الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بن لادن مات أم قتل؟

بلغيت حميد

2011 / 10 / 3
السياسة والعلاقات الدولية



بن لادن قتل، من قال لك هذا؟ بن لادن مات ... بن لادن الشهيد الأول، إنه ليس كذلك، بن لادن الإرهابي الأول، و بين الرد والرد المضاد عاجلهم ثالث فقال بن لادن لم يمت و لم يقتل، لم يكن عميلا و لن يكون شهيدا، بن لادن لم يوجد أصلا إنه فكرة و أسطورة و ليس حقيقة مادية واقعية؟؟؟ !!!
لم يكن هذا الحديث، حديث العامة فقط بل تردد بين الخاصة على الفضائيات و على صفحات الجرائد و المجلات، و تضاربت الآراء حتى وصلت مستوى وضع الولايات المتحدة الأمريكية كأعتى الإمبراطوريات في كفة و أصغر و أضعف كائن مجهري و هو السرطان في كفة أخرى. و صارت بذلك الجماهير و النخب في حيرة من أمرها، فإلى أي منهم سينتصرون؟
بالرغم من هذا الأخذ و الرد، فإن قريحة مثقفينا و سياسيينا لم تجد عليهم لمعرفة الفاعل الحقيقي و المباشر. و أمام هذا التخبط، قلت بأن الشعوب العربية هي من وضعت حد النهاية لابن لادن، لم يستسيغوا الفكرة !!! فقالوا إن الشعوب شريفة و لا تسفك الدماء !!! عاجلتهم قائلا، إنه الدفاع عن النفس، و لا يدافع عن شرفه إلا ديوتا، لأن الرسول قال الديوت في النار، بن لادن حاول قتلهم و قاتلوه فقتل. لكن كيف ذلك؟ إن زعمك يحتاج إلى بيان و ربما سيعوزه البرهان !!!
أمام تغير طبيعة النظام الدولي بعد انهيار جدار برلين و وصول الموجة الثالثة من الديمقراطية –حسب تعبير صامويل هينتينغتون- إلى بلدان أوروبا الشرقية، و بالتالي اختفاء الصراع الإيديولوجي من الساحة الدولية، و أضحت بذلك الأنظمة السياسية التي ارتبطت عضويا و وظيفيا بهذا الصراع في كف عفريت. لكن كيف هدد تغير النظام الدولي هذا، الأنظمة السياسية العربية بالزوال؟ و كيف أمد بن لادن و قاعدته عمر الأنظمة التسلطية بالعالم العربي إلى حين؟

- الأنظمة السياسية العربية و سؤال الشرعية
تمكنت الأنظمة السياسية العربية من الاستمرار في مرحلة الصراع بين منظومة الشرق و الغرب، و ذلك عبر الاستناد على الخارج كأساس للشرعية، و بالتالي ضمان الاستقرار السياسي و الاعتراف بشرعية هذه الأنظمة، كمقابل لإنجاز مهام محددة تتمثل أساسا في التنازل عن الشروع في بناء أي مشروع حضاري نهضوي للشعوب العربية أو تعطيله و إجهاضه إن تم، و لعب دور كلب الحراسة لمصالح العملاقين بالمنطقة العربية، ولم يقتصر هذا الأمر على حدود إقليمها الترابي، بل امتد إلى دول الجوار و الفضاء الإقليمي و القاري لهذه البلدان، و ذلك بذريعة المشاركة في القوات الأممية لحفظ السلم تارة، أو بموجب دعم حركات التحرر الوطني في كل من إفريقيا و آسيا تارة أخرى. و أمام كل هذا تم تبرير الاستبداد و التسلط بمسوغ تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة العدو الخارجي الشيء الذي يسمى في أدبيات العلاقات الدولية بنظرية "التمويه" أو نظرية "المهرب الخارجي".
بعد الوصول إلى الدرجة الصفر من الصراع الأيديولوجي بين المعسكرين، صارت هذه الأنظمة معطلة و بلا مهمة، و لضرورة وجودية أرغمت على العودة إلى الشعوب كمصدر رئيس للشرعية.
لكن منحها – أي الشرعية- يقتضي هو كذلك مقابل، و استطاعت الشعوب أن تجمله في كلمة واحدة و هي الديمقراطية. و كما نعلم أن قبول الأنظمة الدكتاتورية بالإصلاح هو في ذات الوقت إيذان بانهيارها، حيث أن الاستبداد إما أن يكون مطلقا أو لا يكون.
و في خضم الشد و الجذب هذا، تصاعدت أصوات ذات عمق شعبي تطالب بتحسين الوضع الاجتماعي و منح حريات أوسع و حقوق أكثر، و أمام فقدان هذه الأنظمة لدعم القوى العظمى، صارت في قبضة الشعوب فإما أن تمنحها الفرصة الأخيرة و تقيهم شر لقب الرئيس المعزول و الملك المخلوع، أو أن تعصف بهم إلى أدرك الطبقات و ساءت مستقرا و مقاما. لكن ما الذي أجل الحسم هذا عقدا من الزمن؟

- التطرف و الاستبداد خصمين أم حليفين؟
أمام احتدام صراع خفي بين الشعوب و الفراعنة الجدد، و تردد الشعوب بين منح الشرعية أو سحبها، ظهر على الساحة الدولية صراع جديد صنفه منظري العلاقات الدولية ضمن ما يسمى بالتهديدات الرخوة أو اللامتماثلة الأمن و السلم الدوليين، الأمر الذي برز بوضوح عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
و هكذا استطاع بن لادن أن يقدم لهذه الأنظمة التقليدية القديمة و المتقادمة جرعات أخرى لإطالة أمدها إلى حين. و إزاء تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام التي تكشف عن حجم الإنفاق العسكري و الإستخباراتي للبلدان العربية، و تتم هذه الصفقات على حساب التقدم الاقتصادي و الاجتماعي لهذه البلدان، أصبحت الآن تعقد علنا بمبرر محاربة الإرهاب، و كذلك يتم التذرع بمكافحة القاعدة من أجل تفويت قوانين زجرية تنتفي فيها أبسط شروط و ضمانات المحاكمة العادلة و يتم فيها الدس على أشد الحقوق تأصلا في الذات الإنسانية، التي أكدت المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان على ألا تكون موضوع أي تقييد مهما كانت الأسباب و المبررات.
و قد سقطت القاعدة في خدمت المشاريع التسلطية للأنظمة العربية عبر تسويغ هذه الأنظمة لفكرة الاستبداد أحسن حالا من الإرهاب و التطرف، و أن هذه الأنظمة التسلطية على علاتها، فقد ضمنت الاستقرار للمجتمعات العربية، في حين أن التطرف لن يقوى إلا على خلق مجتمع الفوضى و عدم الاستقرار بدعوى أن الفتنة أشد من القتل وحاكم ظالم خير من فتنة سائبة. مما يعني أن القاعدة لم تناصر القضايا العربية و الإسلامية في شيء، و لم تعرب أبدا عن الشخصية العربية الممانعة، بل تحالفت موضوعيا مع الاستبداد، و أضحت محاربة الإرهاب سبيلا لاستجداء الشرعية من قبل العام سام، تحت شعار من حارب و قاتل القاعدة أكثر حصل على ترياق السقوط أكثر، و ذلك على شاكلة بائعي الخوردة من صاح أكثر باع أكثر.
و أمام انكشاف المسرحية الهزلية و المحبوكة بشكل ضمني بين ثلاثي استبداد الأنظمة العربية و إرهاب تنظيم القاعدة و مصاصي البترول بالبيت الأبيض، استنجدت الشعوب العربية بالشارع مطالبة عبر آليات حداثية بسقوط بن علي، مبارك، علي صالح، القدفي، الأسد... - والحبل على الجرار- فمنهم من لقي نحبه و منهم من ينتظر.
و لهذا فإن سقوط بن لادن لم يكن بإمرة من أمريكا و لا برغبة من ورم السرطان الخبيث، و لكن بقضاء و قدر الشعوب العربية، حيث فقدت فزاعة بن لادن مبررات و أساس و جودها، ولهذا يقول الفقهاء إذا غابة العلة رفع الحكم. و كذلك الشأن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية حيث تبين أن الاستمرار في قصاصة محاربة الإرهاب قد تؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد الأمريكي و على مستوى رفاهية الفرد الأمريكي، خصوصا أمام مثول المستنقعين الأفغاني و العراقي كموقعين مستنزفين بشكل تدريجي للخزانة الأمريكية.
و بالتالي فإن بن لادن سواء كان كائن أم خرافة، بطل أم خائن، مات أم قتل، إرهابي أم شهيد.. فإن الشعوب العربية هي من صلت عليه صلاة الجنازة.

باحث في العلاقات الدولية
[email protected]
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل