الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصوص

باسم النبريص

2011 / 10 / 3
الادب والفن



( )

أماسٍ وأماسٍ, كرَّ شهورٍ كرَّ سنوات, وتلك الضفدعة الرقشاء, تخربش باب الشاعر, وما مَن يقومُ ويفتح. الجيرانُ يعرفون, أصحاب الدكاكين في الحيّ, وحتى الأرامل المهجورات الآن. وحدها الضفدعة لا تعرف, وحدها لأن الموتَ, فكرةً, ضربٌ من اختصاصٍ بشري.


( )


طقوسُكَ, لو كنتَ حياً. طقوسك لو مرةً صدّقت : لي جسدٌ ولي فضاء.


( )


لو متَّ
عرفتُك بما يكفي, لأجعلَ قلبي
حجراً
ويديَّ
مقلاعيْن.


( )


أصدقائي البعيدون مثل رحمة مؤجلة. أصدقائي الذين يحرسون وحشتي من الزؤان. الذين بماء سماويّ روّوا تربة قصيدتي. الباعثون نبيذاً في البريد المستعجل. ورقاً في فم الطير. الآرقون مثلي, لأن ثمة خطايا لا أخطاء في المشهد العالمي. أصدقائي, ذخيرتي وخميرتي. المعنى في مشقة الرحلة. رجفة اليد لحظة الوداع. أصدقائي هؤلاء, حنيناً, دون مناسبة, سلاماً, أرسل لهم في صباحات الحرب هذه.


( )


واحدٌ سوايَ خطّطَ هذه اللوحة. أنا كنت نائماً طوال الأمس : طوال الأسبوع الماضي. شهر آذار جاء وذهب وأنا نائم. الأصدقاء طرقوا بابي, وما رددت عليهم. الخادمة أيضاً. ما شربت معها الشاي أو النبيذ. واحد سواي رسم هذه اللوحة. وأنا مثلكم مندهش. مثلكم مستغرب ومستريب. فمن رسم هذه اللوحة في أبدية نومي؟ من علّقها على حائط غرفتي؟ من طبعها على شرشف المائدة؟ من خربشها على زاوية المرحاض اليمنى؟ ومن, بأحمر زرنيخٍ وقّعها على المرآة؟


( )


أنا باسم النبريص. أصطاد الظلَّ إذ تهبطُ العتمة. أصطاد الحشرجة من كل صوت. أعرف متى سينهار رجلٌ وهو في كامل صموده. متى ستقول كل ما ليس حقيقتها, امرأة ثاكلة. أنا باسم النبريص, الذي رأى, الذي عاش, الذي غضِبَ, الذي أحرق ملايين اللفافات. لم ينصفني أحد. لم يأبه بي ولا بهم واحد. أنا باسم النبريص, وتلك مهنة آخر العمر : كل مساء, أجلس على كرسي وحيد, في غرفة وحيدة, في كون وحيد : كل يوم, أصطاد الظلّ من ثنيات العتمة. وأرقب حشرجة كل صوت. ولا أكفّ عن الغضب.


( )

يقصفون : منذ ليلتين يقصفون. أنت كلا. أنت لا تخشى القذيفة. ما تخشاه أبعد وأنكى : منذ ليلتين, تطارد قصيدة ولا تجدها. إن تلك, بالنسبة لمن هم على غرارك, هي "خسارة الحرب". خسارة تضاف إلى كل الخسارات. خسارة تضاف إلى مسيرة طويلة مما يمكن تسميته ب : الغباء البشري. حذار! إنهم, أيضاً وأيضاً, يقتلون أجنة القصائد!


( )

ما إن تندلع الحرب, يكون الله أول المفقودين. رأيت كثيرين يسألون عنه. يستقصون عن مكانه. يتذللون له بأن يرحم. وما من رد : ما من جواب. فالله, هو أيضاً, يُفقد في الحرب, يفقد بالأخصّ في الحرب, كما هو مفقود في كل الأوقات.


( )

ننتظر الحرب. أسبوعاً ونحن ننتظر الحرب. يجتاحون؟ لا يجتاحون؟ سؤال كل يوم. كل لحظة. أعصابنا تهرّأت. ذا ما يبتغيه العدو : ننهار نفسياً وعصبياً. ثم بعدها يدخلون. وكما في كل حرب, تغيب الشفقة, ويرجع ابن آدم إلى وحشيته. حدث ذلك في جنين, ونخشى حدوثه الآن في غزة. فماذا عنك؟ ماذا عنك يا صديقي؟ لديك أولاد ومسؤوليات. لديك, كما الجميع, مخاوف وهواجس. لكنك تزيد عليهم, برعب من نوع خاص : رعب ثقافي. ماذا عن المكتبة؟ ماذا لو حرقوها ودمروها؟ كل شقا عمرك, وضعته فيها. حرمت نفسك وحرمت العائلة, من أجل تغطية فجوات عديدة في الروح. هل يفهم جنود [تساهل] ذلك؟ هل, لو دخلوا بيتك, ستتحفك الصدفة بجندي احتياط مثقف ومتذوق للأدب والموسيقى, فيرحم مكتبتك, ويدعها لشأنها؟ ذلك ما تأمل. ذلك ما تحلم, ولو بدا هذا الحلم الخلاصي, زائداً وثقيلاً على مزاج هذه اللحظة.


( )


يا أبي .. ذهبوا في الغمام, وبقيتُ لأتذكرهم. ما من امرأةٍ, لو حظٌّ يبتسم, فتُنسيني : تأخذني خارج بيت الذكريات. ما من شيء. أشياؤهم في متناول الرئة. أكاد ألمس أنفاسهم باليد, بالأظافر. أكاد من امتلائي بهم, تفرُغ نفسي. هنا كانوا. هنا عاشوا. هنا آخر ميت فيهم, تركَ نصف بيضة الإفطار. ترك السرير مُجعلكاً : ترك الباب موارباً, والهواءَ مكتوماً. أكاد ألمسهم واحداً واحداً, مَن ماتوا قبل قرن في هذا البيت العتيق, ومن ماتوا قبل سنة. آه ما أصعب الإقامة, وفيّاً, في بيت الذكريات.


( )


القلب البشري, ليس أنبل من قلب الحمامة أو الذئب. كلها قلوب. كلها منذورة للنسيان. نبضت أم لم تنبض. شعرت أم لم تشعر. مآل كل القلوب العدم. مآل كل القلوب النوم الطويل بلا أشقّاء.


( )


يا بلادي. يا فمَ الوحش الذي لا يرتوي. يا آكلة الجثث مثل ضبع الغابة. يا نكروفيل كل فتى ميت. كل فتاة ميتة. أُغربي يا بلادي, انزاحي ولو هنيهةً عن صدورنا, نحن أولادك الطيبين.


( )


كيف تأخذ قسطاً من النوم, والشهدا يسقطون جوارك؟ كيف تطفئ نارك؟ عملتَ على وردةٍ من نباتٍ, قرابةَ شهرينِ _ ما زلتَ تعمل. وها هي ذي : وردةُ الدم تأتي وتُلغي أجندةَ يومك. كيف تطفئ شعلوبَ بُكمك؟ يسقطون على مقربة. يسقطون على عتبة. يسقطون. الرصاصُ يئزُّ على السقف, يمرقُ من خلل النافذة. الرصاصُ الرصاصُ. فمن سوف ينقذك الآن؟ ينقذهم وهمُ بين غيمٍ وريح؟ بين نار ونار؟ وهم بين ميْتٍ سريعاً يغور إلى عانة الأرض, ميْتٍ يؤجّلهُ الانتظار؟ إنهم فتيةٌ, ربّيتَ بعضهمُ. فتيةٌ صادقوكَ وأسعفتهم بالسجائر. فتية مثل ريحانة في الربيع, وأنضر. كيف يجرؤ موتٌ عليهم؟ كيف يجرؤ قبرٌ فيفتحُ شدقيه كالكركدنّ؟ كيف يرسلهمُ, من بيته, رجلٌ قاصرٌ, دون رفّة جفن؟ يا إلهَ الخراب : نجّنا من جنون المشايخ. نجنا من أسانا ومن فيض هذا العذاب ,,,,,,,, يا إلهَ الخراب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا