقيَتْ صرخَتُهُ إلى اليومِ معلَّقةً في هواءِ الجُلجُلةْ.

بِبَابِها المُحنّى بجَنّاتٍ من صَلَواتِ الشَّجَرْ، صَعَدَ آتياً من قَلقِ مكّةَ من ضياعِ آلِهَتِها الصامتة، مرَّ هائماً بسماواتِها، بقصبِ آجامِها، بعرشِها، بمائِها، بأنبيائها، بملائكتِها، ببيتِها المعمور، مرَّ مرتدياً حدائقَ الغفرانِ حولَ عنقِهِ، وعادَ حاملاً نِعْمَةً من الرؤيا، وكروماً من بشاراتٍ وعَسَلٍ وثلجْ، وظلّتْ المدينةُ ببابِها الذي يُعطي المارّينَ تذكِرةً إلى الله، مغسولةً من غِلِّها كورقة شجرٍ سَبَحَتْ للتوِّ في فيضِ نورٍ إلهيّْ.

فَتَحَتْ قَلبَها، فتوافَدَ عمّوريّون بِنسورٍ على أكتافِهمْ، وكنعانيون بمراكبَ في أرواحهم، وحثّيّونَ بمناجلَ من فضةٍ، وحوريّونَ برِمَاحٍ للكِتابةِ، ومؤابيّونَ عاشقون، وعمالقةٌ من حروبٍ وعِنادْ، ويبوسيّونَ تنبتُ القصائدُ في حضورِهم، وأراميّونَ من لغةٍ، وفينيقٌ بمملكةٍ من حُلُمْ، وسامريّون منكفئونَ على وحدَتِهِم، وأنباطٌ يُخبّئونَ المُدُنَ في صخرِ الجَبَلْ، وحواريّونَ بحماماتٍ بيضاء، فاضَ قلبُها بالممالِكِ، وفاضَ ثديُها بِلَبَنِ الرواياتِ، فيما غَسَلَتْ ذاكِرَتَها من الدّمِ دائماً بعدَ كلِّ صلاةْ.

كأمٍّ، تمسحُ القذى عن عينِ الحضارةِِ، كمقاتِلةٍ تعبّئُ القَتَلَةَ في أكياسِ الفضيحةِ، كمُغنّيةٍ تلحِّنُ التراتيلَ جوارَ البحرِ، كسحابةٍ تمسحُ جُرْحَ الصحراءِ بالقمحِ...

وُلِدَتْ كَفَرَسٍ برِّيَّةٍ في سهولِ الجليلْ، وتُوْلَدُ، تَلِدُ وتُوْلَدُ، تَلِدُ، وتُوْلَدُ، تَلِدُ، وتُوْلَدُ، تَلِدُ، بينما الوقتُ على بابِها ينتظرُ كي يأخذَ اسمَها.

الخامس والعشرون من أيلول 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??