الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيلتهم التضخم رواتب الموظفين والمتقاعدين

جميل محمد جميل

2011 / 9 / 29
الادارة و الاقتصاد


المفهوم الكلاسيكي للتضخم هو الارتفاع الحاد والمستمر في اسعار السلع والخدمات اما بمفهومة الحاضر فهو ظاهرة جديدة مرتبطة بالمفهوم القديم وله سمات متميزة لعل اهمها :
- انه ظاهرة عالمية استفحلت مطلع الخمسينات من القرن الماضي وتسارعت بشكل بارز منذ الستينات في بريطانيا فكان مرتبطاً بالبطالة انذاك وبات التضخم يبسط ذراعه الان على معظم البلدان ان لم نقل جميعها ولكن بدرجات متباينة حيث يندرج تحت ذلك النوع التضخم المكبوت المتمثل بصفوف الانتظار الطويلة ورداءة السلع والسوق السوداء وما شابه.
- يبدو ان هذا التضخم الجديد مستمر وطويل مقارنة مع ظواهرة السابقة القصيرة الامد والتي من اسبابة زيادة احجام السيولة النقدية وانحراف القيم الاقتصادية عن القيم النقدية والحروب والازمات وما شابه وطالما استمرت هذه المشاكل فالتضخم يبقى مستمراً و ينجم عن استمرارة الزيادة في المستوى العام للاسعار.
- بسبب العولمة الاقتصادية والمالية اصبحت ظاهرة التضحم شاملة وبحيث ينتقل من بلد الى اخر عن طريق التجارة بالاخص.
- يبدو ان التضخم مرتبط بشكل وثيق مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية اضافة للعولمة المتمثلة بالتصنيع وارتفاع اعداد السكان وتزايد نفوذ نقابات العمال والمنظمات الفئوية المختلفة المقرونة بضعف التنسيق ما بين سياسات الانتاج المادي والسياسات المالية والمصرفية.
فالتضخم اذن ليس بالمشكلة الاقتصادية السهلة فبقدر ما تتعدد اسبابه بقدر ما تتعدد وسائل وطرق معالجته وبالتالي يصعب التنبؤ به على اية حال ولذلك باتت مسائل التضخم تعتبر من المشاكل الاساسية جنباً الى جنب مع مشاكل التنمية والبطالة وتلوث البيئة التي تحيط بعالمنا المعاصر.
وقد ارتاينا عرض هذا الموضوع كمشكلة اساسية باتت مسبباتها تتزايد ويعاني منها عراقنا الجديد المرتبط بشكل وثيق ليس مع ازدياد نسبة البطالة فحسب وانما لارتباطه بجملة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها والتي خلاصتها الهبوط الجامح في الكفاءة الاقتصادية للبلاد على اننا سنقتصر كلامنا على مدى علاقة التضخم الجاري مع مستويات الرواتب التي يتقاضاها فئة من الموظفين الحكوميين و المتقاعدين والذين قد تزيد اعدادهم حالياً عن اربعة او حتى خمسة ملايين شخص في العراق في اغلب الظن.
فمن المعروف ان مستويات الرواتب وصلت الى ادنى حد ابان فترة النظام السابق وحيث بلغ متوسط الراتب الشهري لدرجة مدير او رئيس قسم في اية وزارة على السبيل المثال بحدود 3-4 دولارات شهرياً وبحدود 7-8 دولارات شهرياً لوكيل وزارة وكما نشرته المنظمات والمؤسسات الدولية ابان الحصار الاقتصادي على العراق انذاك (1991-2003) وكما عشناه نحن على حقيقته.
وبعد سقوط النظام السابق اختلفت الامور وبادر مجلس الحكم في النصف الثاني من عام 2003 الى اقرار دفعة كبيرة في رواتب الموظفين وصلت في متوسطاتها المرجحة الى اكثر من (200) دولار شهرياً وبظل الاسعار السائدة قبل اكثر من سنتين بات من المستطاع شراء الطعام والشراب والسلع الراسمالية الثابتة وبشكل ميسر امام هؤلاء الموظفون جميعاً (ولم تكن هنالك اية تعريفات كمركية على الاستيرادات).
ولعل ذلك الوضع اصبح مفرحاً جداً لهذه الشرائح مما حدى بالكثير من شرائح المجتمع للتكالب في سبيل الحصول على الوظيفة الحكومية وهذا الوضع استمر لاكثر من سنة ونصف أي لغاية مطلع عام 2005 بعدها بدا الامر يختلف فقد بدا التضخم يزحف بشكل غير تدريجي او منتظم ولا سيما ضمن قطاع النقل والخدمات المرتبطة بتردي اوضاع الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء ووقود اضافة للسلع الغذائية المستوردة وبات الانتاجين الزراعي والصناعي لا يفيان بمتطلبات الطلب عليهما بسبب تعطلهما بشكل واضح.
كل ذلك مضافاً الى المسببات الامنية نجم عنها تسارع معدلات التضخم في الاقتصاد العراقي وبنسبة تزيد عن 37 % لعام 2004 وحدة كما اوردتها الاجهزة الرسمية لوزارة التخطيط اما التقديرات لعام 2005 فتشير الى ما نسبته بنفس الحدود انفة الذكر هذا ناهيك عن الزيادات الكبيرة الحاصلة في اسعار الوقود والمحروقات والتي من شانها ان تزيد هذه النسبة العالية من التضخم بشكل كبير.
وحيث ان ما يهمنا في هذه المقالة هو الفات النظر حول الاوضاع المعيشية للموظفين والمتقاعدين نستطيع القول وبحسابات بسيطة جداً ان المكاسب (او بالاحرى حقوقهم الطبيعية) التي حصلوا عليها ستتبدد بسبب ان القدرة الشرائية للنقود التي يتقاضونها كرواتب وتخصيصات شهرية ستتلاشى وتاكلها الاسعار المرتفعة في مدة زمنية قصيرة قادمة لا تجاوز السنتين او الثلاث اذا لم تتخذ الحكومة الدائمة الجديدة اجراءات من شانها ضبط جنوح الارتفاعات المستمرة في اسعار مختلف السلع والخدمات وعلى اية حال نرى من الصعوبة بمكان التنبؤ الان بما ستكون عليه نسب التضخم القادمة ولكن تجارب الكثير من البلدان الافريقية التي تعاملت مع صندوق النقد الدولي وكانت اكثر استقراراً هي جديرة بالدراسة والتمحيص وباتت نسب التضخم هنالك ملفته للنظر فهل يا ترى ستتكرر نفس الصورة في العراق الجديد.
ومما يزيد من قلقنا هو استمرار صندوق النقد الدولي في فرض تدابيره الصارمة تجاه الاقتصاد العراقي مع ملاحظة تهاون الحكومات السابقة في مساومتها معه بهذا الصدد ومع عدم ايماننا باصلاح البنى الارتكازية لصناعة النفط في الامد القصير فان الخيارات الاصلاحية المتاحة امام الحكومة الدائمة لا تتعدى سوى الاجراءات التالية لتقليص اثار التضخم وبالتالي تقليص اثار الامتصاص السريع للقدرة الشرائية لرواتب الموظفين والمتقاعدين :
اولاً : رفع رواتب الموظفين والمتقاعدين سنوياً بقدر النسبة السنوية للتضخم ومن أي مصدر مالي كان مع تقليص الفوارق الكبيرة بين رواتب كبار مسؤولي الدولة مقارنة بجموع الموظفين عموماً.
ثانياً : المساومة المستمرة مع صندوق النقد الدولي ومؤسسات المال الدولية لوضع العراق في خانة استثنائية من شروط وتدابير هذا الصندوق وغيره من مؤسسات المال عند الاقتراض لاغراض الاستثمار.
ثالثاً : اتباع سياسات مالية ومصرفية حكيمة تتضمن المرونة في اسعار الصرف والرقابة على عرض النقود والائتمان مع تقليص الانفاق العام غير مبرر.
رابعاً : التحرك السريع نحو تنفيذ مشاريع اعادة الاعمار والبناء من الدول المانحة وتوسيع قواعد النشاط الخاص لتقليص البطالة وتحريك الاستثمار الاجنبي والمحلي على الاقل في المناطق الامنة حالياً.
خامساً : بذل الجهود الجبارة لتنشيط الانتاج الزراعي والصناعي المحلي لزيادة المعروض السلعي (تهدئة لمستويات الاسعار).
واخيراً ان لم تستطع الحكومة من القيام بالاجراءات السابقة ولربما غيرها (مما يقترحه الاقتصاديون والماليون) فسيستمر التضخم وتتصاعد الاسعار وتوكل القدرة الشرائية لعموم الناس ويتضاءل الانتاج المادي (الزراعي والصناعي) وعندها لن تكون هنالك شفاعة وطنية لاية حكومة او فئة سياسية تدعي العدالة وتطوير المجتمع العراقي حتى قبل انتهاء السنوات الاربعة للحكومة القادمة.

أ.د. جميل محمد جميل
خبير اقتصادي الزراعي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة طارق الشناوي يتخلى عن النقد.. مش جاي عشان يجلد حد ب


.. بوتين يغير القيادات: استراتيجية جديدة لاقتصاد الحرب؟ | بتوق




.. رشا عبد العال رئيس مصلحة الضرائب: لا زيادة في شرائح الضرائب


.. مستقبل الطاقة | هل يمكن أن يشكل تحول الطاقة فرصة اقتصادية لم




.. ملفات اقتصادية على أجندة «قمة البحرين»