الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انها الطائفية يا احمق

سمير عادل

2011 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في نقد تفسيرات الليبراليين لجذور الطائفية في العراق

ليست حادثة النخيب الاجرامية هي الوحيدة التي تعيدنا الى أجواء الطائفية لتخييم بضلالها على المجتمع. فقبلها كانت حملة التهجير الطائفي في مناطق المشاهدة والدولعي والحرية في بغداد وحملة المداهمات في منطقة اليوسفية وعشرات الحوادث الاخرى التي تم التعتيم الاعلامي عليها. وكلما تصاعد منحني الصراع المحتدم بين الاطراف السياسية حول حقائب الوزراء الامنيين ومجلس السياسات الاستراتيجية كلما احتقنت اجواء المجتمع بالطائفية.
الا ان المثقفين الليبراليين بدلا من ان يوجهوا سياط نقدهم الى العملية السياسية التي ارست اساسها على المحاصصة الطائفية والقومية والاثنية، يبررون اسباب الصراع الطائفي ويعودون بها الى ان المجتمع العراقي لم ينجح في انتاج هوية اكبر من الهويات الطائفية والقومية في العراق. اي بعبارة اخرى لم تنتج هوية (وطنية) تعلو على بقية الهويات. ويعود ذلك حسب قولهم بأن المجتمع العراقي مقسم تاريخيا على اسس طائفية (سأركز هنا على التقسيم الطائفي) ويستشهدون كثيرا بما قاله الباحث (علي الوردي) عن المجتمع العراقي.
ليس هناك من ينكر وجود الاثنيات والطوائف في العراق، ويمكن القول ايضا لا ينكر وجود بعض الطائفية المذهبية وبعض نزعاتها على الصعيد الاجتماعي بعد تأسيس دولة العراق الحديثة في 1921. ومع المقارنة بين المجمتع العراقي والمجتمعات الاخرى، فليس هناك مجتمع في العالم الا ما ندر يخلو من الطوائف والاديان والاثنيات والقوميات.
ان الصراع السياسي في العراق بعد تاسيس الدولة الحديثة لم يكن صراع طائفيا ابدا ولا يستطيع اي باحث او مؤرخ او مفكر يثبت عكس ذلك. كان النظام السياسي في العراق ملكيا ويستند دعامته على طبقة التجار والملاكين الكبار والاقطاع التي كان لها احزابها السياسية ودافعت عن المصالح الاقتصادية والسياسية لهذه الطبقة. والصراع مع هذا النظام خاضه صعود (البرجوازية الوطنية) التي انعكست مصالحها الاقتصادية والسياسية ايضا في الاحزاب القومية والبعثية والشيوعية. اي ان الصراع السياسي قبل سقوط الملكية في العراق لم يكن صراعا مذهبيا وطائفيا بل كان صراعا بين الاحزاب السياسية المدنية حول من يستطيع ان يقود العراق على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في خضم الحرب الباردة التي وضعت قواعدها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945. وكان الصراع واضح جدا بين القوميين والبعثيين والشيوعيين بعد انقلاب تموز 1958، والذي وكان صراعا مخضبا بالدم حول البرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وكانت المؤسستين الدينيتين الشيعية والسنية موحدة تجاه الصراع السياسي في العراق عندما دعمتا الاقطاع ومن ثم عندما دعمتا انقلاب 8 شباط 1963 ضد الشيوعيين. وعلى الصعيد الاجتماعي وقفت الجماهير الفلاحية والكادحة في العراق في تناقض مع المؤسسة الدينية ومرجعيتها. فالفلاح الذي كان يجلده الاقطاعي في الجنوب ويعيش على حافة الحياة وجد نفسه على تناقض مع مرجعيته الشيعية التي حرمت الوقوف بوجه من يسلبه عيشه ويجلده في الوقت الذي ينعم الاقطاع بالنعيم الذي انتجه الفلاح. فقانون الاصلاح الزراعي الذي اصدره النظام الجمهوري الجديد وضع الفلاح وجها لوجه امام الاقطاع والمرجعية الشيعية التي حرمت المس باراضي الاقطاع. وكذلك فتوى نفس المرجعية (محسن الحكيم) بأن الشيوعية ((كفر والحاد)) ليضع العامل والفلاح وبقية الشرائح الاجتماعية المسحوقة وجها لوجه امام هذه الفتوى وامام (مرجعيتها الدينية) التي لم تلاقي اذانا صاغية في ذلك الوقت، اذ ان الشيوعية امست في المجتمع راية ضد الاقطاع والاستعمار ومرادفة للعدالة والمساواة والصرخة ضد اشكال الظلم، مع الاخذ بنظر الاعتبار نسبة الامية في العراق وتقدم تكنولجيا المعلومات وانتشار الفضائيات والصحف..الخ قياسا مع هذا الوقت الذي نعيشه الان. وبموازاة تشريع قانون الاصلاح الزراعي سن قانون الاحوال الشخصية الذي يعتبر العديد من بنوده تقدمية بكل المعايير مع قرار 137 الذي اصدره محمد باقر الحكيم عندما ترئس مجلس الحكم والغاه بول بريمر بعد ذلك وقانون الاحوال الشخصية الذي يعمل به اليوم في العراق . وقد ادى القانونيين المذكورين الى اصطفافات اجتماعية عميقة في المجتمع. اي اصطفت المؤسسة الدينية الشعية والسنية بشكل واضح مع القوى القومية والبعثية ضد القوى الشيوعية والعلمانية والثورية والتحررية في المجتمع. اي بعبارة اخرى كان هناك اصطفاف سياسي واجتماعي في المجتمع العراقي لم يستند على الصراع المذهبي الطائفي. وكما ذكرنا ان الطائفية المذهبية كانت موجودة في المجتمع العراقي وستبقى اسوة بالمسيحية واليزيدية والصابئة وان كانت بدرجات مختلفة.

ولا يقف المثقفون الليبراليون عند حدود (علي الوردي) بل يذهبون ابعد من ذلك، بأن نظام البعث كان طائفيا ويستشهدون بقمع النظام البعث للشيعة او عدم تبوء الشيعة مناصب سياسية مهمة في الدولة..الخ.
ان نظام البعث هو نظام قومي وقبل سقوطه في 9 نيسان 2003 كان عدد اعضاء قيادته القطرية من المصنفين الشيعة هو 26 من اصل 51 اي نصف زائد واحد. وان عدد المطلوبين من قبل الادارة الامريكية حسب ورق البوكر التي طبعت عليها الاسماء ووزعت بشكل واسع هو 35 من المصنفين الشيعة من اصل 55. وان قمع النظام امتد الى جميع الشرائح الاجتماعية في المجتمع وان حملة الابادة التي بدئها نظام البعث لم تكن ضد الشيعة بل ضد الكورد الفيلين ثم ضرب حلبجة بالقنابل والصواريخ الكيمياوية وبعد ذلك حملة الانفال التي اختفى معها اكثر من 180 الف طفل وامرأة وشيخ وشاب فقط لانهم يتكلمون اللغة الكردية ومحيت اكثر من 3000 قرية من على وجه الارض. ولا داعي لذكر قتل زوج بنته حسين كامل بشكل علني ثم قمع احتجاجات مدينة الانبار التي انتفضت ضد اعدام احد ضباطها (محمد مظلوم) عندما اتهمه نظام صدام بتدبيره محاولة انقلابية. اي تعامل نظام البعث مع جميع شرائح الشعب بالقمع المتساوي مثل اسنان المشط. واذا كان الطائفيون يسوقون دلائل على طائفية النظام من خلال اعدامه اعضاء من حزب الدعوة ومن عائلة الحكيم، فعليهم ان لا ينسوا ابدا بأن نظام البعث اول من استخدم احواض الاسيد في مطلع السبعينات من القرن الماضي ضد الشيوعيين وقتل واعدم واختطف واغتيل ونفى اكثر من 100 الف شيوعي وقومي وديمقراطي..

ان المثقفين الليبراليين يثبتون عجزهم عن تفسير وجود الطائفية في العراق عندما يعودون بها الى تاريخ المجتمع العراقي. ويتحول هذه العجز بالتفسير الى محاولة لخلق حالة للتسليم بها في المجتمع. والاكثر من هذا انهم يطرحون حلول اخلاقية لمعضلة الطائفية في العراق من قبيل ان (الديمقراطية) في العراق نائشئة ويحتاج العراقيون الى وقت لانتاج هوية تجمع الكل. وكأنهم يتحدوثون عن اكلة (البرياني) او (الدولمة) التي تحتاج الى وقت كي (تستوي) المواد في داخلها. وانهم شاؤوا ام ابوا فأن تفسيراتهم تصب في مصلحة القوى الطائفية الموجودة في العملية السياسية.

ان الطائفية السياسية التي اسس لها في مؤتمر لندن عشية اعلان الحرب على العراق، ورسخها بول بريمر في تاسيس مجلس الحكم، تعني النفوذ والامتيازات، تعني عقود من النفط والاعمار وصفقات الاسلحة والمقاولات، تعني الفيلات والقصور والحسابات في البنوك الاجنبية. ان نظام هويات المحاصصة في العراق يدر ارباحا طائلة اكثر بما لا يقاس او يقارن من نظام الهوية الواحدة. ان الطائفية مثل القومية كالفيروسات الذي تدخل السبات وفي حالة توفر الاجواء لها تتحول الى وباء. وهكذا كان حال القوميات المتعايشة بسلام ووئام في يوغسلافيا والجمهوريات السوفيتية القديمة لعقود من الزمن حتى سنحت الفرصة وتهيئت الاجواء كي تستغلها الاحزاب القومية وتحول البشر في تلك المناطق الى وقود لحروبها غير المقدسة. ان نقد النظام المحاصصة والقضاء عليه هو طريق الامن والامان والاستقرار وانتاج هوية يتمتع تحتها جميع العراقيين بشكل متساوي على جميع الاصعدة يحتاج الى قوة ثورية تؤمن بأن الانسان هو اعلى قيمة واغلى راسمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه لـ سمير عادل
قاسم هادي ( 2011 / 9 / 28 - 01:32 )
مقال واف، اما العنوان يا عزيزي محسن فأظنه صعقة لتوقظ المثقفين من سباتهم الأزلي ويتوقفوا عن قول -العراقيين غير جاهزين للديمقراطية... وهذا ليس أوان الشيوعية...- وبقية الخرافات التي يعيشون فيها

اخر الافلام

.. انتخابات إيران الرئاسية: خامنئي يحث الناخبين على التصويت في


.. الحكومة الجديدة في مصر تؤدي اليمين الدستورية • فرانس 24




.. الانتخابات النيابية الفرنسية: نتائج الجولة الأولى في ميزان ا


.. مقتل قيادي بارز في حزب الله بغارة إسرائيلية استهدفت سيارته ب




.. #مصر.. إغلاق مبكر للمحال التجارية عند العاشرة مساء #سوشال_سك