الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المسرحي الرائد(عزيز الكعبي) والصفحات المضيئة في تاريخ المسرح بالبصرة

جاسم العايف

2011 / 10 / 2
الادب والفن


تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الفنان المسرحي البصري الرائد(عزيز الكعبي) الذي غادر حاضرنا ولحظاته المريرة الساخنة ، قبل ست سنوات، بعد مرضٍ وإهمالٍ معتادٍ. ولد الراحل( عزيز الكعبي) أواسط عشرينيات القرن الماضي، ودخل المسرح ممثلاً، شاباً ، منذ الثلاثينيات ، برفقة مجموعة من الشباب البصري،في ذلك الزمان، ومنهم: صالح السوداني، وماجد السعد، وعويد محسن، أبو ليلى، الذي غالباً ما كان يؤدي الأدوار النسائية، والمخرج التلفزيوني محمد الجزائري، والفنان المعروف توفيق البصري، وزكي بنيان الساعدي، وبعض الفنانين الآخرين. واشترك (عزيز الكعبي) بدور(كومبارس) مع فرقة الفنان (جورج ابيض)، وكذلك مع فرقة الفنان (يوسف وهبي) عند زيارتهما البصرة ، وتقديم عروضهما المسرحية فيها. يشكل (عزيز الكعبي) وجيله ، صفحة مضيئة في تاريخ المسرح بالبصرة ، فـهو لم يتخرج من مدارس متخصصة فنية تُعلّم المهارة في الصوت والإلقاء المسرحي، والانسيابية في حركة الجسد ، وتُنظّم وتُبرمج طريقة العرض والتمثيل والتشخيص المسرحيين، ولم يَدرس تاريخه أو مدارسه عبر الدروس الأكاديمية. دخل (عزيز الكعبي) المسرح عن عشق فطري شعبي، ووله ذاتي لازمهُ طوال حياته، وتعلم دروس المسرح بالممارسة المتواصلة الجادة. توجه(الكعبي) لهذه الخشبة الصماء القائمة على فراغ لابد منه ، والتي هي شكل تجريدي إلا أنها تترجم أعظم لحظات الإنسان المصيرية وتقدم صراعه وكفاحه وأمانيه وانتصاراته، هذه الخشبة التي يرى أنها أقدس ما في الحياة، مُقدماً خدماته التي لا تقف عند حدود المسرح بصفة(كومبارس ،و ممثل، و مؤلف، و مخرج) فقط. بل تجاوزَ ذلك إلى مساهمات أخرى في أروقته،عاملاً على تثبيت تلك الخشبة او قالعاً ذلك المسمار أو مُنضداً هذا الصف من الكراسي و(مُصَلَحاً) بعضها، أو معيداً تلك الإكسسوارات الى حالتها الأولى، مُستغلاً خلو القاعة بعد نهاية العرض، والعمل على إكسابها لحظة التألق ثانية ، مُتكفلاً بكل ما يبعث على احترام مكان العرض المسرحي وأهميته الاجتماعية . لم يكن(عزيز الكعبي) وهو العامل البسيط في حياته اليومية المهنية ، إذ كان (موزع بريد) في بريد (العشار)، يتصرف أو يعرف (الاستنكاف) ، إزاء قاعة المسرح وخشبته. لقد عمل الراحل ما لا يمكن لأي "مثقف" أو "متمرد" أو "متمنطق" أو "أستاذ" أو"مُنظر" في المسرح أن يقومَ به. إذ نقل التقاليد المسرحية، على وفق معرفته وبساطته، وولعه بها ومسؤوليتها الاجتماعية ، إلى أسرته الفقيرة ، فبدأ بها، وبإصراره المتواصل، قادها جميعاً نحو خشبة المسرح. فعمل على تلقين ابنته البكر، الراحلة(أحلام)، تقاليد العمل المسرحي ، منذ يفاعتها، وأصبحت(أحلام) كممثلة محط اهتمام المسرحيين البصريين، لقدراتها المسرحية الواعدة ، حتى أصيبت بمرض أجهز عليها شابة في(الاتحاد السوفيتي) السابق ، عندما أرسلت للعلاج ،هناك، خلال أواسط سبعينيات القرن المنصرم. كما مسك (عزيز الكعبي) بيديَّ ربة البيت أم "الأولاد" و "البنات" زوجته السيدة "سميرة الكعبي" ، واخذ يُلقَنها فن التمثيل ، واحترام تقاليد المسرح وأخلاقه المترفعة ، دافعاً إياها ،بإصرار وجدية، من مطبخ الأسرة الفقيرة ، ومكابداتها البيتية اليومية، وعناء تربية الصغار، وعبودية العمل المنزلي ، نحو المشاركة والإحساس الإنساني- الاجتماعي بأهمية العمل الفني- المسرحي ، مع بساطتها وعفويتها الحياتية ، وانضج خبرتها، على نار الرفقة الحنونة و التجاوز الاجتماعي ، في مجتمع معروف بنظرته المملؤة شكوكاً تجاه العاملات في الوسط الفني. وبقي يعمل بدأب على تحفيظها أدوارها المسرحية كلمة..كلمة ، ونبرة.. نبرة ، وحركة مسرحية لابد منها ، عند بداية عملها المسرحي، و الذي تحولت فيه بعد ذلك إلى ممثلة مسرحية مرموقة ، و من أهم الممثلات التي أنتجتها الخشبة المسرحية في البصرة، حتى حازت جائزة ولقب أفضل ممثلة بصرية في احد الأعوام . كما بث روح المسرح وتقاليده المترفعة الجادة في مكونات باقي أسرته. وقام(الكعبي) بكتابة بعض المسرحيات وأخرجها وقدمها بدعم المنظمات الجماهيرية المدنية و النقابات العمالية ، بعد ثورة 14 تموز 1958 ، معتمداً فيها على جميع إفراد أسرته. وبذا يكون (عزيز الكعبي) قد عمل على المسرح "الأُسري" ، ويعد رائداً في البصرة بهذا المجال، وقد سبقَ النخب المسرحية البصرية التقدمية ، التي اعتمدت هذا التقليد الرائع في أعمالها المسرحية التي قُدمت خلال مرحلة السبعينيات ، ومنها أوبريتي "بيادر الخير" و"المطرقة" ، وكذلك كل الأعمال المسرحية التي قدمتها(جماعة كتابات مسرحية) على حدائق نادي الفنون، قبل ختمه بالشمع( الأسود) من قبل (سرا كيل) (الثقافة السلطوية) وتوجهاتها المنحطة. وللتاريخ فأن الفنان(عزيز الكعبي) قدم مسرحية (الصيادون والتفاحة)، خلال بداية عقد الستينات على القاعة المسرحية لنادي( الاتحاد الرياضي في البصرة) من تأليفه وإخراجه وتمثيله، وكانت من نوع الـ(بانتوميم) ، وتقديمه لمسرحية (بانتوميم) ، تضعه في خانة الرواد المسرحيين بالبصرة لهذا النوع المسرحي. كان( الكعبي) يُقدم أعمالاً مسرحية متنوعة، من تأليفه وإخراجه، يبرز خلالها،بالتجربة الحياتية الشخصية ، معاناة شرائح اجتماعية مهمشة ومسحوقة اجتماعياً. وبقي يعمل في المسرح، خلال خمسة عقود ،مرافقاً لأهم الفنانين و الناشطين العاملين في المسرح البصري.وساهم في نشاط "الفرقة القومية للتمثيل" ، التابعة للمؤسسة العامة للسينما والمسرح بعد تأسيس فرعها في البصرة. ومثل في بعض المسرحيات التي قدمتها الفرقة ومنها: "الرواد" إخراج المخرج "محمد وهيب" ومسرحية "شناشيل حسيبه خاتون" ، التي عَرقها وأخرجها الفنان" عبد الأمير السماوي" ،عن مسرحية،(الناس اللي تحت) للكاتب المصري المسرحي "نعمان عاشور". كما شارك في عروض مسرحية أخرى لفرق أهلية غير رسمية، ولم يقترب بأي شكل ما، نحو ما أطلق عليه خلال مرحلة التسعينيات بـ(المسرح التجاري) ، حتى أقعده المرض. ألفَ الفنان(عزيز الكعبي) واخرجَ ومثلَ، بعض المسرحيات ذات الشخصيات المغمورة اجتماعياً ، معالجاً ثيماتها الكبيرة، بعفوية و ببساطة، ولم يستطع التنقيب في تلك الثيمات، عن الأسباب الجوهرية الكامنة ، تحت سطح تلك العلاقات المعقدة. وبحكم عفويته وشعبيته بقيَّ على مفهوميته المسرحية، التي تقودها الذائقة الفردية والشخصية، إذ لم تتحول لديه تلك الرؤى و الأحاسيس الشعبية- العفوية إلى نوع من التنظيم الممنهج ، انطلاقاً من توجهات ومعارف شخصية بسيطة، و ظروف عامة معقدة ، يقع في مقدمتها عوامل متعددة ، منها عدم استقرار الأوضاع الاجتماعية وتبلور قيمها المدنية، نتيجة الأحداث العاصفة التي ميزت سنوات ما بعد 14 تموز 1958، والعقد الستيني في العراق. واغتيال الحلم العراقي بالتغير والعدالة الاجتماعية- الإنسانية، وانعدام المعاهد والمدارس المتخصصة بالمسرح والفنون الأخرى في المحافظة. لقد لقي الفنان (الكعبي) من إهمال المؤسسات الفنية الرسمية، خلال مرضه زمن النظام السابق، بما لا ينسجم وابسط حقوق الوفاء الإنساني. وبعد سقوط النظام مباشرة تم التنادي من قبل بعض المسرحيين البصريين،وعملوا على تشكيل(اتحاد المسرحين العرقيين في البصرة)، محاولين اتخاذ مقراً لهم في بناية( نقابة الفنانين)، غير إن إحدى (الجهات السياسية) القادمة من خارج العراق قامت بـ(حوسمة) البناية وطردتهم بفظاظة منها. وكذلك تم مصادرة البناية التي تضم(قاعة السياب) للعروض المسرحية والسينمائية من قبل( مجلس محافظة البصرة)، وتهديم القاعة، بشكل مقصود، لغرض تحويرها كمقرٍ له، ولازال (مجلس المحافظة الحالي) يَشغلها لحد اللحظة، وكأن البصرة تخلو من بنايات إلا هذه (البناية) ، بينما استطاع اللصوص والمجرمين وألافاقين والمهربين والقتلة ، الذين أطلق سراحهم النظام الصدامي، قبل اندحاره المهين في 9 /4 / 2003 ، السيطرة على أغلب البنايات التي تعود للنظام المنهار وحزبه الفاشي، وهي في حقيقتها ملكاً عاماً للشعب العراقي ، مستثنين من ذلك بعض العوائل الفقيرة- المُعدمة التي وجدت لها مأوى بسيط رث، هنا أو هناك !؟.وقد تبرع المسرحي السيد (مؤيد عبد السلام) بتحويل مكتبه الشخصي مقراً لـ( اتحاد المسرحين العراقيين في البصرة) الذي أجرى انتخابات ديمقراطية، وفاز برئاسته الفنان المسرحي الراحل( نزار كاسب) . وعمل (اتحاد المسرحيين العراقيين في البصرة) ، مع بداية تشكيله ، على إقامة المهرجان المسرحي الأول، و حمل اسم الفنان الرائد(عزيز الكعبي)، وفاءً له ولخدماتهِ للحركة المسرحية في البصرة للفترة من15 /2 /2004 والأيام التالية. و لم يتمكن الفنان(الكعبي) من حضور المهرجان بسبب وضعه الصحي المتردي، وحَضَرتْ المهرجان بدلاً عنه زوجته السيدة (سميرة الكعبي)، وتخلل المهرجان ، الذي أقيم لمدة يومين على قاعة "بهو الإدارة المحلية" ، قبل (حوسمته وتخريبه) من قبل( إحدى الحركات السياسية) القادمة من الخارج كذلك، واتخذته مقراً لها وإذاعتها ومحطة تلفزيونها وبثها الأرضي، حتى تم حرقه، قبل خطة فرض القانون في البصرة، من قبل المليشيات المتقاتلة على النفوذ في المحافظة !؟. ولا زال هذا الصرح الكبير ، الذي عُرضت فيه أهم المسرحيات العربية ، والعراقية ، والبصرية، وشهد خلال تاريخه فعاليات (مهرجان المربد) كلها، قبل نقله إلى بغداد، زمن النظام السابق، ولا زال "بهو الإدارة المحلية" مُهدماً مُهملاً، بتعمد ولؤم، من قبل حكومة البصرة المحلية ومحافظتها ، حتى الآن . وقد قُدم في المهرجان الذي حمل اسم(الكعبي)، و تواصل ليومين ، مسرحية (كاروك) تأليف عبد الكريم العامري وإخراج د.حميد صابر، ومسرحية (هكذا هم) تأليف سرمد ياسين و حازم عبد المجيد، ومسرحية (في رأسي بطل) تأليف عبد الكريم العامري وإخراج احمد عبيد الابراهيم ومسرحية(سلطان زمانه) عن قصة للقاص عبد الستار ناصر أعدها وأخرجها علي عدنان علي، ومسرحية (هبوط تيمورلنك) تأليف عبد الفتاح القلعجي وإخراج ميثاق مطرود، ومسرحية (قاهبيل) تأليف عصام جعفر وإخراج عصام جعفر ومنذر الدبوس ومسرحية(قميص رجل سعيد) تأليف بير فوريه وإخراج سيف الدين الحمداني. وفي ختامه تم إرسال شهادة تقديرية للفنان(عزيز الكعبي) اعترافاً بجهوده المتواصلة في خدمة الحركة المسرحية بالبصرة طوال أكثر من نصف قرن. وسريعاً ما التبست الرؤى وبات المسرح في البصرة خاصة ، والعراق عامة، بحالة دفاع يائس مرير، وأصبح نشاطه طريقاً تحفه التابوّات والمحرمات والمخاطر والتهديدات و التصفيات الجسدية. برحيل الفنان الشعبي المسرحي (عزيز الكعبي) ، تكون الحركة المسرحية في البصرة، قد فقدت رائداً و فناناً مسرحياً، عمل بإخلاص ودأب متواصلين،على خدمتها، وذاكرةٍ كان يمكن استثمارها وأرشفتها،خاصة وانه كان آخر الأحياء من الجيل المسرحي الرائد في المدينة، لإلقاء الضوء على عقود مسرحية مهمة ، يجري حاليا التعتيم عليها بإصرار، ونوايا واضحة، لأجل ديمومة عتمة الحياة الراهنة،على وفق الرؤى والتوجهات الظلامية والمناحات المتواصلة، ونظرتها الدونية لكل الفنون ، والمسرح العراقي- البصري وتقاليده الفنية التنويرية الباهرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رحم الله عزيز
كاظم الصبر ( 2011 / 10 / 7 - 00:59 )
التفاتة وفاء نادرة لرجل يستحق كل التقدير ، شكرا للاستاذ جاسم العايف الذي نأتمنه على البصره وارثها

اخر الافلام

.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية


.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف




.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف