الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص قصيرة جداً (أوتار ذابلة، أوراق وأقلام، عرس في المقبرة)

نهار حسب الله

2011 / 10 / 4
الادب والفن


أوتار ذابلة

كان لديها لسان مُعبر وصوت ينصت إليه كل سامع، كان باستطاعتها نشر الحزن بلحظة وإخفاءه باللحظة ذاتها.. إنها آلة العود التي أعزف عليها بشكل يومي مع بداية دلوك الشمس، وحتى انشقاق الفجر لاستقبل عملي كعامل بناء.
وفي إحدى الأماسي، وأنا أعزف بنهم ومتعة عالية فوق سطح البيت، كنت اشعر باني أساعد النجوم على الانسجام مع القمر والاهتمام بجمال ضيائهما الخافت الذي ينير عتمة الليل.
كان الاحساس غاية في الروعة، إلا انه انقلب دونما سابق إنذار حينما تنبهت لأوتار الآلة التي بدأت تتلوى وتتكوم وتذبل على جسدها الرقيق.
لم اشعر حينها إلا بالسماء وهي تغادر أضواءها مع توقف اللحن، وسرعان ما صار الكون عتمة قاتمة، واحتفى القمر معلناً حربه مع النجوم.
أحسست لحظتها بان شرايين قلبي تقطعت، وباتت كل اطرافي تستقبل إيعازات عبثية غير منطقية بسبب ضعف وصول الدم إليها.
أدرك حينها بان آلتي قررت الانتحار من شدة بأس أصابعي وعنف أظافري التي يكسوها الاسفلت طوال ساعات النهار.

أوراق وأقلام

أطلق الجوع سمومه على قرية (أمازشت) وصار يرغم سكانها على الانضمام الى مسرح المجاعات اللامنتهي.
بدأ العوز ينحت رسوماته القاسية على قسمات وجوه السكان، ويرغمهم على إعلان استياءهم، وسرعان ما خُطت اللافتات المطالبة بالزاد والشراب وصارت تعلو جدران كل بيت في القرية، مما أوقع حاكمها في مأزق الحرج.
لم يجد سبيلاً للمحافظة على كرسيه الذهبي سوى التجوال في الدروب لتهدئة الامور.
ابتدأ تجواله مع حاشيته مطلقاً وعوده التي لا أمل من تحقيقها، إلى ان توقف عند لافتة كانت مرتفعة على جدران كوخ خشبي بائس كان قد كتب عليها (طالبوا بالاوراق والاقلام فهي زادكم الدائم).
طلب الحاكم ممن حوله استدعاء كاتب العبارة.
نفذ الامر في غضون ثوانٍ، ومثل صاحب الشأن امام الحاكم بوجه غير آبه بكل ذلك الجبروت.
سأله الحاكم وكانه يستعرض أمام الجمهور:
- هل لك ان تفصح عن متطلباتك، العبارة غير واضحة بما فيه الكفاية.. ماهي حاجاتك؟
- الأمر واضح جداً يا سيدي.. المجاعة تتفاقم يوماً بعد آخر، والموت يطوق الجميع، ولا جدوى منكم سوى الكلام، والأفضل ان نطالبكم بأقلام وأوراق بغية كتابة وصايانا لنخلد ذكرياتنا لمن سيحل بعدنا.

عرس في المقبرة

ولد في المقبرة، وعاش طفولته يلاعب اشباحها، امتهن حفر اللحود متوارثاً المهنة عن ذويه.. أجادها باحتراف عندما دفن عائلته الواحد تلو الآخر، وزين قبورهم بالازهار والبخور.
طالت أنفاسه حتى بلغ سن الشباب.. وتفجرت في داخله احاسيس عاطفية مشبعة بالحنان والرومانسية غير المألوفة ليقرر الاستقرار في عش الزوجية، والابتعاد عن عزلة القبور الموحشة.
جهز نفسه لهذا التغير الحياتي فحفر قبراً واسعاً ودهنه بطلاء أبيض اللون ودفن نفسه مع اول جثة شابة جاءت للمقبرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال