الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلنا معنيون بمصير الشعب العراقي

كميل داغر

2002 / 9 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


بات من الواضح ان الادارة الاميركية الحالية، بزعامة جورج بوش الابن، تضع في أعلى جدول أعمالها الحربية، بعد أفغانستان، مشروع ضرب العراق، كخطوة اساسية على طريق المزيد من استتباع المنطقة العربية والسيطرة على ثرواتها ومقدراتها كافة، وفي سياق ذلك التصفية النهائية للقضية الفلسطينية لصالح رؤية أقصى اليمين الصهيوني، ناهيكم عن تطويع العالم لهيمنتها المطلقة، على امتداد أكثر من عقد في هذا القرن.
ضمن هذا المنظور، يأتي كلام الناطق بلسان البيت الابيض، آري فليشر، قبل أيام، حين أعلن ان فرص ضرب الولايات المتحدة للعراق في السنة المقبلة تراوح بين 65 و70%، قائلا: <<انه شيء ممكن ومرجّح، لكنه غير مؤكد بنسبة 100%>> (الصحافة 21 آب).
انه <<ممكن ومرجّح>>، وان يكن ليس مؤكداً <<بنسبة مئة بالمئة>>. لماذا؟ لانه على الرغم من كون الجناح الاكثر يمينية وخضوعا لمراكز الضغط الصهيونية، في الادارة الحالية، يمكن ان تصل به الغطرسة وازدراء الرأي العام العالمي، وحياة الشعوب ومقدراتها، الى حد الاقدام على خطوة منفردة، او شبه منفردة، ضمن موازين القوى الراهنة، مهما تكن مكلفة، وغير مضمونة النتائج على المدى البعيد، فان ثمة معارضة ولو نسبية لهذه الخطوة، ليس فقط على المستوى العالمي، بل حتى في اميركا بالذات.
بيان المثقفين والاكاديميين والفنانين..
اذا لم تكن هذه المعارضة مبدئية على صعيد الطبقة الحاكمة الاميركية، بل تنظر الى المسألة فقط من زاوية المصلحة البحتة، في غياب تحالف عالمي كذلك الذي نجح في تنظيمه بوش الاب، عام 1990 1991، لدعم حربه آنذاك تلك الحرب التي سهّلها جنون العظمة لدى الديكتاتور العراقي بغزوه الكويت، وتعريض بلده وشعبه للسحق، في سياق تحديه الارعن لذلك التحالف شبه الشامل ضده فان الامر مختلف تماما بخصوص البيان الذي نشرت وسائل الاعلام، في السادس والعشرين من آب الجاري، مقاطع منه، على أساس انه سيصدر في 11 أيلول القادم عن <<المثقفين والاكاديميين والفنانين>> الاميركيين.
<<اي عالم سيصبح عالمنا، يقول البيان، اذا باتت الحكومة الاميركية حرة طليقة، ترسل فرق الكوماندوس والمجرمين والقنابل حيث تشاء>>. وهو يدعو <<جميع الاميركيين والاميركيات الى مقاومة الحرب والقمع اللذين فرضتهما ادارة بوش على العالم أجمع، لكونهما عملا ظالما غير أخلاقي وغير شرعي>>، ليضيف بعدئذ: <<نرفض ان نكون طرفا في هذه الحروب، كما نتبرأ من اي تدخل يشن اما باسمنا او من أجل رفاهنا. اننا نمد اليد الى اولئك الذين يعانون تلك السياسات في أرجاء العالم قاطبة، وسنعبر عن تضامننا قولا وفعلا>>.
هكذا، على الرغم من الفرق النوعي الذي يميز ظروف هذه الحقبة من الاختلال العميق في التوازن الطبقي، على المستوى العالمي، فالبيان أعلاه يعيد الاعتبار للروح التي سادت في أواخر الستينيات اوائل السبعينيات، وأدت الى نمو حركة جماهيرية واسعة، حتى داخل الولايات المتحدة بالذات، ضد التورط الدموي البشع للادارة الاميركية آنذاك في فيتنام وجنوب شرقي آسيا. وهو يكتسب اهميته الكبرى، ليس فقط لكونه قد يلعب دورا مؤثرا، اذا جرى التنفيذ الجدي لتعهد موقعيه قرن القول بالفعل، في تطوير معارضة داخلية واسعة للمشروع الاميركي المتجدد، القاضي بإعادة تدمير العراق، بل كذلك لانه قد يعزز المعارضة العالمية التي جرى التعبير عنها تقريبا، وان بشكل متفاوت، في معظم بلدان الاتحاد الاوروبي، كما في روسيا والصين وبلدان آسيوية عديدة، من ضمنها تركيا وإيران.
الموقف الرسمي العربي
والمعارضة العراقية
لقد كانت القمة العربية التي انعقدت في بيروت، في اواخر آذار الماضي، عبرت عن موقف مضاد صراحة لأي ضربة توجه الى العراق. وهو موقف يتكرر الآن على لسان المسؤولين في العديد من الدول العربية، وان بصورة متفاوتة جدا، وعلى هذه الدرجة او تلك من الفتور والخجل. بيد ان ما يغيب كليا عن مواقف تلك الدول (التي سوف تستخدم اراضي بعضها، في الخليج، كقطر والكويت بوجه أخص، نقاط انطلاق للعدوان الاميركي)، انما هو موقف التضامن العملي مع الشعب العراقي، المفترض ان يتمثل، في حال توافره، بتفعيل ميثاق الدفاع المشترك، من جهة، وبالتهديد الجدي بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة وضرب مصالحها، من جهة اخري، في حال حصول ذلك العدوان.
وهو واقع ليست مسؤولة عنه، على وجه الحصر، أنظمة التبعية القائمة، بل كذلك القوى والاحزاب والحركات الديمقراطية والوطنية، ومنظمات المجتمع المدني حيث وجدت ضمن الاقطار العربية. وهي قوى وحركات تمتنع الى الآن عن اي عمل تعبوي ضد ما تلوّح به الولايات المتحدة، وتعد له بشتى الوسائل، بدءاً بحشد القوات والاسلحة، ووصولا الى تحضير الادوات العراقية البحتة، المستعدة لان تلعب الدور نفسه الذي لعبه <<تحالف الشمال>> في أفغانستان، في خدمة الاجتياح الاميركي للبلد المذكور. وقد انضمت في الاشهر الاخيرة، الى هذا <<التحالف>> قوى اضافية، اهمها الحزبان الكرديان الاساسيان بقيادة مسعود البرازاني وجلال الطالباني، وما يسمى المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، بقيادة باقر الحكيم، على الرغم من الموقف الايراني المعلن، المناهض للهجمة الاميركية.
ويتم ذلك في غياب واضح لقوى وطنية وتقدمية حقيقية، في المعارضة العراقية، مستعدة للوقوف في آن معا ضد العدوان الاميركي والادوات المحلية المتعاملة معه، كما ضد الديكتاتورية القائمة في بغداد، ولطرح برنامج وطني ثوري مناهض بعمق للامبريالية الاميركية، كما للتمييز القومي والطائفي، ويؤكد الالتزام ببناء ديمقراطية حقيقية في العراق تأخذ بالاعتبار، عدا الحفاظ على ملكية الدولة وتشغيلها على اساس التسيير الذاتي، اشاعة اوسع الحريات الديمقراطية، والاعداد لجمعية تأسيسية منتخبة بصورة حرة ونزيهة، تضع دستورا ديمقراطيا وتفتح الطريق الى ممارسة الاكراد حقهم في تقرير مصيرهم، مع تشجيع الحفاظ على وحدة العراق، من ضمن لا مركزية واسعة تتيح لكل الاتنيات والقوميات الموجودة التعبير عن ثقافاتها، وادارة مناطقها بنفسها، في ظل سلطة مركزية ديمقراطية تمارس السلطات الاساسية، ولا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية والسياسة التنموية العامة.
الخطر الداهم للمشروع الاميركي
لقد اعطت الهجمة الاميركية الاولى، عام 91، صورة اولية عما تعتزم الادارة الحالية فعله الآن. بمعنى آخر، اذا كان بوش الأب عمل على تدمير العراق تدميرا شبه شامل، لكن مع عدم المساس بالديكتاتورية القائمة، بحيث يتضافر استمرار قمعها الشرس لحركة الجماهير مع الحصار الدولي في اركاع الشعب العراقي وتطويعه نهائيا، فان بوش الابن يأتي الآن لإنهاء ما بدأه والده، عبر استكمال تدمير قدرات البلد العسكرية والتنموية، وإحلال سلطة عميلة بالكامل للسيد الاميركي، مستعدة لتمرير كل مخططاته، سواء داخل العراق بالذات (بما في ذلك احتمال تقسيمه)، او على صعيد علاقته بالوطن العربي ككل.. ومن ضمن ذلك، ما يشاع عن مشروع استخدام ارض العراق مكانا لتوطين جزء اساسي من الشعب الفلسطيني، فضلا عن تحويل الهجمة الجديدة محطة على طريق تصفية اي تمرد عربي على الهيمنة الاميركية ومشاريعها التصفوية في المنطقة، ولا سيما للقضية الفلسطينية بالذات.
ان اي ضربة جديدة للعراق، من حجم تلك التي تعدها ادارة بوش الابن، سوف تؤدي، اذا لم تتم الحيلولة دونها او إجهاضها، الى تدمير البلد كليا، والسيطرة على ثرواته سيطرة مطلقة، وإحداث تغييرات جذرية في المنطقة العربية ككل لصالح الهيمنة الاميركية. وهو ما أشار اليه في الايام الاخيرة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح غير البريء اطلاقا من التبعية للسياسة الاميركية اذ أعلن ان المنطقة <<تمر بغليان سياسي، وكل الدول العربية ستلقى نفس مصير العراق>>، مضيفا ان <<ما سيحدث للعراق سيحدث للدول المجاورة، لإيران، للسعودية، لمصر وغيرها من الأقطار>>، وانه لا ينبغي لاي من البلدان العربية ان <<يعتقد انه في مأمن من التهديد الاميركي>> (الصحافة في 26 آب). علما بأن هذه الهجمة لن تقتصر على الاميركيين، وربما البريطانيين، اذا نجح بلير في تخطي المعارضة داخل بلده، بل سيشارك فيها الاسرائيليون ايضا، الذين نصبوا الصواريخ في كل مكان حول منشآتهم الحيوية ومدنهم، ويهددون بتدمير العراق بالسلاح النووي..
مرة اخرى، حول التعبئة
في عقر دار السيد الامبريالي، يوقّع الآلاف من المثقفين والاكاديميين والفنانين الاميركيين اليوم بيانهم ضد بقاء الحكومة الاميركية <<حرة طليقة ترسل فرق الكوماندوس والمجرمين والقنابل حيث تشاء>>، ويعلنون انهم يمدون اليد <<الى اولئك الذين يعانون>> سياسات الحكومة المذكورة <<في أرجاء الارض قاطبة>>، ويعدون بأنهم سيعبرون عن تضامنهم <<قولا وفعلا>>.
يتم ذلك، في حين ثمة صمت عميق في كامل الوطن العربي، في أوساط <<المثقفين والاكاديميين والفنانين>>، وغيرهم ايضا، من شتى الاقطار العربية، كما لو انهم ينتظرون بشلل كامل العاصفة القادمة، التي اذا أتيح لها ان تتحرك هذه المرة، لن تكتفي بالعراق، بل ستهب على الوطن العربي بأسره، وتترك آثارها المدمرة في كل مكان.
ذانك الصمت والشلل يجب ان ينتهيا. وثمة أشياء كثيرة يمكن ان تقلب السحر على الساحر، وتغير بالكامل ساحة المعركة. وفي مقدمة ذلك، استخدام كل وسائل التعبئة الجماهيرية ضد الهجمة الاميركية قيد التحضير، ومن ضمنها بيان عربي، هذه المرة، يفضح المشروع الاميركي، ويؤلب الجماهير العربية ضد الضربة التي يهيأ لها في واشنطن (وتل أبيب)، على ألا يكتفي بتوقيعه <<المثقفون والاكاديميون والفنانون العرب>>، وغيرهم في المنظمات الحزبية، كما في الجمعيات الاهلية، وغير ذلك من اشكال التجمع والتنظيم، بل يتوزعوا الى لجان في شتى العواصم والمدن العربية الاساسية تقوم بشرحه لأوسع الجماهير، والاستحصال على تواقيعها عليه، وتنظيمها وتعبئتها على أساسه في لجان شعبية دائمة، جاهزة للضغط بشتى الوسائل (ومن ضمنها التظاهر والاعتصام والاضراب والعصيان المدني) على أنظمة بلدانها، لأجل الانتقال الى مواقف حازمة ضد المشاريع والمصالح المعادية للقضايا العربية. على ان يطرح هذا البيان، الى ذلك، مطلب رفع الحصار عن العراق، وفي الوقت عينه مطلب ارساء الديمقراطية الحقيقية في البلد المذكور (كما في سائر الاقطار العربية ايضا)، لكن بنضال أبنائه قبل كل شيء، وبالتضامن الجماهيري العربي مع هذا النضال، لا بالحروب الاميركية العدوانية التي لم تؤد يوما الى قيام الديمقراطية في اي من البلدان التي وقعت ضحيتها، وما يجري الآن في أفغانستان واحد من الامثلة الساطعة على ذلك.
كلنا معنيون بمصير الشعب العراقي، وبقدر ما نشارك، بشكل او بآخر، في التضامن الجدي معه، نكون ندافع عن مصيرنا نحن، وعن مصير الشعب الفلسطيني، كما عن مصير الأمة العربية جمعاء.
() محام وكاتب سياسي لبناني.
جريدة السفير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-