الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مازن لطيف .. نورس المتنبي وبشير عراقي ثقافي ..

وديع شامخ

2011 / 9 / 30
الادب والفن


مازن لطيف .. نورس المتنبي
وبشير عراقي ثقافي ..


الحديث عن شارع المتنبي يقتضي إستدعاء ذاكرة باشطة ، لما لهذا الشارع من أهمية في تاريخ الحياة العراقية عامة والثقافة العراقية خاصة، إذ ينام شارع المتنبي جغرافيا بين نهر دجلة وشارع الرشيد، ويعود تأسيسه الى فترة الحكم العثماني ويُعدّ مركزا لتجارة الكتب في العاصمة العراقية- بغداد- في المنطقة التي كانت تعرف بسوق الوراقين في العصر العباسي، أنه الشارع المتخم بالحكايات وهو متحف لتاريخ الفكر العالمي والعربي والعراقي.
شارع تتجاذبه القمم الابداعية ، وتفترش أرصفته قامات أخرى تبيع الكتب وما ندر من جليل القول وهيبة الكلام وبوح الألوان .كما يقع شارع المتنبي روحيا في أنصع صفحات الذاكرة العراقية الحيّة بوصفه شارعا " للعقل" والأحتفاء بنتاجه الجمالي والفكري والانساني.. ، ومن أهم صفات هذا الشارع إنه جامع المتناقضات.. ربما هو السمة البارزة للتعبير عن الشخصية العراقية المتجولة في هذا الشارع، اليقظة، المتحمسة ، المبدعة ، المقتنية، المتشاطرة، اللعوب، البائعة، المشترية، العارضة ، المعروضة.. الحاكمة ، المحكومة، الضحية، الجلاد.
من هذا الشارع أينعت مكتبات ثرية وأجيال من الوراقين والباعة الذين أثروا الحياة الثقافية بقدرتهم على توفير المطبوعات والكتب النادرة للمقتنين،وخصوصا أيام المحنة السوداء في العهد البعثي الثاني أبان تسعينيات القرن العشرين . إذ كان الوقوف في شارع المتنبي" بائعا" ربما يوصلك كتاب ما في " بسطتك" الى غيابت الجب أو حبل المشنقة، فقائمة الممنوعات لا حد لها وعسس النظام وزبانيته كالافاعي السائبة تلدغ الجميع وبلا هوادة .من هذه البيئة الملغومة بالعقل العراقي العطشان وبحثه الدائم عن كل جديد ، وسلطة من حديد ونار تقف سوطا على جباه
الباعة وأشواق المقتنين ،حيث جاء مازن لطيف يفرد قامته الفتية منذ عام 1990 إذ يقول "آصرتي الروحية مع هذا المكان تمتد الى بواكير العام 1990 حيث كنت طالبا جامعيا، وشكل هذا الشارع بما وسم من كونه مركزاً ثقافياً مفتوحاً لكل المشارب والمذاهب، وشكل باعتداد بؤرة لتلاقح الأفكار بين قارئ وكتاب وبين قراء ومقرئين. وهكذا أمسى ولوج المكان والشغف به والشوق له ضربا من الهوس والإدمان، لا ألام عليه، حتى لو قضم جل حر وقتي. كنت أنتظر اللقاء مع المكان والإنسان بشغف ولاسيما مع المتحابين المتحاورين من رواقيين وابيقوريين، تجمعهم الرغبة ولا يفرقهم الاختلاف، بل عدوه إثراء وفرصة للارتقاء. وأمست علاقتي المشيمية مع هذا الشارع الهائج المضطرب مؤشرا لمناخات الثقافة البغدادية ومن ورائها العراقية والعربية، وتداعت تقاطعات السوق وطبيعة السلعة المروجة أن تكون بؤرة للتنوير، كنا في أمس الحاجة لها، نحن من لم نر عقود النضوج الفكري الخمسيني والستيني في المشروع الذاتوي الشعبي العراقي، وعانينا من في فتح عيوننا في ظل عقود السبعينيات والثمانينيات فعانينا وعاندنا وعاركنا عقود النكوص الشمولي والرقابة على الوعي وشرطة الثقافة محصين الأنفاس على الناس.. ومكث هذا المركز الثقافي يمثل احدى بؤر الانعتاق من الدعة وأملا متربصا لليأس وشيوع الإحباط، وشرياناً متدفقاً للثقافة العراقية. وبكوني أحد شهود العيان على سكنات وهمسات هذا الشارع وقريباً من خفاياه فقد كان العديد من باعة الكتب من الادباء والمثقفين وكانوا يمثلون بحق المعارضة الحقيقية للسطلة البائدة، التي كانت تحسب الف حساب لهذا الشارع، وتبث العسس والعيون في طياته، وأمست اللعبة مكشوفة لنا رواده، حيث شهدنا كيف تعرض باعة الكتب الى مضايقات أمنية واعتقال وسجن كل من روج لكتب او طبع او استنسخ كتبا فيها اشارة من قريب او بعيد تنقد السلطة أو تسير عكس اهوائها. لقد كان جمهرة من المثقفين المرابطين داخل الوطن، ورفضوا الهجير والغربة، يعتمدون بدرجة كبيرة في الحصول على الكتب المستنسخة والممنوعة من مصادر عديدة." حيث بدأت في فضائه المديني الغامر مغامرتي الأولى سيرا على شغف فطري لا أدرك فحواه في البحث عما يقرأ ويكتب ويعكس تجارب البشر ، ربما اكتسابا لتلك التجارب واختصارا للتجريب غير محسوب العواقب. وهكذا وجدت نفسي على حين غرة منخرطا ومتماهيا في أجوائي التي بحثت عنها منذ عالم الذر الأول".
النورس الذي حطّ على إسفلت المتنبي وخَبر خفايا اللعبة مبكرا حصد بياضه في زمن سقوط الدكتاتور.. فصار "مازن" صوتا مدويا في شارع المتنبي بعد ان اخترق كل الحصون وأسس لنفسه مدارا خاصا معنويا يتمثل في وفائه واخلاصه المنقطع النظير لزملائه في الشارع وكلّ الكتاب والمبدعين العراقيين .
و لقد كان مازن لطيف مسّوقا عظيما لمجموعتيّ الشعريتين " ما يقوله التاج للهدهد " ومراتب الوهم " إذ تجشم هذا النبيل عناء استلام النسخ عن طريق النقليات الوافدة الى بغداد من دمشق ، يتسلمها بطيب خاطر ويوزعها بشكل انيق وحسب الطلب ، لم يقل "أف" أبدا .. لم يقل لا استطيع ، كلما ازداد مزاجي تيها في وصول المجموعة الى أقصى خارطة العراق ، ومازن لم يزل يردد لازمته الدائمة " تدلل/ تأمر " كلّ هذا مجانا وبتواضع غريب في تقديم الخدمات .
يوزع كتب المنتجين بطريقة حضارية جدا ، إذ ينوب عن المؤلف في وضع كتابه في مظروف انيق ليوصله بكل أمانة الى المتلقي .
مازن لطيف يقطف ثمار ما زرعه انسانيا في نفوس المبدعين العراقيين ، ليتجاوز عتبة المتنبي بائعا ليكون مسوقا ومبشرا بالانتاج العراقي ، فلقد صار لهذا النورس جناحا يتمثل في دار النشر الذي أسسها بمفرده ومؤازرة ومحبة كل الذين يحيطون به .. فجاءت دار ميزوبوتوميا .. لتكون بشارة للمطبوع العراقي نشرا وتوزيعا . وقد أصدر مازن لطيف حزمة من الإصدرات العراقية العراقية المهمة في مجال الفكر والتاريخ والأدب .
كما أود الاشارة الى شغف هذا الشاب -المليء بالحكمة والحيوية - بالاستزدادة والتعلّم من تجارب الآخرين ، وتلك برأيي دالة مهمة من دلالات رسوخ الشخصية وقدرتها على التعامل مع المنتج العراقي بكل إبداعه وأمراضه معا ..
مازن لطيف أسس طقسا مفتقدا في المشهد الثقافي العراقي وهو الإحتفاء بالاخر وتسويقه .. وكان له ما أراد حيث لم ُيذكر شارع المتنبي من قبل المبدعين العراقيين في الداخل أو الخارج إلا وكان مازن لطيف حاضرا .. بائعا يوفر الكتب النادرة أو مسوقا مجانيا وأخيرا ناشرا مخلصا وأمينا ، وتلك خصال يندر وجودها في شخص تتقاسمه مهن ومواهب متعددة .
لقد حصّن مازن نفسه ليكون البشارة السارة في شارع المتنبي وحسبه هذا وهو جدير بهذه المهمة الجليلة .. فصار نورسا على إسفلت المتنبي ... وبياضا في وجه السخام الذي يتلبس الارواح والقامات معا.
مازن نبض حيّ وبشير مؤتمن لثقافة عراقية لا تموت .
....................................................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا