الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قفص مبارك مازال به متسع لآخرين

هانى جرجس عياد

2011 / 9 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يوم الأحد 30 يناير 2011، بث التلفزيون المصرى الرسمى المصرى نبأ زيارة الرئيس المخلوع لغرفة عمليات القوات المسلحة بحضور اللواء عمر سليمان، والمشير طنطاوى والفريق سامى عنان، وعدد من كبار القادة العسكريين، وفى الفيلم القصير الذى صاحب النبأ، بدا المخلوع متوسطا نائبه، على اليمين، ومشيره، على اليسار، حيث بدا أن الثلاثة يشاهدون على شاشة عرض أمامهم شيئا ما (ربما صور الميدان ومئات الألوف من المتظاهرين)، ويتبادلون الإشارة إلى ما هو معروض أمامهم (ربما مداخل ومخارج الميدان).
وأغلب الظن أن هذه هى الزيارة التى طلب خلالها الرئيس المخلوع من رجاله فى المؤسسة العسكرية استخدام القوة لفض المظاهرات، وهو طلب طبيعى من «رئيس» يواجه ثورة أفقدته ما تبقى لديه –بحكم السن- من قدرة على التفكير، لكن يبدو أن رجال المؤسسة العسكرية كانوا يدركون أن مواجهة شعب ثائر بالقوة أقرب ما تكون إلى مقامرة، وليست مغامرة، خاسرة فى كل الأحوال، وربما يكون الأفضل أن يتولى طرف ثالث مهمة استخدام القوة لتفريغ الميدان، والقضاء على الثوار.
والحاصل أن الرئيس خرج من هذه الزيارة أكثر اطمئنانا، وراح يمارس أعماله الرئاسية، ومن بينها –فى ذلك اليوم-استقبال عدد من المحافظين الجدد لأداء اليمين الدستورية.
لا أظن أن أحدا يستطيع أن يقطع باليقين ما إذا كانت مصادفات الأقدار وحدها هى التى جاءت بموقعة الجمل بعد هذه الزيارة بثلاثة أيام فقط، لكن ما حدث أنه فى اليوم التالى لهذه الزيارة، وقبل موقعة الجمل بيومين، خرج علينا اللواء الفنجرى ليعلن أن القوات المسلحة لن تستخدم القوة ضد الثوار، دون أن يترافق ذلك بتعهد مماثل بحماية الثورة، حيث أن عدم الاعتداء شيء والحماية شيء آخر تماما. لذا لم يكن موقف الحياد المهين الذى التزمت به القوات المسلحة أثناء موقعة الجمل، وقد بلغ فى بعض المواقف خد التواطؤ، مناقضا، لما تعهدت به.
وربما كان ملفتا للانتباه أن تنخرط المؤسسة العسكرية مع أطراف النظام الأخرى، فى عزف سيمفونية «المطالب المشروعة للشعب»، حسبما أكد اللواء إسماعيل الفنجرى يوم 31 يناير، واللواء عمر سليمان يوم 3 فبراير (فى أول حديث تلفزيونى له أجراه عبد اللطيف المناوى)، وبمشاركة عازفى وسائل إعلام أنس الفقى، وخبرائهم الإستراتيجيين.
وعلى مدى أيام الثورة الثمانية عشر، بذلت المؤسسة العسكرية جهودها لإنقاذ النظام (والرئيس) من السقوط (إشاعات اللواء الروينى ومحاولاته المستميتة لفتح ميدان التحرير يوم 5 فبراير نموذجا)، لكن نَفَس الثوار كان أطول كثيرا من نَفَس النظام. وأمام رئيس يتسم بالبلادة والعنجهية، كان أن وصلت البلاد إلى حافة انهيار شامل (بدءا من يوم 8 فبراير)، عندها أيقنت المؤسسة العسكرية أنه لا مناص من التضحية بالرئيس حفاظا على النظام.
وهذا ما كان، حيث خرج الرئيس من القصر الجمهورى إلى شرم الشيخ مصحوبا بدعاء رجاله فى المؤسسة العسكرية ولعنات ملايين المصريين.
واستقر الأمر للمشير وجنرالاته.
وأظن أن علينا أن نعترف، الآن وبعد ثمانية شهور من حكم العسكر، أن المشير وجنرالاته قد استطاعوا إرهاقنا بالتفاصيل، بعدما أدخلوا مجتمعا، يعيش حالة انفلات أمنى مستمر، فى سلسة معارك لا تنتهى حول التفاصيل، بدءاً من مهزلة الاستفتاء على التعديلات الدستورية وتوابعه، وصولا إلى قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر، والإعلانات الدستورية المكملة.
الشيطان يمكن فى التفاصيل، عندما نتعامل معها بالقطعة، ونعتبر كل منها قضية حياة أو موت، لكن إذا ما استطعنا تجميع التفاصيل لنرى الصورة الكاملة، يمكننا عندئذ أن نمسك «الشيطان» متلبسا بجريمة محاولة إجهاض الثورة والالتفاف عليها.
وقدرة الجنرالات على الزج بالمجتمع فى معارك لا تنتهى حول التفاصيل، لا تعنى أنهم نجحوا فى اختطاف الثورة، وضمان الاستقرار لنظام مبارك، بل هى انعكاس حقيقى لأزمتهم التى لا مخرج لهم منها.
جوهر أزمة الجنرالات أنهم جلسوا فى مواقع الثوار، بينما هم من الفلول، أو من أصطلح على تسميتهم «المتحولون». وهو موقف مختلف عن كافة أنواع «المتحولون»الآخرين، حيث أن الجنرالات وحدهم من يصنع القرار، فكان عليهم أن يتحدثوا بلسان الثورة ويمارسوا سياسات النظام، وهنا مكمن الأزمة.
بدأ الجنرالات عهدهم بالحكم بالإعلان عن انحيازهم للثورة والثوار وشعب مصر العظيم والتعهد بإنجاز كل مطالب الثورة، ومع ذلك لم يترددوا لحظة واحدة فى الإبقاء على مرتكزات نظام مبارك الذى كان –ولم يزل- مطلب إسقاطه على رأس مطالب الثورة، بل لم يتورع الجنرالات عن استخدام القوة لحماية من استدعت الضرورة حمايته (اقتحام الشرطة العسكرية لكلية الإعلام لحماية عميدها - نموذجا)، بينما راحوا يترصدون -فى نفس الوقت- للثورة والثوار (12 ألف شاب معتقل ومسجون بقرارات وأحكام عسكرية، وجريمة كشف العذرية، على سبيل المثال لا الحصر).
بمضى الوقت، ومع استعادة بقايا النظام بعض توازنه، وإعادة تنظيم صفوفه، مستغلا المساحات الواسعة التى أتاحها له الحكم العسكرى، شهد خطاب الجنرالات تحولا نوعيا، فلم يعودوا منحازين للثورة والثوار وشعب مصر العظيم، بل وقفوا على مسافة واحدة من جميع القوى، بما فيها بقايا النظام بالطبع.
وقع الجنرالات فى مأزق المسافة بين سياساتهم المعادية للثورة حتى النخاع، وحرصهم الشديد على تحويلها إلى مجرد تغيير رأس النظام من جانب، وخطابهم المعلن الذى لم يصل إلى حدود معاداة الثورة صراحة بل بقى متأرجحا بين الانحياز لها والوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى من جانب أخر، وهم يعيدون الرهان على قصر نفس الثورة والثوار، رغم أنهم كانوا شهودا، قبل بضعة شهور فقط لا غير، على سقوط هذا الرهان.
وفى ظنى أن هذا المأزق يعود إلى أن الجنرالات لم يستوعبوا أهم إنجازات ثورة 25 يناير، وهى انتصار الإنسان المصرى على ذاته، وكسر كل حواجز الخوف التى كبلته لسنين طويلة، وهو الإنجاز الذى لن يستطيع أحد أن يسرقه أو يلتف عليه.
قد ينجح الجنرالات، ومن لم يزل يراهن عليهم ويلعب معهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، فى الالتفاف على بعض مطالب الثورة، بهذا القدر أو ذاك، وربما ينجحون فى اختطاف البرلمان، أو السلطة التنفيذية أو حتى رئاسة الجمهورية، لكن المؤكد أنهم سيسطرون فشلا تاريخيا غير مسبوق فى اختطاف مصر من أبنائها مرة أخرى. وربما كان من حسنات بث محاكمة الرئيس المخلوع على الهواء مباشرة، أن يشاهد الجميع كيف أن قفص الاتهام مازال به متسع لآخرين.
لقد نفذ رصيد المشير وجنرالاته، وعلى من لم يزل يراهن عليهم أن يتحمل مسئولية رهانه، ومن لا يصدق فليتذكر فقط، والذكرى تنفع المؤمنين، أنه صباح يوم 25 يناير عام 2011، لم يكن أحد يصدق أن «الرئيس الحالى»، سوف يصبح بعد أيام قليلة رئيسا مخلوعا متهما بالفساد والاستبداد. أما السادة الجنرالات، فلعلهم يلاحظون أن كل أصدقائهم فى نظام مبارك واجهوا تهم الفساد والاستبداد بعد خروجهم من السلطة مطرودين، وقد كان أمامهم طريق الخروج الكريم الآمن.
ليس مطلوبا إزاحة العسكر بالقوة، لكن المطلوب أن تمتد كل الأيادى الحريصة على الثورة ومطالبها، أكثر من حرصها على مصالحها الخاصة ومكتسباتها الآنية، لتلتقى عند نقطة الإسراع بانتخاب سلطة مدنية تتسلم الحكم وتعيد العسكر إلى ثكناتهم، وليدير الشعب صراعه الديمقراطى النزيه حول أسلوب الحكم ومقوماته، بعيدا عن «الفلول» و«المتحولون»، من بقايا نظام مبارك.
الشعب انتصر على ذاته وكسر حاجز الخوف والسلبية، هذا هو الدرس لمن يريد أن يتعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع


.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة




.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت


.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا




.. بلا مناصب رسمية.. أدوار مهمة لـ-السيدة الأولى- في الدول المخ