الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه الارض لنا ...أنا وانت

سميح مسعود

2011 / 9 / 30
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


حزنت كندا حزنا شديدا على فقيدها الراحل جاك لايتون ، السياسي اليساري الشهير زعيم المعارضة الرسمية ونصير الضعفاء والبسطاء ، الذي حقق انتصارا تاريخيا في انتخابات شهر ايار الماضي ، بفوز حزبه " الديموقراطي الجديد " ، بالمركز الثاني لأول مرة في تاريخ هذا الحزب من حيث عدد المقاعد ، إذ فاز تقريبا بثلث مقاعد مجلس العموم الفدرالي ، وأهلته هذه النتيجة لتشكيل المعارضة الرسمية لاول مرة في تاريخ مسيرته ، تاركا خلفه الحزب الليبيرالي (الاحرار) صاحب التاريخ السياسي الطويل .
حزنت الجالية العربية على رحيل جاك لايتون ،لانها حققت معه اكبر نجاح لها في اي انتخابات كندية عامة ، إذ فاز اربعة من المرشحين من اصل عربي ، بمقاعد عن حزبه في مجلس العموم الفدرالي الحالي ، كما حزنت على رحيله مدينة مونتريال ، مسقط رأسه ... المدينة التي عاش فيها فترة من ايامه الباكرة .
أصيبت جماهير مونتريال بصدمة عميقة ... تجمع عدة الاف من النساء والرجال في لقاء شموع على روحه ، حول منصة اقيمت خصيصا أمام نصب وطني تاريخي يقع على الطرف الشرقي لجبل مون رويال ... غنوا بصوت قوي عال للانسان والامل والحب وللعلاقات الانسانية بين الناس على اختلاف منابتهم ومعتقداتهم ... ورددوا قصيدة وطنية ، ألهبت عواطفهم ، وأ شعلت حماسهم ، عنوانها نفس الكلمات التي سجلتها في صدر هذه السطور "هذه الارض لنا ... انا وانت " رددتُ كلمات هذه القصيدة مع اثنين من زملائي اعضاء المركز الكندي لدراسات الشرق الاوسط ...الدكتورة نعيمة بن ادريس وجورج عزاره.
شدتني كلمات هذه القصيدة ، التي تعبر في مضمونها ودلالتها اللغوية على الحدس الحسي الذي يربط المواطن الكندي بالمكان ... وتعبر من ظاهر اللفظ على إمتلاكه الارض الكندية الواسعة المترامية الاطراف ... البلد الثاني عالميا من حيث المساحة الكلية ... ويتساوى هنا كل الناس في هذا التملك " إن جاز التعبير" ، بغض النظرعن اختلاف منابتهم وأعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم ... يحتاج المهاجر الجديد لثلاث سنوات فقط لكي يتساوى مع الاخرين بالحقوق والواجبات ، في اطار دائرة واسعة من الحقوق الانسانية الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، تضمن له "حرية الفكر والوجدان والدين ، بما في ذاك حريته في إظهار دينه ، او معتقده ، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده او مع جماعة ، وامام الملأ او على حدة " . .
حزنت لحال دولنا العربية الهادرة بالمتناقضات والهموم ... كوابيس انتابتني في لحظة ترديد كلمات تلك القصيدة... تذكرت قدرة الدول العربية المذهلة على خلق الكوارث الكابوسية المتلاحقة لحقوق الانسان العربي الاساسية المتصلة بحرية التعبير والتنظيم ، وفي تهميش الأقليات الدينية والعرقية ، وهي ظاهرة معروفة للقاصي والداني و لغير المطلعين على بواطن الامور .
تذكرت الشاعر العربي الكبير فخري البارودي ، وقصيدته الرائعة : بلاد العرب أوطاني - من الشام لبغدان - ومن نجد الى يمن - الى مصر فتطوان - فلا حد يباعدنا - ولا دين يفرقنا - لسان الضاد يجمعنا - بغسان وعدنان - ... وقلت له في نفسي : أه يا شاعرنا الكبير ، بلادنا العربية متجاورة فقط ، غير ملتحمة ولا متصلة ، هي أجزاء مجزأة من وطن مجزأ ... اكثر تجزئة وتشرذما من اي وقت مضى ، تزداد عددا وتقل اهمية ، تتماثل فقط بتفوفها في قهر الانسان العربي ، وتجريده من أبسط حقوقه الانسانية ..." وتتفنن" في رعاية بذور التفرقة والطائفية واقصاء الاخر حتى وتكفيره . .
تذكرت بأسى بالغ حال المغترب العربي في الدول العربية خارج بلده التي لا تتواكب مع مقتضيات العصر والمواثيق الدولية لحقوق الانسان ، حيث يعيش فيها كأجنبي في مطلق الاحوال على امتداد عقود طويلة بحقوق منقوصة وغربة مزعجة تحت رحمة " الكفيل "... والأنكى من كل هذا انه في حالات خاصة يهمش المواطن العربي في بلده ، للتاكيد على عدم أصالته ضمن سلوك اجتماعي غير مقبول تغلب عليه اعتبارات التفرقة على اعتبارات المواطنية ، ويؤدي الى إحداث شروخ اجتماعية داخلية كثيرة في اطار البلد الواحد . وحتى لا تختزل الأمور ، أو يساء فهمي ، كلماتي هذه لا تعني بأنني أجري مقارنة مابين أوضاع الدول العربية المتردية ، واوضاع دول القانون والاحترام القاطع للحقوق والحريات الانسانية ، ولا تعني ايضا أنني أقدم دعاية مجانية للهجرة الى كندا او غيرها من الدول الاخرى لكي يحصل الانسان العربي على حقوقه الانسانية ، لأنني أصلا لا أشجع هجرة العربي خارج بلاده العربية ، إضافة الى ان المركز الكندي لدراسات الشرق الاوسط الذي أنتمي اليه ، يدعو في اهدافه ونشاطاته بصورة ملحة الى تشجيع المهاجرين العرب على دعم دولهم العربية الاصلية بنتاج خبراتهم المكتسبة في المهجر لمساعدتها على مواجهة تحدياتها الانمائية ، وفي هذا حملة تشجيعة للهجرة المعاكسة ، او ما يسميه زميلي في المركز الكندي للشرق الاوسط ، الروائي محمد حسين الاطرش "بموسم الهجرة الى الجنوب " ، عكس عنوان الرواية الشهيرة للطيب صالح التي اتجه فيها شخوصها نحو الشمال المتطور . .
بايجاز شديد ، الذي يهمني من كل ما قلته ، هو طرح السؤال التالي : كيف يمكن للدول العربية ان تلحق بركب دول القانون ، وترسخ حقوق الانسان وتحميها من اي انتهاك ، ليعيش المواطن العربي حرا كريما في بلده وفي اي بلد عربي اخر ، يعيش ويعمل فيه ويتمتع بكافة الحقوق والحريات ، بغض النظر عن منبته واصله ودينه ؟
أترك " الربيع العربي" لكي يجيب على هذا السؤال ، شبابه هم وحدهم بقدراتهم الاجرائية الفاعلة اصحاب القول الفصل لتحقيق ما ننشده من إصلاح نظم الحكم العربية وتحديثها ، وتطبيق مبادئ حقوق الانسان المعاصرة ، واقامة دولة القانون ... معهم سنردد معا في وقت ليس ببعيد قصيدة فخري البارودي " بلاد العرب اوطاني " تماما كما رددت مع اصدقائي قبل أيام في مونتريال " هذه الارض لنا ... انا وانت " .

* كاتب فلسطيني يقيم في منتريال – كندا . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟