الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هاجس الفوضى والفاشية في الثورة المصرية

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 10 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أظن أنني كنت من الذين كتبوا مبكرا منذ الأيام الأولى للثورة المصرية بأن اتخاذها للبعد الاجتماعي المتصاعد كان العامل الحاسم في النصر السياسي التكتيكي/ الرمزي بإزاحة عصابة مبارك.. كما كنت ولا أزال من المؤمنين بأنه لا توجد حدود فاصلة بين النضال الاجتماعي والسياسي والثقافي والوطني..

غير أنني أتصور أنه لا تزال هناك فواصل كبيرة بين أبعاد النضال الثوري المختلفة تلك.. رغم أنها تتلاقى بالطبع في أذهان الكودر الثورية.. ولكن ربما تختلف فيما بينها من حيث الأولويات وطريقة التضافر..

فلدينا حراك سياسي لا بأس به من أجل الديمقراطية والدولة المدنية يتخذ من ميدان التحرير والأحزاب والإعلام مجالاً له.. ولدينا حراك ثقافي أضعف بعض الشيء من أجل التنوير ولكنه لا يزال محتجزًا- بطبيعته وطبيعة المتحمسين له- وسط النخب الثقافية ولم يصل بعد إلى الجماهير العادية ولا حتى الميدان.. ولدينا الشعور الوطني الجارف الذي أخذ يعبر عن نفسه بوضوح في مواقف من أمريكا وإسرائيل والرجعية العربية لكنه لا يزال أضعف من سابقيه كثيرا لأن التناقضات الداخلية المتفجرة تطغى عليه..

أما تحركات الاحتجاج الاجتماعي فإنها تتفجر بصورة منقطعة النظير في التاريخ المصري الحديث، فيما يعكس مدى الكبت والظلم الذي عانت منه الفئات الشعبية في العقود الأربعة الماضية.. وهو التطور الذي يضخ الكثير من الأمل في نفوس الثوار الذين ينظرون إلى الديمقراطية كغاية في حد ذاتها، ولكن أيضًا كوسيلة إلى تقليل حدة الاستغلال الرأسمالي حتى يحين الحين وتأتي منظومة حكم جديدة مختلفة نوعيًا (من المنظور الاجتماعي/ الطبقي) .. وأخذ الحماس الطبيعي بالبعض إلى حد الدعوة إلى الإضراب الوطني العام أو العصيان المدني التام.. وهو اجتهاد ستحكم عليه الأيام ومجريات الأحداث.. ولكنني بالطبع من المتحفظين (حتى لو اعتبرني البعض من المحافظين) على ابتسار أو ابتذال الشعارات برفعها قبل أوانها كشعارات للتنفيذ المباشر وليس كشعارات دعائية ..

لكن تتبقى أسئلة ملغومة لا مفر منها مهما كان وخزها كوخز الدبابيس المنغرسة في ضميرنا التاريخي.. هل من الممكن تصور أن المجموع الكمي للإضرابات سيؤدي تلقائيًا إلى حالة الإضراب الوطني العام المرغوبة؟ أم أنها حركات لها مطالب جزئية وخاصة (بل أقول بجرأة: أنانية أحيانًا) بكل فئة مضربة؟ وهل هناك شعارات عامة مجمعة بين كل تلك الإضرابات الجزئية بما يمكنها من التطور إلى إضراب وطني عام ناجح؟ وهل توجد لدينا الآن جبهة القوى الثورية المتحدة القادرة على قيادة هكذا إضراب وتحويله إلى إنجاز حاسم في مسألة الاستيلاء على السلطة مع تسلحنا في الوقت نفسه بجبهات "تكتيكية" مدنية/ ديمقراطية/ ...؟

وهو ما يقودنا إلى سؤال صعب آخر عن مدى تغلغل قوى الإسلام السياسي وما تسمى فلول الحزب الوطني في صفوف الجماهير خاصة في الريف وصعيد مصر؟ هل فكرنا في الاستعداد لمواجهة بهذا الحجم؟ وهل فكرنا في الاحتمالات المختلفة لموقف الجيش كأن ينشق أو يحكم بالحديد والنار مع احتمال أن يتمتع بتأييد بعض القطاعات الشعبية في هذا الصدد؟ وهل فكرنا في السياقين الدولي والإقليمي المحتملين إذا تفجرت الأحداث على أي نحو من الصور السابقة؟

أظن أن كل التباس أو ارتباك تمر به القوى الثورية يمكن إرجاعه- من بين أسباب عديدة- إلى تلك الفجوة الهائلة بين الظرفين الموضوعي والذاتي.. فلا الأحزاب اليسارية قادرة بعد على الاضطلاع بمهمة تاريخية ثقيلة كهذه.. كما لا توجد لدينا حركة نقابية قوية موحدة تستطيع تنسيق وقيادة النضال الاقتصادي/ الاجتماعي..

نعم لدينا مناضلون "انتحاريون" يصلون الليل بالنهار من أجل رص الصفوف والالتصاق بالتحركات الاجتماعية والشبابية.. ولكن أخشى ما أخشاه أن تكون لدينا فوضى في الشعارات التكتيكية- انعكاسًا لحالة التعددية المفرطة بين القوى اليسارية- تتراوح بين الرهان الكامل والأوحد على التمثيل البرلماني وتنتهي بمن يدعو للاستيلاء على المنشآت والتسيير الذاتي (بلا دور للدولة).. فهل يمكن القول إن التحركات الشعبية قد أفرزت القدر الوافي من الكوادر حتى لدخول الانتخابات، ولا أقول بالطبع التسيير الذاتي..

ليست لدي إجابات محددة وإنما أفكر بصوت عال.. ولدي إحساس غامض (لا بد أن له أساسًا موضوعيًا في توازنات القوى وفي الرؤى الغائمة والانغماس في التكتيكي والجزئي) بأن "فوضى" الشعارات وتلقائية الاحتجاجات يمكن أن تودي بنا إلى "حل وسط تاريخي" كتبت عنه منذ سنوات.. وهو بأن يصعد إلى دست الحكم تحالف ثلاثي بين المؤسسة العسكرية وقطاع من الإسلام السياسي وقطاع من "الليبرالية" يمثل مصالح رجال الأعمال .. وأن حلاً كهذا يمكن أن يرضي الأطراف الإقليمية (وخاصة إسرائيل والسعودية وربما تركيا) والأطراف الدولية خاصة الغربية..

إنني أبدي مخاوف حقيقية أشعر بها.. وتحليًا مني بالمسئولية لا بد أن أقترح حلولاً.. رغم أن الحلول الحقيقية لا يمكن أن تأتي إلا من تفكير جمعي لطلائع تشرك الجماهير الشعبية معها في التفكير والتدبير.. وأظن- وأجري على الله- أن مفتاح الحل هو تنظيم ووحدة اليسار على أساس برنامج نضالي تكتيكي (نعم تكتيكي فلا يمكننا الادعاء بقدرتنا الآن على أكثر من هذا) يستطيع "ضبط" حركة النضال السياسي/ المدني/ الوطني، مع ضرورة أن يترافق مع هذا إيجاد الجسور اللازمة لـ "ضبط "حرحة الاحتجاج الاجتماعي مع تمتين التنظيمات النقابية على المستوى الوطني..

هذا وإلا كانت الفوضى... وربما الفاشية من بعدها..

ألا هل بلغت؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Good article
هانى تمراز ( 2011 / 10 / 4 - 04:22 )
مقال جميل يا استاذ الجمال


2 - صباح الحكمة.. $mj;v lzùtn
مصطفى نور الدين ( 2011 / 10 / 4 - 04:57 )
صباح الحكمة .. دكتور مصطفى
مخاوفنا وقلقنا تجسيد لإدراكنا بضرورة الوعي بطبيعة اللحظة التاريخية والمهام الممكنة كخطوة لحلم دون حدود في عدالته حتى ولو كان مثاليا.
كل خطوة صائبة اليوم تحقق تراكمات لخطوات أبعد في السنوات القادمة. أتحسس الكلمات ولا يصيبني من شيء بالقلق قدر ما يصيبني شعار ليس الشعار المناسب اليوم فعاقبة عدم تحققه أخطر من عدم رفعه منذ البداية. يرفع الشعار الممكن في اللحظة المناسبة ليتحقق كله أو بعض منه فهو خير من العودة بعد جهد -بخفي حنين-.
أشاركك الدعوة لتوحد الحركة التقدمية وهو ما لم أكف عن ترديده منذ انطلاق الثورة وفي كل تدخل لي وحتى أخر ما كتبته بالأمس على كلمات هاني شكر الله. هذا التوحد حتمي وعدم إنجازه -جريمة تاريخية-. لا أجد كلمة أخرى إلا كلمة -خيانة للثورة-. فاللحظة هي لحظة نسيان كل مطمح فردي نتيجة نضال بعض القيادات التي لا ينكرها أحد.. واللحظة يجب فيها تأسيس ما أسميته -إيديولوجية مطالب الجماهير-.. فهذه هي الإيديولوجية الصحيحة لكي تتجمع الغالبية من المواطنين حولها وتدافع عنها وتتبناها.
إن قراءة الواقع مهمة عسيرة لأنه واقع متحرك وبسرعة تفوق كل نظرية مسبقة ويلزم تك

اخر الافلام

.. العاهل الأردني يستل سيفه تحية للأجهزة الأمنية والعسكرية


.. غانتس: يجب أن نعمل معا من أجل الوصول إلى انتخابات نشكل بعدها




.. وزير الخارجية الأميركي يبدأ جولة جديدة في المنطقة لبحث سبل ا


.. مصادر يمنية: مهمة إيصال الأسلحة إلى الحوثيين تنفذ عبر جماعات




.. تحقيق أمريكي يفضح فظائع الاحتلال في معتقل سدي تيمان