الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت سقف السماء الأولى

محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد

2011 / 9 / 29
الادب والفن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( في أثناء الشروق والغروب ، في وضح النهار وحلكة الليل أعيش ذلك الشعور بأنني عاجلاً او آجلاً سأعود الى وطن الأجداد )
مياسة داغستاني / نيوجرسي / الولايات المتحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بلا مبالاة واضحة كانت الغيوم المتفرقة تنتقل على صفحة السماء الزرقاء ، فيما كانت قمم الجبال المرصعة بالثلج الناصع تعانق بعض هذه الغيوم بمودة ظاهرة ، وعلى الأرض كانت السيارة (الميني باص) الأنيقة تتصدى للطريق المبلط الملتوي والممتد نحو المرتفعات ببطء حذر لكن بعناء أكيد ، حيث على جانبيه إتخذ الزوار بعض المساحات المكسوة بالعشب الأخضر محطات للإستراحة في طهيرة يوم ٍ رائق .

أتقرب مترنحاً من هول المفاجأة وأنا أطلّ على الوادي السحيق تحت قدمي ، وفي القعر البعيد جداً ، تبدو الموجودات والمنشئات المشيدة ليس أكبر من علبة كبريت وضعت على بعد مئات الأمتار ، وأشعر بالدوار فأعود القهقري الى الوراء خوفاً من السقوط ، فيضحك الآخرون من خوفي !

على منحدرات هذه الجبال وفي اعماق غاباتها الساحرة كنت أشعر ومن معي بأننا لسنا وحدنا ، هنا تجوس أرواح الأسلاف الغابرين الذين قاوموا مدافع الغزاة وبنادقهم ونيرانهم المحرقة بالقامة والسكين ، فسقطوا على هذه المرتفعات كيمامة جريحة تعبت من الرحيل ، فمدت جناحيها وإختارت الرقود على صخرة قريبة !

ويجرفني بكاء مكتوم ، أقر بإستحالة إحتمال هذا الجمال الآخاذ من حولي وأعترف أن الأجداد إنتصبوا أمامي لا يصدقون ما يرونه الآن .. أحفادهم بين ظهرانيهم رغم تباعد الزمان وتخوم الأرض البعيدة جداً !

هنا غير بعيدين عن (مايكوب) في اعماق الجبال المعلقة بسقف السماء الأولى ، أجد أن للون سطوة وحشية وللخوف المسكون والمطبق على المكان عدا كركرات الطفال والصبايا من حوليسطوة أخرى .. هنا يكتسب الحلم صفاته النقي المندلق على اغصان بعض الأشجار المتدلية تحت ثقل الخرق وقطع المشة الملونة المعقودة والتي يشدها القادمون من المدن النائية ، لنيل الأماني كما تفعل النسوة بشناشيل نوافذ الأضرحة المقدسة في بلادنا .

إنني أتلاشى إذ ْ أجد نفسيس أذوبُ رويداً رويداً ، ولولا النسمات الباردة التي تلفح وجهي بين آونة وأخرى لأغمي علي حتماً ، لكنني أقاوم خجلاً ضعفي وكمدي ، واتلوا مع نفسي نشيداً عن الوطن تعلمته وأنا صغير

في رحلة العودة الى مايكوب كنت ُ أسترق السمع الى أصوات ٍ لعلها تعود ، وأسرح بنظري الى القرى المنتشية على السفوح ، لقد أيقنت ُ بأنني تغيرت ُ تماما ً ، وإنني أتدفق ُ كجدول ينساب دون عوائق على جانبي الطريق الهاوي الى الأعماق ، وبأنني فقدت جزءاً مهما ً من جسدي .

حالما ترجلت ُ من السيارة على باب الفندق شعرتُ أن ذلك الجزء المفقود من جسدي بين احراش تلك الغابة المسحورة لن يعود إلي ّ ثانية ، لكنني لم أبتئس !
إذاً عدتُ من غير قلب ، لقد تركته هناك ، وكنت ُ رغم ذلك سعيدا ً !
مايكوب / جمهوية الأديغي 17/ 6/ 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب