الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكتوب

عمر دخان

2011 / 9 / 30
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


“المكتوب” هو التسمية المحلية للقضاء و القدر في الجزائر، و هي كلمة تتكرر بشكل شبه يومي و في كل مكان، فهي في الأفراح و المآتم، في التجارة و الكوارث، و حتى في المستشفيات. و كلها ترد بشكل يجعلها تبدوا و كأنها تبرير أكثر من كونها إيمانا بشيء كان قابلا للحدوث عاجلا أم آجلا.

ليس لدي أي مشكل في أن يؤمن الناس بالقدر و بأن كل شيء مرسوم للإنسان منذ لحظة ميلاده و ربما قبلها، و لكن المزعج بحق هو أن يصبح تبريرا لكي شيء يحدث دون محاولة البحث عن إجابات أخرى و لو من باب الجدل، فالميت كان مكتوبا له أن يموت، و ليس من حق أحد أن يتساءل هل تسبب أحد في وفاته و هل كان يمكن أن يتفادى ذلك. كل شيء مبرر بالمكتوب و القدر و بشكل غايه في السخافة يجعل الإنسان يؤمن أن العرب لا يحبون تشغيل عقولهم و لو من أجل بحث أسباب وفاة عزيز لهم، و يعتبرون مجرد التساؤل اعتراضا على القدر!.

استخدام “المكتوب” كعذر تعدى كونه مجرد مبرر شعبي لكل زيجة فاشله و تجارة بائره، لينتقل إلى المستشفيات، و يصبح مبررا لاستهتار الأطباء بأرواح الناس و تلاعبهم بها، و تسببهم في مقتل أناس كان بالإمكان جدا إنقاذهم، و كان بالإمكان جدا أن يعيشوا عمرا أطول لولا استهتار الأطباء و العاملين في المستشفيات، و دع مقدسي “المكتوب” يستغفرون و يحوقلون، و لكن المستشفيات وجدت لهدف، ليس من أجل التسبب في قتل الأشخاص لأن مكتوبهم قد حان، و لكن للحرص على أن يتم إنقاذهم من أي إصابة أو أذى تعرضوا له بغض النظر عن الاعتقاد الشامل بأن مكتوبهم قد حان، و هو أمر آخر يجعل إقحام الدين في المستشفيات خطرا على صحة البشر و مبررا لاستهتار أطباء لا يحملون من الطب سوى الاسم.

يمكن لكم أن تركنوا إلى المكتوب كسبب للوفاة بعد أن تبذلوا كل جهد ممكن لإنقاذ حياة المريض، أما أن يتم إهماله و التسبب في قتله، ومن ثم نلوم المكتوب، فهو ليس سوى جريمة قتل أريد تبريرها بنصوص دينيه لا علاقة لها بالموضوع، و يتم فيها استخدام الدين لقتل المزيد من الأشخاص، و كأن الحروب الدينية و الإرهاب الديني المتطرف لم يسببا ضحايا بما فيه الكفاية.

لاحظت أن الأطباء الذين يتركون اعتقاداتهم الدينية الخاصة على أبواب المستشفيات هم الأكثر نجاحا في حفظ الأرواح، و الأكثر حرصا على بذل أقصى جهد ممكن لإنقاذ حياة المريض، بل و الذهاب إلى أبعد حد و لو لإطالة حياته لأيام معدودات، لأن ذلك ما يقتضيه نُبل المهنة، تحمل المسؤولية و العمل الجاد و لوم النفس فقط على أي خطأ طبي، لا لوم “المكتوب” و إراحة الضمير، فالقدر لن يحول دون إنقاذ حياة إنسان، و حتى لو حانت ساعة شخص ما – وفق المفهوم الديني – فذلك ليس مبررا للاستسلام و التذرع، لأنه لا يوجد أغلى من روح الإنسان و لا شيء يبرر التقاعس عن حفظها بكافة السبل.

يمكننا رسميا أن نجعل “المكتوب” أحد أهم أسباب الوفيات في الجزائر، و أحد أسباب انهيار النظام الطبي و فشل الأطباء الجزائريين، بحكم أنه المبرر الجاهز دوما، خاصة مع إحاطته بهالة من القدسية تمنع الحديث عنه و تجعله كفرا، و هو كمن يوفر الغطاء الديني للإهمال الطبي و الشخصي بدعوى أنه ” لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” و هو نص تم إساءة فهمه تماما، و تحويره ليصبح أداة للقتل و التبرير.

يمكنكم أن تؤمنوا بالمكتوب كما شئتم، بل يمكنكم أن تؤمنوا بأي شيء ترغبون، فقط، أتركوا تلك الأشياء بعيدة عن الطب و الأطباء، فالطبيب حين يعمل يجب أن لا يؤمن بأن هذا المريض ربما يكون مقدرا له أن يموت، بل يجب أن يؤمن فقط أن عليه إنقاذه، دون وجود أي بدائل أو سيناريوهات أخرى و لو تحتم القيام بإجراءات استثنائية غير معتادة. كما أنه من حق أي شخص أن يتساءل إن كان مكتوبا لشخص ما أن يعيش حياةً أطول و لكن الأطباء هم من أنهوا حياته، و ليس كفرا إطلاقا أن أتساءل لم لا يزال فلان يعيش بيننا وهو الذي دخل المستشفى بإصابة كان من الممكن تداركها بسهوله لو كان في مكان تحترم فيه الروح البشرية، و لم تُرِكَ ساعات ينتظر “مكتوبه” حتى يأتيه و يخلصهم من مشقة علاجه و حفظ روحه، وهو حق أي إنسان كائنا من كان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المكتوب يا ليته يقرأ
رضا الوحيد ( 2011 / 12 / 28 - 13:15 )
الشكر للكاتب على إثارة هذا الموضوع
إلقاء اللوم على أمور غيبية ( أو الأطراف الأجنبية في السياسة) هي أحسن طريقة من أجل تبرير الأمر الواقع، تستعملها الأمم الفاشلة روحيا و فكريا و علميا.
فبدل إجهاد العقول ( الجزائر خاصة ) في البحث عن الأسباب و المسببات نعزو فشلنا - تقريبا في كل شيء - الى القضاء و القدر (لا أحد يعرف ما هما تحديدا

اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة