الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعي الأخرس ( حاتم صكبان ) !!!

حامد كعيد الجبوري

2011 / 10 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



جمال اللغة العربية نجده في تصريفها ، نحوها ، بلاغتها ، بديعها ، رمزيتها ، ومحسناتها اللفظية ، والعرب تأنف أطلاق الكنية بواقعها المرئي المعاش لمن يصاب بعاهة خَـلقية أو عارضة تصيبه فتبدلها لنقيضها مراعية الجانب النفسي لذلك الإنسان ، فتطلق على الأعمى البصير ، وعلى الأبكم – الأطرش – السميع ، وعلى الأسود مرجان ، ويكنون الدميم جميلا ، والمجنون عاقلا ، ولكني لم أجد – والأصح لم أعرف - ما تطلقه العرب على فاقد النطق ( الأخرس ) ، لذا منحتها من نفسي وقلت ربما تقول العرب عنه الفصيح أو الناطق لمن أصيب بعاهة عدم النطق .
الحلة الفيحاء يشطرها نهرها الخرافي – شط الحلة - الجميل لشطرين ، أحدهما الغربي ويسمى الصوب الكبير ويضم سبعة ( أطراف ) وهي ( الطاق ، الجامعين ، جبران ، المهدية ، الجباويين ، التعيس ، والأكراد ) ، وشطر شرقي ويسمى الصوب الصغير وله ثلاثة ( أطراف ) وهي ( كريطعه ، الكلج ، الوردية ) ، والانحدار الطبقي لهذه ( الأطراف ) الثلاثة الجانب الصغير فلاحيا لأغلب بيوتاتها وبخاصة ( طرف الوردية ) رغم وجود شرائح التجار والصناع فيه ، وبساتين أصحاب هؤلاء البيوت تحيط ( طرف الوردية ) لذا سميت ( الوردية ) لكثرة ورودها وبساتينها الغناء ، وأزقة ( الوردية ) يعرفها أهالي الطرف وهي كثيرة ومنها ( عكد ) بمعنى – زقاق - أو ( دربونه ) الشيخ وأعني به الراحل الشيخ ( محمد سماكه ) رحمه الله ، و( عكد ) ( البيات ) ، و( السرحه ) و ( جريدي ) و ( هجول ) و ( حربه ) و ( بشبوش ) و ( العلاك ) و( عكد حسان ) ، وغيرها الكثير وتسمى هذه الأزقة بأسماء أبرز ساكنيها ماليا أو اجتماعيا ، وربما باسم رجل أو امرأة لهما شأن معين في المحلة ، وأغلب بيوت الوردية من الطبقة الفقيرة وربما المعدمة ، ويسكن والدي رحمه الله ببيت مستأجر من الحاج ( عبد الحسين الشمري ) بزقاق يسمى ( عكد باني ) ، ويقع قريب لزقاقنا ( عكد بشبوش ) ومن هذه العائلة الكريمة سنتحدث عن الفصيح أو الناطق ( حاتم صكبان موسى الخفاجي ) تولد عام 1942 م ، ولد هذا الصبي وهو محروم من نعمة النطق ، وأغلب هؤلاء الناطقون غير سامعين لحديث الآخرون والأصوات التي تصدر من حركة الأشياء ، وعييت على هذا الرجل وهو يكبرني بعشر سنوات تقريبا ، وربطتني بأخيه الأصغر ( موسى ) والأصغر ( جعفر ) علاقة مدرسية وعلاقة جيرة وأخوة ، عام 1958 م أستملك بستاننا وبساتين أخرى من بلدية الحلة ووزعتها أراضي للمواطنين ، ولتعلق والدي رحمه الله بأرضه التي أخذتها البلدية لقاء مبلغ مجزي آنذاك فقد أشترى لنفسه قطعة مساحتها 600 م2 في هذه البستان التي تحولت لحي سكني كبير يسمى ( حي الخسروية ) ، ومن حسن الصدف أن ينتقل أغلب أهالي ( الوردية ) لهذا الحي الجديد ومن ضمن هؤلاء جارنا القديم العم ( صكبان ) ، وتبدلت تلك الأزقة بشوارع معبدة بالقار وأنشئ لهذا الحي متنزها جميلا زرعت به أشجارا جديدة مضافة لباسق النخيل التي تتوزع على مساحات متناثرة من هذا المتنزه الجميل ، ويخترق المتنزه نهر ساحر مكشوف يسقي ما تبقى من بساتين ( الوردية ) ، يتوسط المتنزه ( تانكي الماء ) العملاق الذي يغذي الحلة الفيحاء بمائه ، وأحيط المتنزه بسياج حديدي مشبك وللمتنزه بابان ، يقع دار جارنا الفصيح ( حاتم ) مقابل منتصف هذا المتنزه من قسمه الشرقي ، و( حاتم ) جميل المنظر ، حليق اللحية لا يتركها يوما دون حلاقتها ، يرتدي ( الدشداشة ) البيضاء الناصعة النظيفة ، ويعتمر فوق رأسه طاقية ( عرقجين ) ، وفي مناسبات الأفراح والأحزان لأهالي الوردية يرتدي حاتما بدله مخاطه عند أبرز خياطي الحلة بسبب وفرة ذات اليد للحاج ( صكبان موسى ) الذي لم يبخل على ولده وأقاربه بمنحهم من ذات يده ، و( حاتم ) خارق الذكاء لا أعرف كيف تعلم القراءة والكتابة ولوحده دون معلم يساعده ، ولا أعرف كيف أصبح رساما فطريا يرسم لوحاته الجميلة على سياج المتنزه ، وحاتم يملك من القوة الغريب ، يستطيع أن يضع العملة النقدية ذات العشر فلوس أو ( قبغ ) قناني ال ( كوكا ) بوسط سبابته ويضغطها بإبهامه فيلويها ويطبق طرفيها على بعض ، يمسك بسيارة ( حسين الجني ) من ( دعامتها ) الخلفية ويسحبها بقوته نحوه والسيارة يحاول سائقها السير بها الى الأمام ولا تتحرك السيارة إلا بعد أن يأخذ ( حاتم ) التعب ويصب عرقا من كل مسامة من جسمه ، وأغرب ما رأيته من هذا الرجل – حاتم – ينزل لنهر الحلة وعرضه حوالي 40 - 30 مترا وفي مناطق أخرى أكثر ، ينزل الى النهر ويخفي جسده كاملا تحت الماء ( يغوص ) ويتجه صوب الضفة البعيدة – الصوب الآخر للنهر - وحينما يصلها – الضفة الأخرى - يخرج يده فقط دلالة على وصوله لها ، ويعود الى حيث أنطلق ومن نفس النقطة التي أنطلق منها ، بمعنى أن جريان الماء السريع ككتلة قوية يخترقها ويعود لنفس نقطة انطلاقه ، ويظن الكثير أن ( حاتم ) قد غرق لمرور أكثر من أربعة دقائق وهو تحت الماء دون واسطة للتنفس ، أما الطريقة التي علّم فيها أخاه ( موسى ) السباحة فهي غريبة أيضا ، يضع أخاه بين يديه ويذهب به بعيدا لمنتصف النهر ويسحب يداه ويعيدها ليترك أخاه يسبح في الماء برهة وأن رآه سيغرق يعيد يديه لما كانتا عليه حتى تعلم ( موسى ) السباحة ، و( حاتم ) يملك مجموعة كبيرة من الحمام في سطح داره ، وكنا نرى ذلك الحمام ينزل على يديه المبسوطتان وعلى كتفه وعلى رأسه وكأنه أب أو أم لها ، حاربه والده رحمه الله بهذا الحمام فكان الوالد لا يوافق على تملك ولده لهذا الحمام ، لأن الوالد يرى سبة أن أمتلك الولد مثل هذا العدد الكبير من الحمام ، وللحقيقة أقول لم تكن ممارسات ( حاتم ) كما عرفنا من ممارسات مربي الحمام ( المطيرجيه ) ، ف ( حاتم ) لا يرمي بحجر على طيوره وتسقط على الجار ، ولا ينظر لطيوره من خلال سياج السطح فيطلع على عورات جاره ، بل سلك النقيض من ذلك ، كان يعرف بموعد خروج بنات الحي الطالبات الجميلات ، وهن يذهبن لمدارسهن ، فكان يسير خلفهن كأي حارس وبلا أجر ، ومن ثم يعود وهن يخرجن من مدارسهن متعبات ، ويطمأن حين يصلن كل لدارتها ، ومن يستطع التحرش بهن وحارسهن الشجاع ( حاتم ) ، ولا أعرف كيف أحب أو صادق وربما أنتظم ( حاتم ) لحزب سياسي معروف بوطنيته وتفانيه للمطالبة بحقوق الشعب العراقي وهو ( الحزب الشيوعي العراقي ) ، وأحب الزعيم الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم رحمه الله ، ويضع على صدره ذلك الدبوس الذي نقش عليه صورة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم ، وكان والده يداعبه قائلا أن عبد الكريم ليس بشخصية وطنية محبوبة للناس ، وهو عميل أمريكي أو بريطاني ، والوالد وطني غيور يحب وطنه ويحب الزعيم الشعبي عبد الكريم قاسم ، ولكنها منكدة لحاتم ليس إلا ، فيثور ( حاتم ) بوجه والده مهددا إياه بأنه سوف يذهب لدائرة الانضباط العسكري ويشكو لهم والده ويخبرهم عن فعلته وحديثه ، كل ذلك يتم بلغة الإشارة بين الوالد والولد ، وحدثني الصديق ( حسين عباس طعمه ) وهو قريب للناطق حاتم ( أبن عمته ) ، يقول حسين كنا أثناء مراسيم العزاء الحسيني ننطلق من محلتنا متجهون الى الحسينية التي يقام فيها المأتم ، حدث شجار بين أهل محلتنا ومحلة أخرى نمر بها ، وهربنا بعد أن أتضح لنا أن خصومنا يحملون الخناجر والسيوف و ( القامات ) ونحن بلا سلاح لأننا ضمن طقس عزائي ، هربنا تجاه زقاق يسمى ( العكد الضيك ) فوجئنا بوجود مجموعة من خصومنا يقفون بنهاية الزقاق فأصبحنا كمن العدو من أمامه والعدو من خلفه ، تقدم الناطق حاتم نحو دكان بمنتصف الزقاق وخلع ( كبنك ) الدكان وتناول الخشبة التي يشد لها ( الكبنك ) وتقدم نحو خصومه فهرعنا خلفه مصففين لشجاعته التي اضطرت إلى هروب خصومنا ومنجاتنا من إصابات محققة بفعلة بطلنا الناطق حاتم .
يقال أن الشاعر البصير ( بشار بن برد ) كان يحمل بيده قنديلا ويسير به في طرقات المدينة ، سأله أحدهم لم تحمل هذا القنديل وأنت أعمى لا تبصر ؟ ، فأجابه أني أنير الطريق لأمثالك كي لا ترتطموا بي ، وهذا ما حدث للراحل ( حاتم صكبان موسى ) فقد دهسته سيارة جار لنا وتوفي حاتم على إثرها نهاية عام 1966 م ، قبل أن يودع حاتم لمثواه الأخير ذهب والده الى مركز الشرطة ليتنازل عن داهس ابنه ويخرجه من توقيفه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يسلم قلمك
عراقي قبل اي شيء ( 2011 / 10 / 4 - 00:24 )
الله يرحمه برحمته الواسعه الذكر الطيب له ولعائلته والمجد لكل شرفاء شعبنا


2 - من منظور سيكولوجي
حسين طعمة ( 2011 / 10 / 4 - 16:21 )
تحية للكاتب الرائع دوما الاستاذ حامد وأقول أن الجمال والحسن والألق حسب علماء النفس لها دلالاتها وأشراقها ومؤثراتها لكل ذي بصيرة (أي المقصود بها حاسة البصر دون غيرها من المفاهيم المعرفية ) لذا فمن أطلالة صغيرة أستطيع بها أن أعرف أين أنت وكيف تفكر ..ماذا تحب أو تكره .فكيف أذا كنت شيوعيا تحب الناس والحياة .تلك لا تستوجب الدليل .الشيوعيون قدوة البشرية وصناع الحياة الجميلة وزارعي بسمة الأمل على شفاه المحرومين ,وكل من عاداهم وأرقهم ,,فأنه سيلبس حتما بوعي أو بدونه ,ثوب القتلة والناشزين والموتورين وكارهي كل جميل .تحية لك وللتفرد في حكاية أجمل من جميلة .


3 - الاخ الكاتب المحترم
سعد الهادي ( 2011 / 10 / 4 - 17:13 )
لم يتوضّح لنا من كلامك كيف هو أخرس وشيوعيا ولعلّه كان بالاصل شيوعيا ثم اصبح أخرسا- لان الشيوعية تحتاج الى ايمان بالنظرية الماركسية وما تصحبها من ثقافة واسعة وكتب وكراريس او لعلّه احد العناصر الصدامية بيد الحزب وخاصة يبدو امتلاكه قوّة بدنية مميزة مع الشكر


4 - لاخ الكاتب المحترم
حامد كعيد الجبوري ( 2011 / 10 / 4 - 20:53 )
الأخ سعد الهادي أقرأ الموضوعة ثانية لأنك قرأت المقدمة فقط وهذا لا يصح قلت أن الرجل تعلم القراءة والكتابة وهذا أعجاز وكنا نتحدث معه إشارة وأن لم نستطع فهمه فيكتب لنا مايريد ولا تحتاج الشيوعية إلا للممارسة والتطبيق ، القراءة وحدها لاتعني ان القارئ أصبح شيوعيا ، الشيوعية تجسيد وليس كتاب يقرا وشكرا لما في دواخلك أخي الفاضل


5 - يسلم قلمك
حامد كعيد الجبوري ( 2011 / 10 / 4 - 20:55 )
شكرا لك أيها العراقي قبل كل شئ


6 - من منظور سيكولوجي
حامد كعيد الجبوري ( 2011 / 10 / 4 - 20:58 )
شكرا لك اخي الفاضل حسين طعمه هذه الإضاءة الجميلة تحياتي لك


7 - الاستاذ حامد
سعد الهادي ( 2011 / 10 / 4 - 22:01 )
معلش يا أستاذ حامد لانّ عنوان المقال هو الّذي جعلني أقرأ لحضرتك ولاّن أزّاي أخرس وشيوعي كمان ولمّا راجعت وقرأت المقال مرة ثانية لم أجد انّه كان شيوعيّا وانما كان يؤيد الحزب الشيوعي وانت تقول (ربما) كان شيوعيا وهذا يعني أنه من المحتمل ان يكون شيوعيا وهذا بعيد عن الاحتمال هذا لانه معوّق بالبكم وختاما ارجو ان لاتغضب للمداخلات وخاصة اذا كانت بنوايا حسنة لانّك لايمكنك ان تغور في دواخلي وبواطني وألا بلاش تعليقات


8 - الاستاذ حامد
حامد كعيد الجبوري ( 2011 / 10 / 5 - 16:32 )
صديقي العزيز ثق انا لست غضبانا ولكني احسست بان حضرتك لم تقرأ الموضوعة وكنت صائبا بذلك وحقيقة ان عنوان الموضوعة كانت تحت عنوان الفصيح ولكني أرتأيت الإثارة الأعلامية وهذه مادعتك الى الكتابة أعتذر منك أن تتصور اني غضبان كلا فأختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية وشكرا لصبرك معي

اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر