الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علموا أبناءنا في إيطاليا!

إكرام يوسف

2011 / 10 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قبل خمسين عاما، نشأت في إيطاليا حركة تدعو للسلام بمبادرة من مجموعة من النشطاء اليساريين وانخرط فيها عدد من المؤيدين للحقوق العربية وفي القلب منها حقوق الشعب الفلسطيني. ونظمت الحركة هذا العام مسيرة بطول خمسة وعشرين كيلومترا في أنحاء إيطاليا احتفالا بالذكرى الخمسين لتأسيسها؛ دعت إليها نشطاء من مختلف أنحاء العالم، استضافتهم الإدارات المحلية الإيطالية ووفرت لهم الإقامة لدى أسر إيطالية متطوعة. وعلى الرغم من أن تقاليد الحركة تحظر رفع أعلام أي دول، وتقتصر على رفع أعلام حركة السلام؛ إلا أنها سمحت هذا العام برفع أعلام مصر وتونس وفلسطين! وافتتحت المسيرة ثلاث فتيات من البلدان الثلاث.
وانتهزت السلطات المحلية الإيطالية فرصة وجود نشطاء من بلدان الربيع العربي، فطلبت منهم إلقاء محاضرات في عدد من المدارس الثانوية عن مجريات الأحداث في المنطقة؛ ضمن منهج التاريخ الحديث هذا العام. واعترض النشطاء على تسمية الربيع العربي، على أساس أن الربيع فصل يبدا وينتهي، بينما يرى الثوار أنهم بدأوا ثورة سوف تستمر! وألقى بعض ثوار 25 يناير محاضرات في مدارس بعض المدن، حيث يتعين أن يعد الطلاب تقارير مدرسية يحصلون بمقتضاها على درجات، كما تقرر أن تشمل امتحانات نهاية العام أسئلة عن هذه الثورات!.. وقد أعجبني تعليق أحد الأصدقاء : "مثلما يهتم الأجانب بآثارنا، ويحرصون على المجيء من آخر بلاد الدنيا لمشاهدتها، بينما يوجد من سكان القاهرة من لم يزر الأهرامات في حياته؛ تهتم دول العالم بثورتنا إلى حد تدريسها لطلابها، بينما يوجد في مصر من ينكر أن ثورة قامت من الأساس، أو يحاول التهوين من شأنها"!
وتم اختيار النشطاء العرب الذين يجيدون الإنجليزية مع توفير مترجم لكل منهم ينقل عنه إلى الإيطالية حيث لا يجيد الطلاب غيرها! وذكر لي مشارك في هذه المحاضرات، إنه فوجئ بأن طلاب ثلاث مدارس ثانوية، لا يعرفون شيئا عن مصر؛ فكان يقول لهم إنه "قادم من بلد عريق، أقام منذ سبعة آلاف عام أول دولة مركزية أنارت بعلومها الدنيا، وكان لها اسهامات عظيمة في حركة التاريخ. ثم تولى حكمها من لا يعرفون قدرها، فعاثوا فيها فسادا واستبدادا، حتى تدهورت أحوالها ووصلت إلى حد أن طلابا إيطاليين صاروا لا يعرفونها!.. غير أن مصر أثبتت أنها ولادة لا تموت؛ فقام أولادها يواجهون الظلم والفساد، واستشهد منهم المئات وأصيب الآلاف دفاعا عن حرية بلادهم وحق شعبها في حياة كريمة."
ولما كان أغلب الإيطاليين لا يتقنون سوى لغتهم المحلية، ويستقون معلوماتهم من الإعلام المحلي وحده؛ فكان صاحبنا يدعو في محاضراته طلاب المدارس الإيطالية إلى عدم الاعتماد على "إعلام بيرلسكوني" وفقا لتعبيره! لأن بيرلسكوني كان صديقا للطاغية المخلوع، يهمه التستر على جرائمه. ويدعوهم إلى الضغط على حكومتهم من أجل مساندة ثورات الشعوب ضد الطغاة.
ولاشك أن اهتمام دولة كإيطاليا بتدريس الثورات العربية لتلاميذها، نابع من الحرص على تطوير نظامها التعليمي، وتوسعة مدارك الطلاب، بحيث يواكبون مجريات الأحداث؛ إدراكا من الدولة لأهمية تربية جيل واع بما حوله، وتأثير ذلك على نهض البلاد! فإلى أي مدى كان اهتمام وزارة التربية والتعليم عندنا بتدريس الثورات العربية الحديثة، أو حتى ثورة يناير المصرية لتلاميذ المدارس المصرية؟ وهل حوت مناهجنا التعليمية دروسا وافية عن الثورة وأسباب قيامها، وتطلعاتها؟ أم أن القوم اكتفوا بعدة سطور، لا تفيد شيئا، ولا تستقصي أسبابا أو توضح نتائج.. حرصًا على عدم إغضاب أولي الأمر لو كانوا لا يريدون تغييرا حقيقيا، أو كانوا سيواصلون السير على نهج نظام المخلوع مع تغيير الوجوه؟ الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: هل يريد القوم تعليما حقيقيًا يرتقي بعقول جيل قادم أم أن التعليم عندهم ليس سوى غسيل مخ موجه للدفاع عن مصالح النظام، بصرف النظر عن العلم أو المعرفة الحقيقيين؟
لقد بلغ الرعب من الطاغية وبطانته، الحد الذي دفع مسئولين عن تربية النشء وتعليمهم إلى إرهاب طفلة لم تكن تجاوزت الرابعة عشر! وكما كتبت عنها قبل خمس سنوات: " كل ما فعلته آلاء أنها عبرت ـ بصدق ونقاء ـ عما تشعر به وما يعيه عقلها الذي لم تنجح وسائل إعلامهم في تلويثه .. جرمها الذي ارتكبته أن عقلها كان عصيا على التدجين.. وأنها استخدمت هذا العقل على النحو الذي خلقه الله له: للتفكر والتدبر..ولم تردد ما يلقنوه لها.. فكان لزاما أن يطبق عليها حد الحرابة لخروجها عن الجماعة. فقد أجابت آلاء فرج مجاهد الطالبة بمدرسة شربين الثانوية للبنات على سؤال التعبير في امتحان اللغة العربية؛ إجابة لم تكن تخطر ببال أساتذتها، على قدر صدقها وبساطتها.. وردا على سؤال "اكتب موضوعا عن أهمية استصلاح الصحراء بالنسبة للاقتصاد المصري." اتهمت الطالبة في موضوعها الولايات المتحدة بأنها "السبب في المشكلات الاقتصادية التي تمر بها مصر والعديد من الدول العربية وذلك لأنها تدعم الأنظمة الفاسدة ولا يهمها مصلحة الشعوب، بل كل ما يشغلها هو الحفاظ علي مصالحها والبحث عمن يضمن لها النفوذ والكلمة العليا في مختلف العواصم العربية وعلي رأسها مصر".. وكانت النتيجة إعلان رسوب الطالبة في عام 1906 وحرمانها من دخول العام الذي يليه!!
حتى أن هذا الرعب والنفاق ، ظهرا أيضا ـ ضمن أمثلة عديدة ـ في زلة تعبير وردت في أسئلة امتحانات إحدى من السنوات، تحدث فيها السؤال عن "الرئيس حسني مبارك صلى الله عليه وسلم".. هكذا!
ولما كان أمثال من أحالوا آلاء إلى التحقيق، ومن أسبغوا على المخلوع صلاة الله وسلامه، مازالوا قائمين على أمر التربية والتعليم في البلاد. هل ننتظر منهم أن يهتموا بتعريف أبنائنا على ثورة قامت في البلاد ضد نظام أحالهم ـ هم المربون الأفاضل ـ إلى مخبرين؟ هل نأمل منهم أن بعملوا وفق الرسالة المفترض قيامهم بها، وهي تقديم تعليم حقيقي لأبنائنا لوجه الله والوطن والحقيقة، وليس لوجه الطاغية أو من يحل محله؟ هل نأمل في أن يكون حرص القائمين على تعليم أبنائنا مساويا لحرص القائمين على تعليم الطلاب في إيطاليا؟ لا شك أن الأمر يحتاج إعادة هيكلة ضرورية تضمن حصول أبنائنا على تعليم حقيقي من أجل مستقبل تستحقه مصر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علقوا في الهواء رأسا على عقب.. شاهد ما حدث لعشرات ركاب لعبة


.. هنية: رد حماس يتوافق مع مبادئ مقترح بايدن للتهدئة




.. صلاة عيد الأضحى في المستشفى الميداني الإماراتي في #رفح بمشار


.. مسؤولون أميركيون: الولايات المتحدة نفذت ضربة جوية استهدفت زع




.. الغارديان: نتنياهو يخوض حربا على جبهتين ولا توجد نهاية في ال