الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراسم الرياء

هدى حاجي

2011 / 10 / 2
الادب والفن


حين كانت طفولتي ضفافا مفتوحة على موجة السّؤال كانت أصداف الألغاز مرميّة هنا و هناك على وجنة براءتي أتلمّسها بأنامل مغلّفة بالحيرة و الدّهشة...الغول و الأشباح و الخفافيش التّي تخنق الولدان..و ليل رهيب أعد فيه أنفاس خوفي تحت ملاءة الهواجس و الكوابيس..

لما كبرت أدركت أنّ الغول هو محض حكاية طالعة من جرار العتمة و هو مجرد وهم غزلته عناكب في شرنقة ذاكرة جدتي ..

اليوم لما غادرت بحيرة طفولتي الغامضة بمياهها العذبة و المرة ..كنت أشتهي أن أسحب أقدامي من طينها الرخو لأقف على أرض أشدّ صلابة و أقلّ عتمة ..

آلمني أنّي تركت أسماك أحلامي الملوّنة تتقافز في نوافير الدّهشة لكنّي وعدت روحي بأن أجدها هنا ترقص في لازورد المتوسط الذي يلف خصر بلدي ..

غير أني فوجئت بمجموعتها النّادرة السّحر ميتة على ضفاف الجراح النّازفة بأزهار الدّم ..

من قتل أحلامي و أحلام أمّي و جدّتي منذ خمسين عاما ؟؟

كنت أحلم بشيء بسيط كالماء و عبق كالزعتر الجبلي ..و لذيذ كتينة ملفوفة في شهدها..

شيء ينفجر من أعماقي كما الينابيع الكوكبية حين تفيض بالنّجوم ..فرح ما يغمر رئتي و يرفرف بجناحيه الخفيفين كطائر غيبي يحملني الى حدود الشّمس ..

حلمت أن أحب هذا البلد دون أن يكون ملتفّا في عباءة أحد..حلمت أن أسرح نظري في هامات النخل المثقل بالرّطب الشّفاف غير أنّي لم أر في أعذاقه غير حبّات عرق الكادحين .

كم اشتهيت أن تضيء فوانيس الزّيتون المنبجسة من تحت القباب الفستقية كي ترقص الفراشات الثّملة بالحبّ و يوشوش النحل بأهازيج الحرّية

غير أنّ سحائب غمام رصاصيّ لفتّ الأشفاق الزرق و غطّت تيجان الشّجر و ذرت رمالها الحارقة في عيون النّاس

و قال شيخ طاعن في الولاءات إنّ هذا جلباب أبينا و حامينا و محرّرنا فلولاه ما انفلقت نوافير القمر بوادينا ..

و قال آخر :في حقيقة الأمر ما كان الزّعيم بأبينا غير أنّه الغول الذّي تغوّل فينا .. فنحن قد جُبلنا على الطاعة و تقديم القرابين للواحد الأوحد المتربّع فينا

قلت لقصيدتي التّي انفطرت من ضلع نبوءتي ..كوني طاهرة من مراسم المدح و الرياء ..كوني أنا..

حين هرم الغول المتعملق فينا و انتابته اعراض الوهن تقافرت البراغيث تمتصّ ما تحت جلده الشّاحب من سؤدد باهت و سطوة خائرة و تجاسر قراد الخيل يمتّص دم العرش الخرف . و لمّا كان دم العرش من سلالة الغيلان بات القراد غولا صغيرا ..كان شرها و دمويا .. حين نما نابه المجبول من الغدر و الخّسة نهش يد الغول الذي بات مجرد مومياء تحرّكها خيوط ديدان خفيّة..و أضحى الغول الغدّار منقذ البلاد و العباد و أطلت من شقوق الأرض المكسوّة بغلائل شقائق النعمان و الحبق البريّ ديدان صغيرة و كبيرة وطفقت تنهش الأخضر و اليابس..

رأيت جحافل جراد تقضم جذوع اللّوز و المشمش و شاهدت ذئابا تنهش نهود الدوالي الملتمعة بالأمنيات ..كانت خناجر مخالبها تخدش خدّ الّتفاح البلوريّ الرؤى .

رأى فلاّح طين حقله الشّاحب يتضرّع للسّماء كي لا تموت جميزة وعدت عصفورين عاشقين بفنن أقل يباسا و أكثر نضارة لعشّ محتمل في ربيع الحبّ ..

و ظلّت صبيّة تنتظر فتاها عشرين عاما .. شابت جدائلها و هو خلف قضبان زنزانته الباردة لكن جديلة الحلم ما شابت

لم ينس الجلّنار أن يهدي لوعته للمنافي خلف البحار .. و هناك في شرق المتوّسط تينع حرائق في أفئدة أمّهات يحترفن الصبر و الانتظار..

و ذات غيمات غضب نارّي اعتمل التّمرد في هتافات الحناجر و سفحت أنهار الاباء جداول الدّماء و شوهدت زنبقة حريّة تسامق بهامتها الهشّة نخلات الضّياء .. و قالت قنوات أجنبية أنّ الغول فرّ على عجل الى دولة عربية...

في تلك اللّيلة المنفلة من معاريج السّماء ..كان التّرقّب جبلا و الحريّة سدرة المنتهى .

أطلّت من الشّاشة الفضّيّة غيلان طاعنة في المكر و الخداع ..في تلك الليلة احتفل العالم بالمعجزة الأسطورية .. غير أنّ قلبي المتوجّس كان طائرا حزينا يشتهي أن يزقرق و لو كذبا في كرنفال الفرح المسروق..

رأيت الثّوّار يعتصمون بحبل الثّورة و يجدلون من أوراقها النّضرة أحلامهم المطرّزة بالملاحم وشاهدت اللّصوص القدامى و قراصنة الحريّة و غيلان أخرى وليدة في حفلة التّكاذب العلني..

لكنّي لم أر بعد قلبي يتفتح وردة فرح لحورية الأزمان تونس التّي تاهت عني منذ أزمان .. كما أنّي لم استطع أن أندسّ في حضنها الأخضر كي أنسى سنوات القمع و حزني المقيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07