الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجيات إدارة المشروع الوطنى فى عصر المنافسة المفتوحة

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 9 / 26
الادارة و الاقتصاد


استراتيجيات إدارة المشروع الوطنى
فى عصر المنافسة المفتوحة



لم يعد هناك حجر على حجر فى الاقتصاد العالمى الذى شهد تغيرات جوهرية خلال العقد الأخير من السنين، خاصة فى مجال التجارة الدولية. والسؤال المثار بقوة اليوم: هل بإمكان المشروعات والمنشآت الإنتاجية فى بلدان جنوب العالم أن تحافظ على كيانها، ناهيك عن المنافسة فى عصر الأسواق المفتوحة؟ ولكن دعونا أولاً نلقى نظرة على ما جرى بالضبط.

متغيرات كاسحة
بعد سقوط المعسكر الاشتراكى والأيديولوجية الشيوعية تم فتح أسواق أوربا الشرقية والوسطى التى كانت محمية فى السابق، مما شجع القوى الرأسمالية العظمى على الاستناد إلى الفكر "الليرالي الجديد" لفرض توافق عالمى على حرية حركة السلع والخدمات والأموال والاستثمارات بين جميع البلدان، وإن حافظت فى الوقت نفسه على تقييد حركة القوى العاملة وانتقال التكنولوجيا، وهو أهم تناقض يعيب هذه المدرسة فى الفكر الاقتصادى.
ونجحت القوى المهيمنة على الاقتصاد العالمى فى تحويل اتفاقية "الجات" إلى منظمة التجارة العالمية التى أعطيت حق توقيع العقوبات بحق أى دولة تمانع في تحرير التجار الدولية أو تحاول حماية إنتاجها الوطنى. وإلى جانب منظمة التجارة العالمية واصلت مؤسستا "بريتون وودز" (صندوق النقد والبنك الدوليان) فرض برامج التكيف الهيكلى (واسمها الحركي في مصر الإصلاح الاقتصادي) على بلدان الجنوب بكل ما تعنيه من انسحاب الدول من ضبط اقتصاداتها، وإخضاع الخدمات الاجتماعية لمنطق الربحية ورفع الدعم عنها.. الخ.
هكذا صارت المنشأة الإنتاجية الوطنية (سواء أكانت قطاعاً عاماً أم خاصاً) تواجه معضلة المنافسة غير المتكافئة بالمرة مع منتجات الشركات عابرة القوميات ذات الإمكانيات المالية والتقنية الهائلة. ورغم أن محاولة الحفاظ على ما تبقى من سياسات الحماية أو الاستفادة من الاستثناءات الواردة فى الاتفاقيات الدولية تعتبر خطوة هامة فى هذا الصدد، إلا أن إدارة المنشأة الوطنية (أى على المستوى الجزئى) بحاجة إلى ثورة بمعنى الكلمة فى الفكر الإنتاجى والتسويقى تسمح لها بالتعامل مع طوفان المنافسة الجارى والقادم.
ومع ذلك فمن الصحيح الإقرار بأن معظم اقتصادات بلدان الجنوب قد فشلت فى التفاعل مع عملية العولمة بما يؤدى إلى تطوير أو تحويل بنيتها وعلاقاتها، بل على العكس زاد ضعفها البنيوى . ولعل من أسباب ذلك: انتهاج هذه الدول لسياسات اقتصادية تابعة أو غير واقعية أو خاطئة (مثل عوائق التصدير والهياكل الضريبية غير المشجعة للاستثمار والتصدير، السعر غير الحقيقى للعملة الوطنية..) وتخلف تقنيات وهياكل الإنتاج والتوزيع والتسويق، وندرة العمالة الماهرة، وفقر البنية الأساسية، ونقص آليات التمويل، والفساد... الخ.
نتيجة لكل هذا تعانى السلعة الوطنية منافسة غير متكافئة فى سوقها المحلية، وهى بالطبع غير قادرة على المنافسة الشرسة فى الأسواق الخارجية. ولعل هذا ما شجع البعض على القول بأنه لا مناص من التسليم أمام الشركات العالية، وبيع المنشآت الوطنية لها.. انطلاقاً من أن هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة (المتخلفة والضعيفة) لا مستقبل لها فى سوق عالمية آخذة فى التشكل. فهل هذا صحيح؟

ثلاثة خيارات ممكنة
إن كافة القدرات العلمية والعملية فى بلدان الجنوب مدعوة إلى الإدلاء بدلوها فيما يتعلق بخلق بدائل أو خيارات أخرى غير التسليم التام. وعلى كل شركة وطنية أن تعبئ كافة طاقاتها لمواجهة هذا التحدى الصعب، وفى الوقت ذاته تستفيد من دروس وخبرات الشركات المناظرة لها فى الاقتصادات الناشئة (خاصة فى شرق آسيا).
ولعل أمام الشركة الوطنية خيارات ثلاثة رئيسية: إما المنافسة المباشرة، وإما المنافسة غير المباشرة، وإما التعاون مع الشركات العالمية (وهو يختلف بالطبع عن خيار التسليم).
(1) ففى حالة اختيار الشركة الوطنية للمنافسة المباشرة، تكون قد اختارت التحدى والاستقلال وتعظيم مواردها وأصولها التنافسية القائمة بالفعل. وقد تنطوى هذه الاستراتيجية على المنافسة بالسعر الأقل أو المنتج الأجود. ويعتمد هذا على مدى قدرة الشركة المحلية فى الوصول إلى توليفة إنتاجية رخيصة السعر، أو تقديم منتج ذى جودة منفردة أو ينسجم مع أذواق القطاع الأكبر فى السوق المحلية. والتحدى هنا هو أن تتمكن الشركة الوطنية من الاستفادة من موارد خاصة لا تستطيع الشركة العالمية التمتع بها أو الحصول عليها بتكلفة بسيطة، وهو الأمر الذى قد يعادل ما تتمتع به هذه الشركات من إمكانات تقنية ووفورات الإنتاج الكبير.
(2) خيار المنافسة غير المباشرة، ويمكن اللجوء إليه فى حالة صعوبة الخيار السابق. ومن أمثلتها تركيز الشركة المحلية على تصنيع المنتجات الثانوية وشديدة التجزئة التى لا تستطيع الشركات العالمية الاستفادة من وفورات الإنتاج الكبير فيها، ومن ثم تتركها كثغرة يمكن للشركات المحلية ملؤها. كما يمكن للأخيرة التركيز على المجالات ذات الأهمية القليلة جداً للشركات العالمية، مثل استهداف قطاعات من السوق تفضل الشراء بالتقسيط او الحصول على منتج رخيص بغض النظر عن جودته. كما يمكن للشركة المحلية إمداد الشركات الاجنبية الموجودة فى بلدها ببعض المنتجات المكملة لها (مثل العبوات والكماليات وبعض المكونات...) وبأسعار ملائمة وأشكال مناسبة للذوق المحلى، الأمر الذى يجعل هذه الشركات تفضل الحصول عليها من السوق المحلية عن استيرادها أو إنفاق استثمارات جديدة من أجل إنتاجها. ومن أمثلة المنافسة غير المباشرة أيضاً أن تستهدف الشركة المحلية التصدير إلى أسواق لا نفوذ فيها للشركات العالمية، مثل الجاليات من أصل وطنى والموجودة فى بلدان أخرى وتستهلك سلعاً ذات مواصفات خاصة، وكذا الأسواق القريبة جغرافياً وتضم مجتمعات مماثلة للمجتمع المحلى.. الخ.
(3) أما الخيار الثالث أمام الشركة الوطنية فهو خيار التعاون مع الشركة العالمية. ومن أمثلة ذلك الحصول على عقود توريد طويلة الأمد، أو عقود من الباطن، أو عقود إدارة، أو اتفاقيات تعاون إنتاجى أو توزيعى أو تقنى، أو الحصول على رخص بإنتاج سلع معينة أو أنشطة تكميلية.
وجدير بالذكر أن الشركات العالمية لا تقبل بخيار الشركة المشتركة إلا إذا كان هناك ما تستفيده، مثل قنوات وخبرات تسويق محلية، أو تحقيق نفوذ فى المجتمع المحلى.. الخ. وفى هذه الحالة يجب على الطرف الوطنى أن يحرص على اكتساب المعارف التقنية والتسويقية، وأن تكون لديه آلياته الخاصة بالبحث والتسويق حتى لا يصبح فى موقع التابع الضعيف. كما يجب ألا يضحى بكل أصوله الخاصة لأن الشريك الأجنبى غالباً ما سيفضل فى هذه الحالة أن يتخلص من الشركة كلها بمجرد أن ينال ما يريده.
ومن الواضح أيضاً أن الشركات المشتركة يمكن أن تفيد الطرف المحلى فى اقتسام المخاطر سواء فيما يتعلق بإنتاج سلع جديدة أو فتح أسواق إضافية كما أنه يمكن أن يفيد أيضا من شبكات التسويق العالمية للشركة الأجنبية. وإن كان هذا كله فى الحقيقة محفوف بالمخاطر، ويتطلب أن يكون لدى الطرف المحلى عقلية إدارية متطورة ومرهفة.
أما الحصول على الرخص والتصاريح فقد يكون أسرع طريقة للحصول على المعرفة التقنية برسوم، وربما يكون وسيلة ناجعة للوصول إلى الأسواق العالمية.

موارد غير مباشرة
هناك موارد ومصادر أخرى غير مباشرة يجب على الشركة المحلية أن تكون على دراية بها أولاً، ثم تحاول تعظيمها لتقوية موقفها التنافسى وربما التفاوض مع الشركات الأجنبية.
فهناك مثلاً الأصول المتعلقة بالسوق. فالشركة المحلية قد تتمتع بصلات مستقرة مع الموزعين والعملاء، وهى بمثابة أصل استراتيجى للشركة خاصة إذا ارتبط بعلامة أو سلعة تجارية معينة. أما الشركة الأجنبية فقد تضطر إلى إنفاق أموال باهظة لاكتساب الخبرات التسويقية فى السوق المحلية أو بناء شبكات توزيع كقوة خاصة بها. وينطبق هذا بشكل خاص فى البلدان الفقيرة حيث يكون عدد الموزعين محدوداً، وتكاد تكون علاقتهم بالشركة المحلية مباشرة وشخصية. وبقدر ما يستخدم هذا العنصر فى المنافسة مع المستورد، فإنه يصلح أيضا لتقوية المركز التفاوضى فى حالة اختيار التعاون.
والأمر نفسه ينطبق على الأصول المعرفية التى تراكمت لدى الشركة المحلية عبر عشرات السنين، خاصة فيما يتعلق بإنتاج سلعة ملائمة لذوق محلى .كما أن لدى الشركة المحلية دراية أكبر فيما يتعلق بأدلة العمل والهياكل القانونية والثقافة المحلية، فضلاً عما تملكه بالفعل من رسومات ووصفات وابتكارات تقنية محلية.
كذلك يجب على الشركة المحلية أن تستفيد مما لديها من أصول مادية، مثل الأراضى والعقارات وامتيازات الحصول على الموارد- إن وجدت- وتصاريح البناء وغيرها.. لتحسين موقفها التنافسى أو التفاوضى مع المنافس الأجنبى، ذلك أن الأخير قد يرى عدم إنفاق استثمارات كبيرة فى هذه الأصول يتم تحميلها آخر المطاف على سعر المنتج.
أما ما تسمى بالأصول الاجتماعية فهى نادراً ما تلقى اهتمام القائمين على الإدارة فى المشروعات الوطنية. ويقصد بها كم ونوع العلاقات المباشرة وغير المباشرة التى كونتها الشركة المحلية مع الفاعلين الموجودين فى البيئة الاجتماعية عامة، وليس فى السوق وحدها. خاصة إذا بنيت هذه الصلات على أساس الثقة وتبادل المنافع والفهم المتبادل والتعاطف الإيجابى، وربما النزعة الوطنية أيضاً.
ترى إلى أى حد يمكن أن ينجح المدير الوطنى فى تعظيم ما لديه من أصول وموارد، وأن يصل إلى الخيار السليم فيما يتعلق بالمنافسة مع الشركات الأجنبية التى أخذت تغزو بلاده وأسواقه بمنتجاتها ورؤوس أموالها؟
إن هذا يتوقف أولاً على وجود سياسة حكومية مواتية، ثم على وجود وعى إدارى مبنى على العلم ومتسلح بالروح الوطنية... وأيضاً الغيرة المهنية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - وزير التموين: سنكون سعداء لو طبقنا الدعم النقدي


.. كلمة أخيرة - وزير التموين: صندوق النقد لم يطلب خفض الدعم.. و




.. منصة لتجارة الذهب إلكترونياً بالحلال


.. البنك المركزي اليمني يوقف التعامل مع 6 بنوك لم تلتزم بقرار ن




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 1–6-2024 بالصاغة