الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهادة مصطفى لغتيري ضمن ملف الرواية المغربية في مجلة سيسرا السعودية.

مصطفى لغتيري

2011 / 10 / 4
الادب والفن



علمتنا نظرية الأجناس الأدبية أن كل جنس أدبي يتميز و ينماز بخصائص محددة ، تميزه عن باقي الأجناس الأخرى ، و بحكم تجربتي في الكتابة الأدبية ، و التي انتقلت فيها ما بين عدة أجناس كالقصة القصيرة و القصة القصيرة جدا و الرواية و المسرحية و الشعر ، أستطيع ان أزعم أن الرواية تمنح الكاتب مجالا أرحب لتصريف كثير من الأمور التي تشغله على مستوى تكنيك الكتابة و مضامينها ، فللرواية رحب صدر يتسع ليشمل ، من دون تذمر ، جميع أنواع القول و فنونه ، فبين دفتي الرواية يتجاور الحوار مع الوصف مع روح الشعر ،التي إن افتقدتها الرواية أضحت جافة لا يتعاطى معها القارئ بكثير من الشغف ، أتحدث هنا عن الشعر بمعناه العام ، الذي يمكن أن نلمسه في كثير من الأعمال حتى تلك التي تبدو ظاهريا أبعد ما تكون عن الشعر ، هذا لا يعني بالمرة أن أنني أنتصر إلى اللغة الشعرية في الكتابة الروائية ،التي ميزت الكثير من كتاب الرواية خاصة في مرحلة ما من تاريخ الرواية العربية ، و التي انزاحت بالرواية نحو التكثيف الشعري ، فأصبح معها الحديث عن "الأجناس العبر نوعية" له ما يبرره ، بل أميل إلى توظيف لغة سردية ، محايدة قدر المستطاع ، حتى لا تشغل القارئ عن باقي مكونات العمل الروائي ، فلدي - فضلا عن إيماني بالحدود الفاصلة بين الأجناس-اقتناع تام بأن اللغة ليست في الأول و الأخير سوى وسيلة، و عنصر ضمن عناصر أخرى، يتعين عدم إغفالها في الكتابة الروائية ، لهذا أقبل بكثافة على قراءة الرواية العالمية المترجمة ، التي ألمس فيها نضجاعلى مستوى التكنيك ، مرفوقا بوعي جلي بالحدود الفاصلة بالأجناس ، إذ أن هذه الرواية تعطي لكل عنصر حقه ، فنجد أنفسنا أمام شخصيات و أمكنة و أزمنة واضحة المعالم ، مؤطرة برؤيا الكاتب العميقة ، إذ أن كل عنصر يؤدي وظيفته بشكل منفرد ، وفي علاقته مع باقي العناصر،و هذا الكلام لا ينفي الإبداعية عن كثير من الروايات العربية ، التي استوعب أصحابها بعمق مفهوم الرواية و وظيفتها الفنية و الجمالية و الاجتماعية ، فلا غرابة إذن أن يتوج نجيب محفوظ مثلا بجائزة نوبل للآداب ، كما أن رواياته تحقق أرقاما قياسية في المقروئية ، في الوقت الذي يشتكي منه الجميع من أزمة القراءة و محدوديتها ، فروايات محفوظ كما يعلم الجميع تقدم الفن الروائي بأصوله العالمية .. كما أعتبر أن الحكاية من أهم العناصر في الرواية ، فهذا المعطى في البناء الروائي أعتبره أساسيا ، و متى تخلت الرواية عنه فقدت كنهها و ماهيتها ، و فقدت بالتالي جمهورها ، الذي يبحث غالبا في الرواية التي يقرأها عن حكاية ما تظل عالقة بذهنه بعد الانتهاء من قراءة الرواية ، قد تكون هذه حكاية سلسة و تقليدية لها بداية و وسط و عقدة و نهاية ، أو حكاية معقدة ، و متشظية في بعض الأحيان تعتمد على البياضات التي يملأها القارئ بتاويلاته، أو تخترقها الاسترجاعات "الفلاش باك " ، لكن لا بد في رأيي من توفرها -أعني الحكاية-، ومن هذا المنطلق أحرص شديد الحرص على أن تتوفر روايتي على حكاية ما ، لكن تقديمها للقارئ لا يعتمد على طريقة واحدة ، فإيماني الراسخ بأن الأشكال أكثر عمقا من المضامين ، يحفزني على أن أحاول أن أقدم الحكاية في الروايات التي أكتبها بتقنيات و أشكال متنوعة ، حتى اتفادى التكرار و النمطية ، كما أن تعدد هذه التقنيات تولد لدى القارئ جملة من التساؤلات و الأحاسيس ، و تدفعه بالتالي إلى المشاركة الفعالة في توليد الدلالات العميقة للمتن الروائي ، و التي غالبا ما يطلق عليها "المعنى الثاني "، فلقد حاولت مثلا توظيف تقنيات التداعي الحر في رواية رجال و كلاب، التي كان توظيفها بنيويا و وظيفيا ، بما يعني أن طبيعة النص الحكائي فرضت على استماله ،إذ أن البطل مصاب بمرض الوسواس القهري ، و بعد أن يحكي للقارئ إحدى حالته المرضية ، يدعوه ليتقمص شخصية الطبيب النفسي ، حتى يتسنى له تحليل الحالات المرضية للسارد ، المرتبطة بأحداث يتوهمها ظانا أنها أحداث واقعية ، فكان لزاما أن يحكي له حياته انطلاقا من أصوله الضاربة في عمق البادية ، التي يمثلها في الرواية جده الذي كان فلاحا يعيش على خيرات الأرض ، فأصيب بمرض نفسي عضال أدى إلى وفاته في ظروف محزنة ، و مرورا بأبيه الذي انتقل إلى المدينة فطاردته لعنة المرض النفسي ، و وصولا إلى الشخصية الرئيسية / السارد ، الذي طوقته ظروف اجتماعية و نفسية ، أدت به إلى أن يصبح ضحية المرض المذكور أعلاه ، أما فيما يخص رواية ، "عائشة القديسة " فحاولت أن أقدمها بشكل مختلف ،جاعلا من أسطورة "عايشة قنديشة" عمادا لها و النواة الصلبة للحكاية التي تتضمنها ، من خلال ربطها بالواقع المعاش ، التي تضطرب في أتونها ااشخصيات ، و المعلوم أن هذه الأسطورة تهيمن على عقول المغاربة ،و خاصة أولئك الذين يقطنون على الساحل الأطلسي ، إذ يغلب على جلهم الاعتقاد بوجود جنية، تتجول ليلا على ضفاف شواطئ الأطلسي ، فتسلب الرجال عقولهم بجمالها و فتنتها ، فيقعون ضحية لإغوائها ، يتبعون خطواتها دون إرادة منهم ، فتصيبهم بالأذى ، و قد كان توظيف هذه الأسطورة محكوما ببعد تنويري ، يتمثل في وضع المجتمع أمام مرآة ليرى نفسه ، من خلال الكشف عن عقلية الإنسان المغربي خصوصا و العربي عموما ، الذي يحيا ضمن ثنائية متناقضة ، ففي الوقت الذي يدعي فيه الحداثة و العقلانية ، نجده يلجأ إلى الخرافة لحل أول مشكل يواجهه في حياته.

أما بخصوص روايتي "ليلة إفريقية " فلقد اعتمدت فيها على توظيف تقنية "الميتا سرد " بما يعني السرد الشارح ، و قد تمثلته في المتن السردي بما يعني أن الرواية و هي تنكتب تفكر في ذاتها ، من خلال إشراك القارئ في التفكير في التقنية التي سيعتمدها الروائي في كتابتها ، و هذه التقنية تسعى - بالإضافة إلى طابعها التجديدي في الكتابة السردية - إلى إشراك القارئ في العمل الروائي ، حتى يتخلص من سلبيته ، لتكون قراءته و اعية و فعالة ، و منتجة كذلك ، كما اعتمدت في نفس الرواية على تقنية رواية داخل رواية ، فبطل الرواية " يحيى البيضاوي ، و هو روائي من الجيل القديم وجد نفسه متجاوزا إبداعيا يلتقي في لقاء " الرواية بين الأمس و اليوم" المنعقد بمدينة فاس بروائية شابة تدعى "أمل المغيث "، فيثمر لقاؤهما مشروع رواية مشتركة ، يتفقان على أن تكون بطلتها الفتاة الكاميرونية "كريستينا " التي التقيا به في مهرجان الرقص الإفريقي ، فيشرعان في التخطيط للرواية و أحداثها و مراميها تحت أنظار القارئ.

وخلاصة القول إن الرواية جنس أدبي يسمح للكاتب بتجريب عدد من التقنيات و الأساليب ، كما يمكنها أن تستوعب جميع المضامين ، حتى تلك التي تبدو أكثر تعقيدا ، و من حق الروائي أن يذهب في هذا المجال مذاهب شتى ، لكنني أعتقد أن فهما عميقا للرواية و وظيفتها الفنية و الاجتماعية تلزم كاتبها بلمحافظة على الحد الأدنى من عناصر العمل الروائي كما هي متعارف عليها عالميا ، خاصة فيما يتحلق بالعنصر الحكائي ، و توظيف لغة سردية واضحة و فعالة ، أما ما دون ذلك فلا يؤدي الاختلاف حوله إلى أن " يفسد للود قضية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض