الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الربيع العربي والآفاق الغامضة
زكرياء الفاضل
2011 / 10 / 2اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
التغيير نحو الأفضل طموح لا يفارق الشعوب حتى أكثرها خنوعا، فهي رغم استبداد الحاكم وبطشه بها تبقى متربصة بالفرصة السانحة لتحقيق هدفها المنشود منذ قرون أو عقود. فالتشاؤم لا يعرف طريقا إلى نفسية الشعوب إذ أنها تدرك إدراكا حسيا أن إرادتها لا تقهر وعزيمتها أقوى من البطش والموت وأعلى من أعواد المشانق. وما الربيع العربي المنطلق من تونس الخضراء إلا دليل على وجهة النظر هذه، رغم أنه لا زال في بداية طريقه الملتوية والشائكة. خصوصا وأن هذا الربيع مناخه فسيفسائي غير واضحة معالمه ويكتنف الغموض توجهاته الفكرية بحيث يصعب تحديد أفق بلاده. هذه الوضعية مكنت أذيال الأنظمة البائدة من السيطرة على زمام الأمور والنجاح، ولو مرحليا، في تغيير الوجوه والإبقاء على النهج الأوليغارشي اللاشعبي للدولة. كما أن عدم وضوح المعالم الفكرية للربيع العربي أعطى فرصة لتلك الأنظمة، التي ما زالت كاتمة على أنفاس شعوبها، للالتفاف على مطالب الجماهير الشعبية المناضلة والمراوغة بشأن الإصلاحات السياسية الضرورية، كما هو الشأن بالمغرب والأردن والجزائر. فانعدام وحدة الرؤية للجماهير المطالبة بالتغيير جعل هذا المطلب المشروع يسقط في دوامة إديولوجية لعبت عليها الأنظمة، التي استطاعت حتى الآن الحفاظ على نفسها، لتفكيك صفوف الجماهير وبالتالي إضعافها. وخير مثال حركة 20 فبراير بالمغرب، حيث دخلت في صراعات داخلية بين المتحزبين واللامنتمين وبين التنظيمات السياسية المختلفة فيما بينها، مما أدى بعملية احتجاجات الحركة إلى فتور لعدة شهور تحاول اليوم الخروج منه، و ما أظنها موفقة في ذلك على الأقل في الظرف الراهن. فمحاولتها لاستئناف النضال جاءت فاترة بوضوح بسبب تفكك الصفوف وتشتت الأفكار وتضارب الأهداف. فهناك البعض أراد رفع سقف مطالب الاحتجاجات، بينما البعض الآخر صمم على نهج التقية والحفاظ على الشعارات القديمة. ويضيع هكذا مستقبل الشعب المغربي بين شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" وسقف "الشعب يريد إسقاط الاستبداد".
إن الواقعية السياسية أثبتت، تاريخيا، أن الثورات لا تقوم بها إلا الجماهير المؤطرة تحت لواء إديولوجي معين يوضح معالم أفقها ويوحد كلمتها ويلحم صفوفها ويضيئ طريقها. فمن غير ظلال إديولوجية واضحة المعالم يكون التغيير صعب المنال وغامض المستقبل وعرضة للانتهازيين والوصوليين وتجار الوطن والأميين السياسيين ذوي النزعة الرومانسية. هذه الفئة الأخيرة أشد خطرا على الثورات الشعبية لأنها تفتقد الحنكة السياسية والخبرة الميدانية والحس الواقعي، فهي تعيش بين طيات الأسطر التنظيرية وأجواء العاطفة الجياشة والقرارات التهورية وعناء فقدان الحس السياسي. وهي كثيرا ما تقاوم الظلم والاستبداد لتحكم بديكتاتورية وشمولية أشد وأكثر وقعا من النظام السابق، لأن فكرها يحوم في أعماق السحاب وأقدامها مستأصلة من أرض الواقع. هذه الفئة تجعل الإنسان في خدمة الإديولوجية، بينما الصحيح هو جعل الإديولوجية في خدمة الإنسان، لكون الغاية هو الإنسان وليست الإديولوجية.
إذا من دون إطار إديولوجي مبني على أسس علمية ويرتكز على أرضية واقعية لا يمكن تحقيق التغيير وبناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية. فالنظام كيفما كان نوعه هو فكر، والفكر لا يحارب إلا بالفكر، وما احتجاجات الجماهير الشعبية وصراعها مع الأنظمة الشمولية والمستبدة إلا حرب إديولوجية بين رؤية النظام ورؤية الشعب لمفهوم الدولة. لذلك كل نضال خارج هذا الإطار مآله الفشل والخيبة لكون منبعه إما المساومة بهدف الوصول لمركز أو منصب أو التهور والاندفاعية أو الطمع في السلطة لعينها. هذه المنابع الثلاثة لا يمكنها أن تحقق التغير المنشود، لأنها تضع هدفا لها إما مصالح ذاتية أو تنطلق من رؤية عاجزة عن تقييم الوضعية الميدانية تقييما سليما. والمأساة تكمن في كون الجماهير الشعبية لا تمثل في كل هذه الحالات إلا وسيلة لغاية ذاتية أوطوباوية.
لكل هذه الاعتبارات فإن الحركات الشبابية، ومن ضمنها حركة 20 فبراير، يستوجب عليها التخلص من عقدة الانتماء السياسي التي ركبتها فيها الأنظمة البائدة أو السائرة في طريق الإبادة والعمل داخل إطار فكري منظم، كل حسب قناعاته، للخروج بالربيع العربي من مستنقع الركود الذي بات يحوله إلى خريف أو ربما قد يجعله شتاء. خصوصا وأن عامل المفاجأة قد استنفد قدراته مع الثورتين التونسية والمصرية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أحدهما نجا من الموت مرتين.. يتيمان غزيّان يرويان للجزيرة تفا
.. ملف ترسيم الحدود يعود بين سوريا وتركيا.. فما تاريخ الخلاف؟
.. سلطات كاليفورنيا الأمريكية تسمح لبعض السكان بالعودة لتفقد من
.. ترمب يهدّد بفرض رسوم جمركية على الصين والاتحاد الأوروبي
.. منازل تفحمت واختفت.. مشاهد جوية تكشف ما فعلته الحرائق في لوس