الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول البلطجية و البلطه جي و بلنطجني أو تسخير فتوة الشباب للهدم أو البناء

يوسف نكادي

2011 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


دخلت كلمة البلطجية إلى قاموسنا اللغوي نحن المغاربة بمناسبة تتبعنا لمجريات الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر في نونبر- دجنبر 2010. فقد حدثت خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الجولتين الأولى و الثانية من تلك الانتخابات أعمال عنف و اعتداءات على مرشحين و ناخبين قام بها مجموعة شباب نعتهم بعض الساسة و بعض الصحفيين المشاركين في تغطية تلك الانتخابات "بالبلطجية".
و أخذت الكلمة تستعمل بكثافة من فبل مذيعي القنوات الفضائية المصرية و مراسلي بعض القنوات الخليجية أسابيع قليلة بعد بداية اعتصامات ميدان التحرير بالقاهرة. و اتضح لدى المتلقي و مشاهد القنوات بشكل خاص البعد الإجرائي للكلمة بعد أن تناقلت مختلف المحطات ذلك المشهد المأثور، الذي ظل حديث المجامع لفترة طويلة. و أعني هنا حادث اقتحام ميدان التحرير من قبل مجموعة شباب يمتطون الخيول و الجمال أتوا لترهيب و تعنيف جموع المعتصمين و المعتصمات.

و اتضح بعد التحريات بأن المهاجمين تحركوا بإيعاز من بعض أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يحكم البلاد آنذاك. كما اتضح أيضا بأن المهاجمين كانوا معروفين لدى الدوائر الأمنية؛ معظمهم من ذوي السوابق، أو من العناصر النشطة في الأوساط التي تتعاطى لتجارة المخدرات أو التي تنشط في مجال الجريمة المنظمة.
ينعت المصريون هجمات "واقعة الجمل" و عمليات الترهيب و التعنيف التي حدثت بمناسبة الانتخابات التشريعية "بالبلطجة"، و يطلقون تسمية "البلطجية" على أبطالها. و "البلطجية" هم عبارة عن مجموعات من الشباب الأقوياء، موزعين على شكل فرق مدججة بالسلاح الأبيض. يمتهن هؤلاء الشباب الترهيب و التعنيف المؤدي أحيانا إلى الموت، و ينشطون في مناسبات خاصة كالتجمعات و الاعتصامات و المظاهرات بإيعاز من بعض الخواص أو بإيعاز من بعض القوى السياسية أو القوى الاجتماعية مقابل أجر.
يذهب الباحثون القلائل الذين تناولوا موضوع البلطجية في مصر إلى القول بأن هذه التسمية ذات أصول قديمة نسبيا تعود إلى العهد العثماني. فقد أشرفت على إدارة الإمبراطورية العثمانية ، في المركز كما في الولايات، مؤسسات إدارية و عسكرية كثيرة ضمت عددا كبيرا من الموظفين، الذين لا زالت أسماء بعض وظائفهم متداولة إلى يومنا هذا في الوطن العربي مثل الباشا و الجمركي و الشاويش... كما أن بلاط السلطان كان يضم بدوره جيشا عرمرما من الموظفين و الخدام من بينهم المرقدار وهو الخادم المكلف بمطابخ البلاط و الشانجي باشا حامل الأختام السلطانية و حكيم باشا طبيب السلطان و قفطان أغاسي المسؤول عن ألبسة و هندام السلطان و البلطه جي ، و هو شخص يحضر جلسات السلطان يحمل بلطة قد يحتاج إليها السلطان لتأديب أحد الحضور. و الحقيقة أن عملية التأديب كان من الممكن أن تتم بغير استعمال البلطة، التي كانت عبارة عن أداة حادة شبيهة بالساطور، كما كان من الممكن أيضا أن لا يحتاج استعمالها إلى قوة بدنية، و مع ذلك، فقد كان يشترط في الشخص الذي توكل إليه مهمة حملها و استعمالها أن يكون طويلا قوي البنية ربما بقصد الترهيب. كما هو الشأن اليوم في مدننا حيث توكل مهمة حراسة بعض الوكالات البنكية أو الملاهي الليلية إلى شباب أقوياء البنية، رغم أن السلاح الناري الذي يتوفرون عليه أو درايتهم بفنون القتال قد تغنيهم عن القوة الجسمانية.

و على أي، فان فتوة بلطجي البلاط الغير وظيفية قدر لها يوما أن تكون بناءة إلى حد ما في شخص أحدهم يدعى بلطجي محمد باشا، الذي شغل منصب الصدر الأعظم في عهد السلطان أحمد خان الثالث الذي حكم الإمبراطورية العثمانية بين سنتي 1703 و 1730.
فقد اشتهر بلطجي باشا بقوة شكيمته و حبه للجهاد في سبيل الله و الوطن. و شاءت الظروف أن تنشب خلال فترة توليه مهام الصدر الأعظم حرب بين العثمانيين و الروس، فقاد جيوش بلاده في تلك الحرب التي مالت فيها الكفة لصالح العثمانيين. و كان من الممكن، حسب شهادة المؤرخين، أن تنتهي وقائعها بنصر بين يعزز موقع الإمبراطورية في علاقاتها مع أقطار أوربا، غير أن بلطجي محمد باشا فضل الاكتفاء بما تحقق من مكاسب و لجأ لتوقيع معاهدة صلح فلكزن 1711 التي وضعت حدا لتلك الحرب و وزعت أهل النظر في بلاده بين فريق مؤيد للإجراء و فريق معارض له. فرجحت كفة الفريق المعارض و ترتب عن ذلك عزل بلطجي الصدر الأعظم المحارب و نفيه.

و إذا كان مصير البلطجي العثماني قد انتهى بهذه الصورة المؤلمة دون أن يكتمل البناء، فان بلنطجنيا من إحدى مقاطعات غالة أو غاليا (أي فرنسا الحالية) قدر له أن يحقق مجدا ما بعده مجد لعائلته و لبلاده .
و تفصيل الأمر هو أن فولك الخامس (Foulque V) الذي كان على رأس قمطية أنجو (Anjou) و في نفس الوقت ملكا يدير مملكة بيت المقدس رزق سنة 1113 م. بمولود ذكر سماه جوفروا (Geoffroy).
و قد تدرب هذا الأخير منذ صباه على فنون الحرب و القتال، شأنه في ذلك شأن الذكور من أبناء الأسر النبيلة. فأبان منذ نعومة أظافره عن قوة و شكيمة لافتتين سواء أثناء عمليات التدرب على استعمال السلاح أو خلال رحلات القنص التي كان يقوم بها بمفرده أو بمعية رفقائه و أصدقائه. و بما أنه كان يخرج للقنص كثيرا و يخترق نطاقات غابوية تغطيها أنواع كثيرة من الأشجار و الشجيرات و النباتات، فقد أعجب بجنس من تلك الشجيرات يعرف "بالجني" (le genêt) المنتمي لفصيلة الفباصيا (Fabaceae) و المعروف في الأوساط العلمية باسم Planta genesta . فانتزع يوما غصنا من شجيرة زين به خوذته. و منذ ذلك اليوم دأب على القيام بنفس العملية و لم يعد غصن الجني يفارق خوذته و كل غطاء يتخذه على رأسه حتى أن خاصة و عامة قمطية أنجو أصبحوا يلقبونه بجوفروا بلنطجني (Geoffroy Plantagenêt).
و تفيد الروايات بأن فتوة و شكيمة بلنطجني بدأتا تأتيان أكلهما منذ أن بلغ سن الخامسة عشرة عندما اقترح عليه أبوه الاقتران بماثيلدا (Mathilde) ابنة هنري الأول ملك انجلترا و أرملة هنري الخامس إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة رغبة من الأب في وضع حد للصراع الدائر منذ أمد بين فمطية أنجو و دوقية نورمانديا التابعة للتاج الأنجليزي .
و الواقع أن المصاهرة لم تفض إلى إصلاح ذات البين كما لم يحقق الزوج من وراءها مكاسب مادية أو معنوية آنية، بل إن بلنطجني وجد نفسه يربط مصيره بمصير امرأة تكبره بإحدى عشرة سنة و مجردة من أي شيء. فقد تدخلت الأسر الأرستقراطية الأنجلو- نورماندية بكل ثقلها لدى الأسرة الحاكمة في انجلترا لحرمان ماثيلدا من تركة أبيها التي آلت إلى ابن عمها. فحز ذلك في نفس زوجها الذي اضطر إلى خوض سلسلة حروب استغرقت حوالي عشرين سنة قبل أن يحقق النصر المبين بسيطرة محاربيه على إقليم نورمانديا سنة 1144، و تتويجه دوقا عليه. و رغبة منه في تأكيد سلطته على الدوقية ، لم يتردد في تقديم فروض الولاء لملك فرنسا لويس السابع و إعلان نفسه فصلا (أي تابعا) لهذا الملك. فكان هذا الإجراء الذكي من قبل بلنطجني مقدمة لإرساء دعائم كيان سياسي قوي سرعان ما تحول في السنوات الأولى من عهد ابنه هنري الثاني إلى إمبراطورية شمل نفوذها عدة قمطيات و دوقيات في غالة بالإضافة إلى انجلترا. و قد عرفت هذه الإمبراطورية في التاريخ الأوربي الوسيط بإمبراطورية بلنطجني و اشتهر حكامها باسم البلنطجنيين (les Plantagenêts) (the Plantagenets).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط