الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتكارات جنوبية!!

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 9 / 30
الادارة و الاقتصاد


اعتدنا فى بلدان العالم الثالث على التحذير من تغلغل وسيطرة الشركات الغربية فى بلداننا، وخاصة الشركات متعددة أو عابرة القوميات. ولكن الجديد بحق هو ارتفاع النغمة نفسها فى الأسواق الغربية محذرة من النفوذ المتزايد لشركات عملاقة قادمة مما تسمى الاقتصادات الناشئة (مثل الصين والهند وجنوب شرق آسيا وروسيا والبرازيل..) باتجاه الولايات المتحدة وأوربا الغربية.
وإذا كانت بعض هذه الشركات قد أصبحت منذ فترة حقيقة فى الأسواق الغربية، مثل "تويوتا" اليابانية و"سامسونج" الكورية، فقد كان رأس المال الغربى ممثلا بقوة فى هذه الشركات، أما الموجة الجديدة من هجوم هذه الشركات فإن تمثيل رأس المال المحلى فيها واضح تماما أكثر مما سبقها، وهى شركات تتصف بالطموح الشديد لاختراق الأسواق الغربية، وليس فقط منافسة الشركات الغربية العملاقة على أسواق العالم الثالث، بل إنها تسعى لشراء أصول إنتاجية فى الغرب بعد أن وطدت أقدامها فى أسواقها المحلية ومواقع أخرى مهمة فى العالم.
خذ مثلا شركة "إمبراير" البرازيلية التى أصبحت من كبار موردى الطائرات المدنية متوسطة المدى، ويبلغ عدد العاملين فيها 21 ألف عامل، وصافى مبيعاتها السنوية أكثر من 3800 مليون دولار، وتسلم عملاءها 170 طائرة كل عام أي بمعدل طائرة كل يومين تقريبا. أما "براسكيم" البرازيلية أيضا فتعمل فى مجال البتروكيماويات، وبلغ صافى إيراداتها السنوية 5400 مليون دولار، وصادراتها 1400 مليون دولار.
ومن روسيا هناك عمالقة جدد ينشطون أساسا فى صناعة الطاقة والمواد الخام، مثل "لوك أويل" ثانى أكبر شركة خاصة فى العالم من حيث الاحتياطيات النفطية المثبتة (16 مليار برميل)، و"غاز بروم" أكبر مستخرج للثروات الطبيعية فى العالم وتملك 16% من احتياطيات الغاز الطبيعى فى العالم، وتمد الاتحاد الأوربى بربع احتياجاته منه. أما شركة "روسال" فهى أكبر منتج للألومنيوم فى العالم (16%) ويعمل بها 100 ألف عامل.
وبالنسبة للشركات الهندية العملاقة التى تغزو الاقتصادات الغربية فهى تنشط أساسا فى مجالات التكنولوجيا والاتصالات، وعلى رأسها شركة "تاتا" التى تقول إن قيمتها السوقية أكثر من 61 مليار دولار وتبلغ إيراداتها السنوية قرابة 22 مليار دولار، وشركة "إنفوسيس" التى زادت إيراداتها فى العام عن 1600 مليون دولار..
غير أن القلب الحقيقى للموجة الجديدة من الشركات العملاقة القادمة من الشرق، يتمثل فى الشركات الصينية، وهى كثيرة جدا وتتميز عن غيره بالديناميكية الشديدة بسبب قدراتها غير العادية على الإبداع والتكيف والاختراق وحرق الأسعار، ومن أشهرها شركة "هاير" لإنتاج الأجهزة المنزلية، والتى تحتل مرتبة متقدمة بين أكبر الشركات العالمية، وشركة "هيواى" للتكنولوجيا التى بلغت مبيعاتها فى السنة أكثر من 12 مليار دولار.
نحن إذن أمام تطور جوهرى يعتبره البعض أكبر تحول فى موازين القوى بين عمالقة الاقتصاد العالمى منذ الثورة الصناعية. ومن التفسيرات التى قدمت للتطور السريع للشركات العملاقة المنطلقة من جنوب العالم وشرقه، ذلك التقدم المذهل فى الاتصالات والمواصلات، وكذلك أن الخبرة العالمية أصبحت متاحة لمن يملك الثمن، ناهيك بالطبع عما يسمى "التكنولوجيا العكسية" والقرصنة على حقوق الملكية الفكرية. فضلا عن أن هذه الشركات لا تبخل بالمال من أجل استخدام أفضل مكاتب استشارات البحوث والتسويق والأسواق المالية فى الغرب.
ومن ثم هناك الآن 62 شركة من الأسواق الناشئة تقف بين أكبر خمسمائة شركة فى العالم، بعد أن كان عددها 12 فقط قبل عشر سنوات، ويتوقع أن يبلغ العدد مائة شركة فى أقل من عشر سنوات.
ولا يتوقع المحللون بالطبع النجاح المؤكد لكل تلك الشركات، وخاصة الشركات التى تتجاهل ميزة التخصص وتوزع جهودها على كثير من القطاعات مما لا يجعلها تستفيد من وفورات الحجم الكبير. أما فى الأسواق الغربية فإن المستهلك المحلى يستفيد جدا من المنافسة السعرية العاصفة التى تقوم بها الشركات الوافدة ومنتجاتها، غير أن الكثير من العاملين يفقدون وظائفهم بسبب غلق بعض المنشآت وخطوط الإنتاج تحت ضغط المنافسة القاتلة، أو بسبب إقدام الشركات الغربية على تصدير الوظائف وبعض العمليات الإنتاجية إلى بلدان المنشأ لهذه الشركات حتى تستفيد من العمالة الماهرة الرخيصة هناك وكى تستطيع الاستمرار فى المنافسة.
وقد لا يكون هناك وقت كاف أمام بعض شركات هذه الموجة الجديدة لتطوير ماركات تجارية استغرق بناؤها عشرات السنين مثل "سونى" و"إل جى"، ومن ثم فهى تعمد إلى شراء شركات أمريكية مثلا، ومن ثم استخدام الأسماء التجارية الخاصة بها، وهو ما تفعله الشركات الصينية على وجه الخصوص. غير أن الأهم بالنسبة لهذه الشركات يظل هو الاستفادة من الخبرات والمهارات الفنية الرخيصة فى بلدانها مثلما تفعل الشركات الهندية والبرازيلية، أو الارتكان إلى ميزة امتلاك مصادر وفيرة من الثروة الطبيعية مثل الشركات الروسية.
ويرى المحللون أن السمة الرئيسية فى هذه الشركات هى سعيها إلى امتلاك أصول إنتاجية فى أمريكا وأوربا، مثل شركة "لينوفو" التى تبيع الآن كمبيوتر أى بى إم الشخصى فى الولايات المتحدة. ومن ثم فإن الولايات المتحدة لا تواجه مجرد ظاهرة التوسع الكبير فى الواردات، لأن المشكلة لو كانت هكذا لكان من السهل التغلب عليها باستخدام إجراءات حمائية وقانونية.
أخيرا ألا تلهم هذه التجارب النخب المالية العربية كى تحاول إنشاء شركة واحدة من هذا النوع؟! خاصة وأن لدينا ما يكفى لتحقيق هذا من الأموال والخبرات والأسواق والمواد الخام. أم أن من يملكون الأموال فى الوطن العربى سيظلون يركزون فى استثماراتهم الخارجية على المضاربات المالية والعقارية، وفى أحسن الأحوال الاستثمار فى أنشطة خدمية مثلما تفعل شركة دبى القابضة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - وزير التموين: سنكون سعداء لو طبقنا الدعم النقدي


.. كلمة أخيرة - وزير التموين: صندوق النقد لم يطلب خفض الدعم.. و




.. منصة لتجارة الذهب إلكترونياً بالحلال


.. البنك المركزي اليمني يوقف التعامل مع 6 بنوك لم تلتزم بقرار ن




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 1–6-2024 بالصاغة